الخرطوم : الطيب محمد خير
أقرّ مجلس الوزراء في اجتماعه الدوري أمس الأول زيادة الأجور بنسبة (100%) التي وصفها وزير التجارة والصناعة “مدني عباس” مدني بالزيادة المهمة وغير المسبوقة، وقال إن مفعولها يسري اعتبارًا من أول أبريل على أن تكون شاملة القطاعين العام والخاص مع توفير موارد إضافية من قبل الدولة لتمويلها بإزالة التشوهات في التعرفة الجمركية، وزيادة ضريبة القيمة المضافة على السلع الكمالية .
ظلّت قضية تدني الأجور وثبات حدها الأدنى في حدود (425) جنيهاً منذ عام 2013 موضع أخذ وردّ ونقاش بين الموظفين بسبب موجات الغلاء التي ضربت الأسواق بشكل عام والسلع الأساسية بشكل خاص ولم تطرأ أي زياد في الأجور سوى الــ(500 جنيه) التي وجه مجلس الوزراء وزارة المالية بزيادتها في أجور العاملين بالدولة العام الماضي.
وقال خبراء اقتصاديون استنطقتهم (المجهر) إن هذه الزيادة التي تبلغ في مجملها مليارات الجنيهات تنفقها الدولة شهرياً لا تشكل حلاً جذرياً ، لأنها في ظل قانون تحرير السوق وعدم المقدرة على محاسبة التجار المخالفين والجشعين والمتلاعبين بالأسعار حتما سيبتعلها السوق وبالتالي ستعود نتائجها على القطاع الخاص ستزيد من أرباحه ويظل ينتظر المزيد ، وقالوا إن الحل الجذري يكون بإعادة دورة الإنتاج وإصلاح العلاقة بين الرواتب والأجور والأسعار بشكل دقيق بالإضافة إلى تحسين وسد الثغرات الموجودة في الجباية الضريبية وليس تقديم زيادة الأجور كمساعدة من الدولة التي ستكون انعكاساتها سلبية بما يترتب عليها من موجة تضخمية جديدة في الأسعار.
فسر مراقبون تعجيل الحكومة بالإعلان عن هذه الزيادات في الأجور قبل موعدها الذي كان مرتبطاً بنتائج المؤتمر الاقتصادي ومؤتمر المانحين بأنها محاولة لتفريغ الغضب المتزايد بسبب انشغال الحكومة الانتقالية المتزايد بالوضع السياسي المطبق خانقه عليها ، وإهمال الأعباء المعيشية المتزايدة التي تسحق المواطنين الذين ملوا مطالبة الحكومة لهم بالصبر على الأوضاع خاصة بعد إقرار وزارة المالية إجراءات اقتصادية قاسية، منها رفع الدعم عن الوقود بالتدرج الذي واضح انه يأتي ضمن البرنامج الاقتصادي الذي اتفق عليه وزير المالية مع صندوق النقد الدولي بطريقة غير معلنة ولن تتراجع عنه الحكومة رغم انفلات أسعار صرف الدولار في السوق الموازي أمام الجنيه منذ عدة أسابيع حتى وصل حاجز الـ(120) وفي طريقه لتخطيه ما دفع العديد من التجار في كل القطاعات السلعية خاصة الأغذية والأدوية ومواد البناء إلى إعادة تسعير بضائعهم ورفع قيمتها خوفاً من الدخول في دوامة تآكل رأس المال، وانعكس ذلك بتفاقم الأعباء المعيشية لملايين الأسر التي تئن من تلاحق موجات الغلاء، وسيطر القلق على الكثير من أرباب الأسر الذين بدأوا يجهرون بالخوف من عدم مقدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهم خلال الفترة المقبلة، وهذا واضح من النقاشات الدائرة بين المواطنين الذين ينتظرون في الصفوف أمام المخابز ولا تخلو نقاشاتهم من السخرية تجاه الدولة التي تقف عاجزة أمام ارتفاع الأسعار بسبب تواضع مواردها المالية واعتمادها بصورة أساسية على المساعدات الخارجية بالمنح والقروض رغم الوعود التي قطعها وزير المالية في أول ظهور له ببذله جهوداً لرفع مستويات المعيشة والحد من التضخم عبر برنامج إسعافي حدد مداه الزمني بـ(200) يوم شارفت على نهايتها ولا تزال الأوضاع تراوح مكانها بسبب تركة خروج الدولة من القطاعات الإنتاجية المهمة ضمن سياسة الخصخصة المختلة التي اتبعت في فترة النظام البائد وهيمنة التجار على مرافق الإنتاج والتحكم في الأسعار وفرض أسعار مرتفعة لتحقيق أرباح خيالية.
وقال رئيس جمعية حماية المستهلك د. “نصر الدين شلقامي” لـ(المجهر) إن زيادة الأجور التي أقرها مجلس الوزراء خطوة إيجابية جيدة في توقيتها المتزامن مع الانفلات الكبير في أسعار السلع الأساسية في الأسواق والخدمات وهي وضع طبيعي خاصة ومنذ فترة لم تتم أي زيادة في الأجور ولا حدها الأدنى .
وأضاف د.”شلقامي” إنه لابد أن تقابل هذه الزيادة ضوابط من قبل الدولة تجاه السوق وهي الخطوة التي ظللنا ننادي بها طوال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن تحرير السوق لا يعني الفوضى لأن هناك شواهد في كثير من الدولة التي تتبع سياسة تحرير منها الإمارات لكنها تحتفظ بـ(36) سعلة تتحكم في سعرها الدولة لذلك لابد أن تفعل الدولة رقابتها على السلع المدعومة وأن يكون لوزارة التجارة وجود في الأسواق عبر ضوابط، وهناك قانون تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار وقانون الرقابة على السلع فهذه القوانين يمكن تفعيلها في ضبط السلع العشر التي حددتها جمعية حماية المستهلك .
وأكد “شلقامي” أن ترك السوق دون وضع ضوابط عليه يعتبر انهزاماً كبيراً للخطوات الإصلاحية التي اتخذتها الدولة في تحسين الأجور.