حتي لا ننساهم وهم في علاهم (5)
وعندما سنحت له الفرصة للعلاج في الخارج، عمل على تنظيم المعارضة في الخارج، وعمل على توحيدها حتى قام التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يجمع المعارضة في الشمال والجنوب لأول مرة في تاريخ السودان. وقد كان على رأس الوفد الذي وصل إلى (شقدوم) في جنوب السودان في أوج الحرب الدائرة آنذاك، وعقد اتفاقاً باسم حزب الأمة مع الحركة الشعبية، وكان معه الأخوان “مبارك الفاضل” و”صديق موسى بولاد”، وقد وطدت هذه الزيارة الجريئة العلاقة الشخصية بينه وبين د. “جون قرنق”، ومهد اتفاق (شقدوم) لانعقاد مؤتمر (أسمرا للقضايا المصيرية) في عام 1995م، الذي تشكل وفق مقرراته التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة مولانا “محمد عثمان الميرغني”، و”مبارك الفاضل” أميناً عاماً، ود. “عمر نور الدائم” ود. “جون قرنق” وآخرون أعضاء في هيئة قيادة التجمع. وقد قام د. “عمر” ساعتها بترشيح السيد “الميرغني” للرئاسة عندما أحس أنه المرشح المحتمل للرئاسة بوزنه الحزبي ودوره الفاعل في العمل الجماعي، فالذي يهمه هو العمل وليس الموقع. وكان بيته في (أسمرا) قبلة للجميع، فقد كان شيخ عرب بحق وحقيقة. لقد كانت زيارته لـ(شقدوم) وتوقيعه على الاتفاق مع الحركة الشعبية سبباً كافياً لمصادرة بيته الذي بناه بمساعدة أقربائه وأهله وأصدقائه، وطردت أسرته وتم تشريدهم، وعندما سمع بالواقعة ضحك وقال: (بيت شنو.. ديل صادروا السودان كله)، فأصبحت مثلاً وصارت المجالس بعد المجالس ترويها.
ذهبت معه والأخ د. “إسماعيل أبكر” إلى ليبيا بحثاً عن حل لمشكلة السودان المستعصية، وعقدنا اتفاقاً مع اللجان الثورية بقيادة الراحل “محمد المجذوب” و”سليمان الشحومي” و”عبد الحميد عمار”، وتشكلت منا لجنة سداسية عرفت بمبادرة القائد لحل المشكل السوداني. وقد قاد نشاط هذه اللجنة إلى عقد أول اجتماع لهيئة التجمع الوطني في طرابلس، برعاية العقيد “معمر القذافي” ورئاسة مولانا “الميرغني”، بحضور كامل هيئة التجمع بمن فيهم السيد “الصادق”، و”التجاني الطيب” ممثلاً للحزب الشيوعي، والعميد “عبد العزيز خالد” و”أحمد إبراهيم دريج” و”فاروق أبو عيسى” و”نيال دينق نيال”، ممثلاً لدكتور “جون قرنق”، و”مبارك الفاضل” وآخرين. كان هذا الاجتماع بمثابة اعتراف ليبيا بالتجمع الوطني الديمقراطي. وكان د. “عمر نور الدائم” محور اللقاءات والمحاورات الجانبية، التي قادت إلى إعلان طرابلس.
بعد توقيع (نداء الوطن) بين حزب الأمة والنظام في جيبوتي، الذي قاد إلى خروج حزب الأمة من التجمع الديمقراطي في مارس 2000م، قرر حزب الأمة العودة إلى السودان وحل جيش الأمة وعودة أفراده إلى السودان وتصفية العمل السياسي في الخارج. وكان أن كوّن الحزب وفد مقدمة بقيادة د. “عمر نور الدائم” و”مبارك الفاضل” وشخصي الضعيف وآخرين، وعاد الوفد يوم 6 أبريل 2000م، وتزامن وصوله مع ذكرى انتفاضة (رجب/أبريل) 1985م، وقد لقي الوفد استقبالاً جماهيرياً كبيراً، وشعر أهل السودان بأن صفحة جديدة في تاريخ الوطن قد فتحت، وأن صفحة سوداء كالحة قد طويت، وعاش الجميع آمالاً عراض في السلام والوئام والرفاء والديمقراطية.
كان د. “عمر نور الدائم” محور العمل السياسي والاجتماعي والثقافي، باعتباره الأمين العام للحزب، وفق الترتيبات المؤقتة التي اتخذها الحزب في اجتماع جامع بالقاهرة حضرته بعض القيادات من داخل الوطن، وكان ذلك في فبراير 2000م.
عندما عاد السيد “الصادق” ومن معه إلى الوطن في ديسمبر 2000م ووجد استقبالاً شعبياً كبيراً، بدأت الاجتماعات الثنائية مع النظام لتنفيذ ما اتفق عليه في جيبوتي، وعرف بـ(نداء الوطن)، كانت لجنة حزب الأمة برئاسة مسؤول العمل الخارجي ورئيس القطاع السياسي “مبارك الفاضل” وآخرين.
وكانت هنالك اجتماعات دورية بين السيد “الصادق المهدي” والرئيس “البشير”، وساد الساحة السياسية انفراج في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية، وزال نسبياً التوتر والتوجس والشك.
وعندما سارت الأمور في دروب أخرى نتيجة للصراع بين قيادات حزب الأمة وانعكس ذلك سلباً على العلاقة مع النظام، وتململت جماعات من مجندي جيش الأمة مطالبين بحقوقهم مع تصاعد الشائعات الداخلية بأن الحزب تسلّم من النظام أموالاً، فسارع كثيرون يطالبون بحقوقهم، فكان أن تم اقتحام منزل د. “عمر” والاعتداء عليه في ظاهرة غريبة ونادرة ظناً منهم أن البيت مليء بالعملات، ولكنهم لم يجدوا شيئاً، وكانت المعلومات المغلوطة عمداً تخرج من داخل حوش حزب الأمة.
كما قام بعض أفراد جيش الأمة باحتلال دار حزب الأمة، ورفعت الشعارات المطالبة بحقوقهم.. كانت الأجواء في الحزب العتيد ملبدة بالغيوم والضباب، وعتمت الرؤية حتى صار مدى الرؤية حتى صار مدى الرؤية السياسية صفراً، وامتلأت الدار بأناس لم نرهم من قبل في أجهزته أو أروقته، جاءوا يطلبون صيداً بعد أن سمعوا بآذانهم قول السيد “الصادق”: (لقد ذهبنا تصطاد أرنباً فصدنا فيلاً)، وكان ذلك عقب اتفاق (نداء الوطن) في جيبوتي نوفمبر 1999م، فاختلط الحابل بالنابل، فـ(تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد)!!