الأمين العام لمفوضية الانتخابات يكشف في حوار مع (المجهر) الاستعدادات لانتخابات 2015م
أحد الخبراء والمختصين في مجال الانتخابات، شارك في انتخابات 1986م و2010م، كما شارك في انتخابات أكثر من عشرين دولة.. يتولى الآن منصب الأمين العام للمفوضية القومية للانتخابات.. هو الدكتور “جلال محمد أحمد”، الذي يعد من أبرز خبراء الانتخابات بالبلاد.. جلسنا معه في حوار تناول استعدادات المفوضية لانتخابات 2015م، ومخرجات زيارتهم لعدد من ولايات السودان في إطار الاستعداد للانتخابات القادمة.. وأين وصل العمل في هيكل المفوضية، وهل يتوقع أن تستعين المفوضية بخبراء من خارج المفوضية في الانتخابات المقبلة، وإلى أي مدى استفادت دول الربيع العربي من الانتخابات السودانية، وما هو وجه المقارنة بين الديمقراطية التي طُبقت في السودان في الفترات السابقة وما هو موجود من ديمقراطيات بالعالم، وما وجه المقارنة بين انتخابات 1986م و2010م، وما صحة الأقاويل عن تزوير انتخابات 2010م؟؟.. نترك القارئ يطلع على إجابات الدكتور “جلال” حول ما طرحنا عليه من أسئلة.
{ ما هي مخرجات زياراتكم الميدانية إلى عدد من ولايات السودان وأهم ما جاء فيها؟
– لقد طفنا على خمس ولايات من ولايات السودان في أول جولة ميدانية للمفوضية بغرض الاستعداد لانتخابات 2015م، ووقفنا خلال تلك الجولة مع ولاة تلك الولايات والمسؤولين والتنفيذيين، واستعرضنا احتياجات المفوضية في المرحلة القادمة، خاصة وأن المفوضية تستأجر عدداً من المكاتب وهذا أمر مكلف بالنسبة لها، إذ إن المفوضية تعدّ مؤسسة دستورية دائمة وتحتاج إلى مكاتب دائمة، لذلك طرحنا الفكرة على الولاة لتخصيص قطع أراضٍ لإنشاء مكاتب المفوضيات بها، وقد وجدت الفكرة حماساً شديداً واستجابوا لأن تكون للمفوضية مكاتب تليق بها. كما وقفنا على مدى الاستعداد لانتخابات 2015م التي نأمل أن تتم في جو هادئ. ومن القضايا الأخرى التي بحثناها السجل الدائم للمفوضية الذي بموجبه يحق لكل مواطن أن يدلي بصوته في الانتخابات، كما أجرينا خلال الزيارة لقاءات واسعة مع كل الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية، وعند بلورة الآراء التي جمعناها سنضعها في مشروع متكامل بغية عرضها على كل المشاركين في العملية الانتحابية.
{ ما المستفاد من الزيارة؟
– الاستفادة الأولى كانت وقفة الولاة معنا فيما يخص المكاتب المخصصة للانتخابات، ثانياً التأكيد على أن المفوضية لها استقلاليتها وهي جهاز منوط به تحقيق العدالة والفرص المتساوية لكل المواطنين الذين سيشاركون في اختيار من يمثلهم، كما تأكد لنا أن وجود المفوضية في أية ولاية من ولايات السودان لا يعني أنها تتبع لأية جهة من الجهات بقدر ما يؤكد استقلاليتها، ويتطلب أن يُكفل لها الاستقلال الكامل.. في نهاية الزيارة عبّرنا عن شكرنا لكل الذين قدموا لنا المساعدات ابتداءً من الأجهزة الشرطية والجهاز القضائي والنيابات، وكل الأطراف التي تشارك في العملية الانتخابية، ونؤكد أننا بدأنا بداية سليمة حتى تتم العملية الانتخابية في جو صحي ومعافى وخالٍ من الضغوط، مستفيدين من التجربة السابقة.
{ هل للمفوضية الآن مكاتب بالولايات وزيارتكم كانت بغرض مكاتب دائمة؟
– نعم للمفوضية مكاتب في كل ولايات السودان، ولكنها مكاتب مستأجرة، استفدنا في تأسيسها من الدعم الذي قُدم للمفوضية خلال الانتخابات السابقة، والمكاتب الآن مؤسسة بصورة ممتازة، والمفوضية كان لها (ستة وعشرين) مكتباً في ولايات السودان المختلفة بما في ذلك ولايات الجنوب، لذا فإن المقر الثابت سيحل مشاكل المفوضية في المرحلة القادمة لأن عدد المكاتب بعد انفصال الجنوب سيقل، لكن من حيث أجهزة الحاسوب والعربات وصناديق الاقتراع وبقية المعدات المستخدمة في العملية الانتخابية فليست فيها أية مشكلة، والمعدات السابقة ستكون لنا بداية لانطلاقة انتخابات 2015م.
{ وماذا عن الهيكلة؟
– لقد وضعنا هيكلاً لاستيعاب الكوادر العاملة في مجال الانتخابات من حيث التدريب والتأهيل، والهيكل الذي مر عامان على وضعه جُمد نظراً للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
{ وما مصيره إذن؟
– الهيكل تم التصديق عليه من رئاسة الجمهورية وحُددت ميزانيته، وسنبدأ بالهياكل الإدارية المختلفة، لأن أي هيكل تنظيمي لابد أن يُنفذ على مراحل، فبعد أن نأخذ التصديق المبدئي سنشرع في عملية تسكين الموظفين الموجودين مع اختيار الآخرين. ومن تجربتنا السابقة لدينا عدد من الكوادر التي شاركت في الانتخابات الماضية ولها تجربة طيبة، ومهيأة لأي نوع من التدريب الإضافي.
{ هل هناك جهات استعنتم بها في وضع الهيكل؟
– نعم، لقد تمت الاستعانة بخبراء من الأمم المتحدة وخبراء سودانيين، وأُجريت العديد من الدراسات مما مكن أن يمر الهيكل بأطوار متعددة حتى أصبح الهيكل واقعاً وحقيقة، ومن ثم تم رفعه إلى رئاسة الجمهورية، ثم إلى وزارة المالية وتمت الموافقة عليه من وزارة المالية، ونأمل أن يتم التنفيذ في أسرع وقت.
{ هل تعتقد أن الانتخابات السابقة كانت مثالية؟
– نحن ننشد المثالية في أية عملية انتخابية، وهي متوفرة في دول العالم، لذلك نأمل أن تكون عندنا. ففي انتخابات 2010م كان لدينا (اثنان وعشرون ألف) مركز على طول السودان، كما كان لدينا (مائتا ألف) عامل في كل مراحل العملية الانتخابية، وهؤلاء لم يكونوا دائمين فقد استعانت بهم المفوضية خلال فترة الانتخابات بصورة مؤقتة، وخلال فترة الانتخابات تنتدب المفوضية موظفين من الخدمة المدنية وتعمل على تدريبهم وتأهيلهم وتضعهم كاحتياطي لتستفيد منهم عند بدء العملية الانتخابية، أو أن تستعين المفوضية بمن هم بالمعاش أو خارج الخدمة، لكن دائماً نحبذ من هم بالخدمة لسهولة مراقبتهم ومحاسبتهم وإعادة تأهيلهم، وبالإمكان استدعاؤهم في أي وقت، وإن شاء الله سنطبق ذلك خلال الانتخابات القادمة.
{ هل استفادت أية دولة من دول الربيع العربي من تجربتكم في انتخابات 2010م؟
– نعم.. لقد استعانت بنا إحدى دول الربيع العربي، هي (تونس)، وقد شاركنا في كل مراحل انتخاباتها السابقة من مرحلة التدريب والتأهيل واللجان الفرعية ولجنة الانتخابات، فنحن أعضاء دائمون في لجان المراقبة بالاتحاد الأفريقي والإيقاد، وأنا واحد من خبراء (الكوميسا) وهي مؤسسة اقتصادية يأتيها دعم ضخم للعملية الانتخابية، ويفترض أن يتم تنظيمه عن طريقها حتى يُضمن توزيعه بعدالة على الأعضاء، والسودان يعد أحد أعضاء تلك المجموعة، وسنذهب الشهر القادم لإعداد الوثيقة التي تمكّن (الكوميسا) من المشاركة في الانتخابات ودعم العملية الانتخابية.
{ ألم تستفد مصر من تجربتكم؟
– المصريون لديهم تجارب في العملية الانتخابية، ولديهم سجل انتخابي وبطاقة، وهذا وفر لهم كثيراً من الجهد، ونأمل أن تكون لدينا بطاقة انتخابية مثلنا ومثل بقية الدول حتى تسهل العملية الانتخابية خلال أيام، وربما تكون الظروف الآن أفضل بعد إصدار الرقم الوطني.
{ هل هناك أي تدخلات من قبل الدولة في عمل المفوضية خاصة وأن الدولة هي التي تعيّن الأعضاء؟
– أعضاء المفوضية القومية للانتخابات يتم ترشيحهم من قبل رئيس الجمهورية، لكن التعيين يتم من خلال البرلمان، والمفوضية جهة اعتبارية وليست حزباً سياسياً يتم تعيينه. ونؤكد أن المفوضية جهة مستقلة لا أحد يتدخل في عملها، حتى تعاملها المالي يتم عبر رئاسة الجمهورية لكي لا ندخل في دوامة المصالح الحكومية.. صحيح نحن نخضع للوائح المالية والمحاسبية، لكن عملنا يختلف عن عمل الوزارات الأخرى، فأية عملية انتخابية تتم في مواقيت محدودة ولابد أن تكون الميزانية موجودة لتغطية الاحتياجات، والاحتياطي الذي يوضع للميزانية يكون مختلفاً عن الوزارات. لذلك نقول بثقة كبيرة وبملء الفيه.. ليست هناك جهة تتدخل في عمل المفوضية أو تحاول الهيمنة عليها، فنحن جهة مستقلة تماماً.
{ بما لديك من خبرة في مجال الانتخابات.. ما هي أوجه المقارنة بين الانتخابات في السودان وفي الدول الأخرى؟
– السودان لديه مخزون من العملية الانتخابية منذ عام 1953م ولديه خبرة في مجال إعداد القوانين والدراسات، وإذا نظرنا إلى التجربة الديمقراطية التي أقيمت بالسودان مقارنة مع الدول الأخرى نجد أننا متقدمون في هذا المجال بكثير.. وسبق أن وقفنا على التجربة الانتخابية في غرب أفريقيا وشاركنا أكثر من مرة في الانتخابات الأثيوبية والكينية واليوغندية والزامبية وفي غانا، أي أننا شاركنا في انتخابات أكثر من (عشرين) دولة.
{ ما الذي خرجت به من تلك التجارب؟
– خرجت بأن هناك أدبيات في الانتخابات، ويجب أن يعترف الناس بأن الانتخابات عمل تخصصي لا أحد يستطيع أن يقوم به غير المختصين، لكن المشكلة عندنا عدم الاعتراف بما يقوم الآخرون به من إنجازات، فدائماً نجد التبخيس لأعمال الرجال، حتى في الرياضة عند الهزائم تُعلق الهزيمة على شماعة التحكيم. فالمسؤولية في مثل هذه الأعمال مشتركة، ولابد من تضافر جهود الجميع. الأحزاب والحكومة ولجنة الانتخابات ومنظمات المجتمع المدني، جميعهم مسؤولون مسؤولية تضامنية كل يقوم بمسؤوليته.
{ ويقولون الانتخابات مزورة؟
– هذا أسهل شيء، أن يقال (الانتخابات مزورة) أو فاشلة، لذا لابد أن تستعد الأحزاب لانتخابات 2015م، وأن تعمل على تدريب منسوبيها منذ وقت مبكر حتى تستفيد من الأخطاء السابقة، وكيف تحتكم إلى القانون وإلى اللوائح والمنشورات والقاعد والأوامر، وكيف تتقبل النتائج، وكيف تتعامل مع متعلقات العملية الانتخابية بصورة حضارية. فنحن نريد أن يكون هناك تكامل في المعرفة، وتقارب في الرأي حتى لا نسمع (النغمة إياها) التي تثبط الهمم وليعلم أولئك المثبطون أن العملية الانتخابية لا تدار (بناس منزلين من السماء)، وأن الذين يتم اختيارهم لذلك العمل يتمتعون بالنزاهة والأمانة وأقسموا على الصدق والنزاهة والأمانة في عملهم. لكن للأسف الصوت العالي هو صوت الذين يحاولون تشويه الصورة الجيدة.
{ كيف تنظر إلى انتخابات 1986م و2010م وقد شاركت فيهما؟
– انتخابات 1986م جاءت في ظروف الجميع كان مهيأ لها، بجانب سعي الحكومة الانتقالية للتخلص من المسؤولية التي وضعت فيها.. لذا تم توفير كل الإمكانيات اللازمة ودخلت الأحزاب الانتخابات بحماس شديد.. أما انتخابات 2010م فجاءت تحت ضغط ومطالبة بالإسراع في إجرائها، وكان الاستعجال بهدف التفرغ لإجراء عملية الاستفتاء، لذلك إذا نظرنا إلى تلك الانتخابات نجد أن القوانين التي تدفع لإجراء أي انتخابات في الدنيا لا تتجاوز مواد القانون (الثلاثين) مادة، بينما مواد قانون انتخابات 2010م قد بلغت (112) مادة، واحتوى القانون على العديد من التفاصيل مما شلّ حركة المفوضية وقيدها نظراً للقصور الكبير الذي لازم القانون، وعندما أردنا إجراء اللوائح وجدناها شبيهة بالقانون، فالمفوضية يدها كانت مغلولة، وحتى المنشور الذي أصدرته اعتقدت بعض الأحزاب أن الأمين العام لمفوضية الانتخابات أصدر منشوراً من (رأسه)، وهذا لم يحدث، بل هي توهمات ظنتها الأحزاب، وأستطيع تأكيد أن كل الذين عملوا بمفوضية الانتخابات في 2010م عملوا بإخلاص وتجرد ونكران ذات رغم الضغط الزماني والمكاني الذي كانوا يعيشون فيه.. انتخابات رئاسة الجمهورية، انتخابات الولاة، المجالس التشريعية، انتخابات الجنوب، البطاقات الثماني في الشمال والاثنتا عشرة بالجنوب.