في الأخبار، أن محافظ البنك المركزي أعلن أنه قد وصله من مكتب العقوبات بالخارجية الأمريكية تأكيدات بإنهاء جميع أشكال العقوبات المفروضة على السودان.. إنه خبر جيد.. ولكنه للأسف لن يحل أزمة السودان الاقتصادية.. وسيكون مثل كلامي هذا صادماً لكثيرين يفرطون في أحلام اليقظة.. ويشتطون في إحسان الظن بأمريكا.. إن بعض الحمقى يعتقدون واهمين أن مجرد الإعلان عن رفع العقوبات، يعني أن تهطل عليهم بركات البيت الأبيض، وتتدفق عليهم الرساميل الغربية ضربة لازب.. وستمتلئ المصارف والصرافات بالعملات الحرة.. من دون أن يحركوا للإنتاج ساكناً، ومن دون يكلفوا أنفسهم عناء زراعة نصف هكتار من الملوخية.. ومن كان ينتظر أن تهطل عليه سحائب الرحمة الأمريكية بالدولار الأخضر بدعوة مباركة من مركزية الحزب الأحمر.. أو أن تنفتح أبواب خزائن الاحتياطي الفيدرالي بشفاعة من “حمدوك”، فليراجع صحته العقلية بزيارة مصحة بجوار مسجد النور.. أو بمشفى غرب مسجد الخليفة.. إن أمريكا ومعها كل حلف الأطلسي الذين كانوا ينظرون لليونان، وهي تغرق في أزمتها الاقتصادية.. لن تحن قلوبهم القاسية على السودان حتى لو صلى تحالف (قحت) صوب المكتب البيضاوي.. أو أقاموا للسيد “ترامب” قبة تزار في النادي الكاثوليكي..
وذات مرة بعد (البروسترويكا) قيل للمستشار الألماني الراحل “هيلموت كول”؛ هلم ندعم الاتحاد السوفيتي.. فقال “لسنا في وضع يسمح لنا بتعبئة برميل بدون قاع”.. وسيطول انتظار البراميل الأفريقية الفارغة.. مثل انتظار الحمار لكي تنمو النجيلة.. وذات مرة قال وزير مالية إنقاذي” إن الخواجة حتى لو صح منه العزم على منحك ورقة من فئة (١٠) دولارات.. لن يمنحك لها، إلا بعد يقلبها ظهراً لبطن”.. وهو عين ما كتبه توفيق الحكيم في” عصفور من الشرق”.. (بان في مكان قلب أي أمريكي أبيض يوجد دولار أخضر).. أيها السادة.. لن يعطوكم دولاراً واحداً إلا بمقابل فادح، أو تنازل فاضح.. إن أزهي سني السودان وأكثرها رخاء تحققت وأمريكا تناصبنا العداء.. وكان سفيرها “يزازي” بين نيروبي وأديس.. وإن أسوأ مخاوفنا الاقتصادية تحققت، يوم أعلن “أوباما” رفعاً جزئياً للعقوبات على الخرطوم..
سيكون لزاماً على السودان أن يتوب إلى ربه، وأن يثوب إلى رشده، ويعود للأرض يفلحها ويحصد خيراتها، ويحكم سيطرته على حدوده الهاملة، ويضبط الوجود الأجنبي الذي يسرح ويمرح في بلادنا دون رقيب.. وأن يعمل على تحويل دعوات التظاهر وإعلانات المواكب، والمسيرات إلى زحف أخضر صوب مناطق الإنتاج.. إن الاحتجاج عدو لدود للإنتاج..
إنني أدعو الحكومة لتكون قدوة للشعب في التقشف.. وشد الأحزمة.. بدل أن يرفعوا سعر البنزين ويرفعوا رواتبهم وكان المطلوب من أي ثورة أن تحول دم شهيدها إلى رافعة ثورية،، تمنح المناصب، وتعظم الرواتب، وتجعل (الانفينتي) في صدر المراكب.
يا ثوار (قحت).. دعونا نهديكم.. أبياتاً من شعر “غادة السمان”..
(أمام ذلك الصديق تشاجرنا..
قال لي إنك بومة شريرة..
وقلت له إنك بروليتاري مزور..
تهتف للثورة للحصول على الثروة..
أقسم بطابات التنس الصفراء.. أن يتفرغ لكراهيتي )..
وبعض الثروة راتب كبير بالجنيه.. ونثرية متورمة بالدولار.. وسيارة لا تشبعها عين من البنزين فوارة..