اتفاق السلام الذي وقعته حركة طالبان الأفغانية بالأمس في العاصمة القطرية الدوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية والقاضي بإيقاف الحرب التي استمرت بينهما لأكثر من 19 عاماً وبدء سحب القوات الأمريكية من أفغانستان فوراً وكذا تبادل الأسرى بين الطرفين والحكومة الأفغانية .. يعتبر وبلا شك صورة مختلفة تماماً عن أي اتفاق من نوعه يوقعه الأمريكان مع أي قوة أخرى على الأرض منذ الوقت الذي أصبحوا فيه القوة الأحادية في العالم في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي بكتلته الشرقية في بداية تسعينيات القرن الماضي بعد أن أفلحت الاستخبارات الأمريكية في التخطيط والتنفيذ الذي أفضى إلى تفكيك الاتحاد الروسي الشيوعي عبر البروستروكا التي كان مهندسها “ميخائيل قورباتشوف” والذي اعتبره التاريخ العميل الأكثر نجاحاً في مسيرة العمل الاستخباراتي الدولي عبر نموذج سيظل بحجمه وتأثيره باقياً في ذاكرة العالم .. ولكن وللمفارقة جلست هذه القوة بالأمس أمام العالم كله وبكل جبروتها وقوتها وتاريخها العسكري بانتصاراته العظيمة مجبرة لتوقع اتفاقاً لهثت وراءه كثيراً حتى تم مع مجموعة محاربين لا زالوا يحاربون بـ(سراويلهم الطويلة وعماماتهم الكبيرة الملتفة حول رؤوسهم ووجوههم الملتحية) .. هذا الذي حدث بالأمس في الدوحة والذي وصفه الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” بأنه فرصة لسحب القوات
الأمريكية من أفغانستان بعد أن خاضت وكما قال قتالاً شرساً هناك.. يعتبر وبلا شك صورة
مكررة لما آل إليه الحال بين الروس والمجاهدين الأفغان في العقد قبل الأخير من القرن الماضي.. ولكن الأمر الآن يتخطى مشهد المجاهدين الأفغان مع الروس إلى حد الهروب العلني والانسحاب المذل فوصف ترمب هذا يعكس المعاناة الكبيرة التي تعاني منها القوات الأمريكية هناك بما يمكن معه وصف حالها هناك بالورطة التي تأمل واشنطن في الخروج منها سريعاً وبأي ثمن .. إذاً الأفغان يفعلونها مرتين ومع أكبر قوتين في العالم .. إنه سلام الأقوياء.. سلام يفرضه حفاة عراة لا يملكون من أمرهم سوى صدق إيمانهم وقوة عزمهم وراية تحمل بضعة كلمات تقول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ذلك في مقابل ذلة وهوان تعيشها أمة تجمعهم بشهادتهم هذه وقد اتخمت بثروات البترول والغاز ولكنها لا تقوى على استنهاض عزمها ولا قوة إرادتها لأن قياداتها خائنة وعميلة وفارغة الصدور من الإيمان وكاذبة اللسان في القول والعمل ..
نعم.. إنه سلام الأقوياء المؤمنين الصادقين.