تقارير

حديث السبت: (مريسة) أم درمان وأسى الوزير "كندة" في أم بدة

وقف وزير التعليم العالي والبحث العلمي في (سهلة) أم بدة وأطلق نداءً لرئيس الجمهورية يناشده فيه ضرورة وقف الحرب وتمييز أبناء النوبة عن غيرهم من السودانيين، خاصة المتأثرين بالحرب عبر تقديم خدمات متكاملة لهم في كل مجالات الحياة، وأضاف البروفيسور “كجو” (أبناء النوبة يعيشون وضعاً إنسانياً حرجاً جداً منذ اندلاع الحرب في العام قبل الماضي)، وتساءل الوزير عن جدوى الحرب والخلافات التي تهدد وتعصف بأبناء النوبة وهويتهم!!
انتهى حديث الوزير وتمددت علاقات التعجب بما يثير في النفس كوامن الأسى والحزن، بعد أن أضحى الوزير وعضو المكتب القيادي في الحزب يطلق النداء في (السهلة) ليخاطب رئيسه عبر وسائط الإعلام والفضاء المفتوح، وكأن دروب التواصل قد سُدت بين الوزير ورئيسه في مجلس الوزراء وهو يصافحه ويحادثه كل خميس، ويمكنه الوصول إليه لبحث القضايا المرتبطة بملفات الوزير التي بين يديه، ثم (يعرج) الوزير للشأن السياسي ويعبر عن رؤيته بشأن قضية ما وينصرف لشؤونه، دون الحاجة للوقوف في ساحة خطابة عامة وتوجيه نداء لرئيس الجمهورية.. فإن كان الوزير الاتحادي يطلق النداء في الهواء الطلق لرئيس دولته، فإن النظام تمكن في داخله خلل بنيوي يصعب علاجه، ويبرر للوزير أن يتساوى من حيث المسافات بين رئيسه المباشر و”سلفاكير” في جوبا و”أوباما” في الولايات المتحدة.. ذلك من حيث الشكل لا المضمون، فالرسالة التي بعث بها الوزير، وهو عندي محل تقدير واحترام لجهده حتى وصفة بعض أساتذة الجامعات بأنه من أفضل الوزراء الذين جلسوا على كرسي البحث العلمي في العشرين عاماً الأخيرة، رسالة الوزير ودعوته لرئيس الجمهورية تميز أبناء النوبة دون سائر السودانيين الآخرين بسبب الحرب التي ألقت بكلاكلها على المنطقة الجغرافية (جنوب كردفان)، لهي دعوة تحيط بها تساؤلات، وتحفها تحفظات، وتنطوي على كثير من (التعجبات)، فالتمييز الذي دعا إليه الوزير يرتدي عباءة قبيلة وإثينة ويميز حتى بين ضحايا الصراع المسلح في جنوب كردفان وهم كل السودانيين قاطني هذه الرقعة الجغرافية لا النوبة كإثنية وحدها.. فالبقارة والفلاتة والكواهلة وأولاد حميد والدناقلة والشايقية والجوامعة جميعهم ضحايا للنزاع، ومتأثرون بالحرب مثل أشقائهم النوبة.. اقتسموا شظايا الذخائر والتحفوا السماء، ويفترشون الأرض اليوم معاً، يتضورون جوعاً، ويرفعون الأكف لرب السماء في العشية والصباحات (ربنا لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا).
الوزير البروفيسور “خميس كجو كندة” يجلس في كل خميس عند عقد مجلس الوزراء لجلساته قرب الرئيس “البشير”، وللوزير نفوذ داخل المؤتمر الوطني الذي خصص جيباً داخله لأبناء جبال النوبة (كتمييز) سياسي، ثم شطرت الحركة الإسلامية شيئاً من ثديها ومنحته لحركة إسلامية خاصة بالنوبة، فكيف لا يطلق الوزير نداءً يثير كثيراً من الأسى والحزن لمآلات الوطن حتى في فجائعه ونكباته ينقسم أبنائه إلى نوبة وشايقية وفلاتة وزغاوة وبني عامر ومسيرية وكواهلة.. ووزارة التربية مناهج وسلوكاً وخطاباً هي من ساهمت في صياغة وحدة السودان منذ عهد (منقو) و(ود جفيل) وكتب التراث القديم وحتى انشطار السودان لدولتين.. فكيف يصبح خطاب العلماء ووزراء التربية والتعليم العالي والبحث العلمي بعيداً عن مضامين التربية والتعليم والبحث؟.. والوزير يبدو من (مقلب حديثه) تعرف حسرته على مآلات أوضاع إقليم جاء من صلبه.. ولكنه لا يهتم بكل مكوناته.
{ (مريسة) أم درمان
تباهى الفريق شرطة “أحمد إمام التهامي” معتمد أم درمان بإنجاز الشرطة التي ضبطت (11) ألف زجاجة أو قارورة بمختلف الأحجام من الخمور البلدية (المريسة والعرقي)، وأشاد معتمد أم درمان بإنجازات قسم شرطة الكبجاب مثمناً جهود الشرطة وإنجازاتها المتلاحقة خاصة في القضايا التي تؤثر على المجتمع، وقال إن ما قامت به الشرطة يساهم في حماية المواطنين، وإن القوة التي نفذت عملية المداهمة تستحق التحفيز، وتم عرض (الزجاجات) في وسائل الإعلام كإنجاز حققته الشرطة وفشل ذريع لمشروع الدولة الإسلامي الذي بسط ذراعيه في السودان في سبتمبر 1983م، حينما أعلن الرئيس الأسبق “جعفر محمد نميري” تطبيق الشريعة الإسلامية وأغلق متاجر الخمور التي تعرف (بالبارات) وجفف منابع تجارة الخمور البلدية علناً بما يعرف بـ(الإندايات)، ومنذ ذلك الزمان السحيق وحتى اليوم لا تزال الخرطوم ومدني وبحري وأم درمان تنتج الخمر وتستهلك إنتاجها لنفسها، وآخر إنتاج أم درمان (11) ألف قارورة خمر للاستهلاك المحلي.. بافتراض من يجهل مقدار حاجة (السكير) من الخمر ليوم واحد فإن (11) ألف قارورة قد تكفي حاجة (20) ألف من سكان أم درمان التي أصبغ عليها الدكتور “محمد الواثق” من الصفات المستقبحة مما جعل “السماني الحفيان” يتصدى له.. وخرجت نساء المدينة في تظاهرة ضد الشاعر والأديب د. “الواثق” عام 1973م، وربما الآن فقط سنعيد ذكر:
ماذا أفادك يا أم درمان إيضاحي
وهذه الفضيحة شدت طرفي الصاحي
أن تنتج أم درمان وحدها (11) ألف قارورة خمر، فإنها لا تنتج إلا بمقدار الاستهلاك وحاجة السوق، وبلادنا يباهي قادتها وعلماؤها وساستها بطهر مجتمع الشريعة ونقاء المدن من الدرن والأوشاب، وشعبهم يستهلك يومياً آلاف القوارير من الخمور المصنعة محلياً، دعك من الخمور التي تأتي عبر منافذ السفارات والشركات متعددة الجنسيات (وعلى عينك يا تاجر) عبر مطار الخرطوم (للناس القيافة) الذين لا تطالهم (كشات الشرطة) ويحتسي بعضهم الفودكا والجن الحبشي، ومنزله محمي بفصيل من الشرطة التي نفذت عملية مداهمة أوكار الخمور بأم درمان! وتسارعت خطى المعتمد الفريق “التهامي” إلى حيث موقع الانتصار الذي حققته الشرطة في تقدير المعتمد ليتحدث بزهو وفخر ويرفع عصاه وتعلو الابتسامة وجهه، بينما القضية (المعروضة) تثير الرثاء والحزن العميق لحال مجتمع لا يزال يحتسى الخمر بشراهة وبكميات كبيرة تصل لـ(11) ألف قارورة.. ومعتمد أم درمان هب لمآزره الشرطة وتثمين دورها وتحفيز ضباطها وجنودها، وقد أدت الشرطة واجبها.. لكن أين الآخرون مما يحدث؟ أين هيئة علماء السودان التي يثير حفيظتها توقيع “الكودة” على وثيقة سياسية في كمبالا ولا تطرف ولا تدمع عيناها لمجتمع يستهلك كل هذه (السموم) و(مُذهبات العقول)؟؟ وأين الرابطة الشرعية للعلماء؟ وأين الذين يتخذون من فتاوى التكفير درباً يفضي بهم إلى أبواب السلاطين ولا يجهدون النفس في التوعية بمخاطر الخمر؟! وأين وزارة الإرشاد والأوقاف التي شغلتها مغانم الحج والعمرة، حتى عن حملات التنصير؟ وأئمة المساجد في ولاية الخرطوم لم يثر حفيظتهم ذبح أحد عشر من حفظة القرآن الكريم في خلاوي (الشيخ أحمد أبو فلج) بالعباسية في جنوب كردفان.. ذبحهم المتمردون من الأذن إلى الأذن، وأُغلق مسيد أضاء الصوفية نيرانه قبل مائة عام والآن تُشيد على أنقاضه (كنيسة) بسبب الحرب ولا يملك الأئمة حساً يجعلهم (يدينون) الحرب، ولكنهم يركبون مع الراكبين قطار رفض التفاوض بما يشتهي السادة الذين هم من خلفهم وأمامهم.. ولو (ضبطت) الشرطة ألف زجاجة (عرقي) و(جركانة مريسة) لما تكبد السيد المعتمد المشاق إلى الكبجاب.. ولو ارتفع عدد الزجاجات إلى (20) ألف لكان الوالي نفسه حضوراً ومدير شرطة ولاية الخرطوم متحدثاً، وربما إذا تضاعف العدد لارتقى ضيف الشرف إلى من هو أعلى مرتبة ومقاماً.. ولم يذرف السيد معتمد أم درمان دموع الأسى والحزن على فشل لا يحتاج إلى دليل لمشروع بلادنا الحضاري إذا كانت أم درمان وحدها تنتج (11) ألف قارورة من (المريسة)!!
{ “كامل إدريس” والعودة إلى جنيف
حينما سُئل الدكتور “حسن الترابي” يوماً عن الرئيس “عمر البشير” قال: (البشير هبة السماء لأهل السودان)، وما كان “البشير” ينطق باسم “الترابي” إلا (شيخاً) حتى انتهى المطاف بالرجلين أن عاد “الترابي” للسجون حبيساً وبات “البشير” في القصر رئيساً بكامل الصلاحيات والسلطات والاختصاصات، يتخذ القرارات بما يمليه عليه واجبه وفكره لا بما يمليه عليه (شيخه)!! وبعد سنوات الفراق الطويل وتمزق التيار الإسلامي وتصدع الجبهة الوطنية، وسيل الدماء والدموع والأحزاب، يعلن السفير “كامل إدريس” عن مبادرة لجمع الفرقاء على طاولة حوار وطني.. ويعيد “كامل إدريس” تجربته السابقة وهو في المنظمة الدولية سفيراً، و”الترابي” في النظام رئيساً من الباطن و”الصادق المهدي” معارضاً.. وكيف جمع الصهرين الخصمين اللدودين في (جنيف) ليفتح باب التسوية التي انتهت بعودة “الصادق المهدي” إلى الخرطوم، بعد أن تنافس قطبا النظام حينذاك “البشير” و”الترابي” في الظفر باتفاق سياسي مع الحسيب النسيب.. ولما كانت لقاءات (جنيڤا) في ذلك الحين ورقة ضغط لوح بها “الترابي” في وجه (هبة السماء لأهل السودان).. و”الصادق” و”كامل إدريس” غافلين عن الدواعي التي جعلت “الترابي” يسرع الخطى ويمد حبال الوصل مع “الصادق”، حيث كانت الخلافات الداخلية قد بلغت أشدها، وأخذ كل طرف يبحث عن خيارات أخرى.. ومن حيث شاء “كامل إدريس”، ومن حيث لا يعلم السيد “الصادق المهدي”، ساهما في (دق) المسمار الأخير في نعش وحدة الحركة الإسلامية وكتبا معاً قسيمة الطلاق غير المرجوع.. والسيد “كامل إدريس” الذي خاض تجربته السياسية الأخيرة كرئيس لحزب ومرشح لمنافسة “البشير” قد حصد من الخيبات والفشل ما حصد.. لكنه لم (ييأس) من الحياة.. كشف عن مبادرة علناً لجمع “البشير” و”الترابي” مرة أخرى، وبعد أن اختار الصمت والسرية لمبادرته الأولى التي جمعت “الترابي” و”الصادق”، اختار هذه المرة الجهر والعلن لفتح حوار سُدت نوافذه لأكثر من (12) عاماً بين د. “الترابي” زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض والمشير “عمر البشير” رئيس الجمهورية ومناخ إعداد دستور جديد للبلاد قد يساهم هو الآخر في عقد مثل هذا اللقاء، إلا أن فرص (التلاقي) وطي صفحات الماضي وتوحيد (اللحمة) بات شبه مستحيل بعد تراكم الدخان على الصدور، ولكن ثمة فرصاً للتعايش والجوار الآمن وفضاء الوطن ما ضاق يوماً بأبناء الوطن رغم ضيق الصدور.. والمسؤولية مشتركة لـ”البشير” و”الترابي” نحو السودان الوطن، وكلاهما مسؤول عن الإنقاذ ومجيئها، تحسب لهما إنجازاتها وعليهما إخفاقاتها، فكيف تتباعد المسافات إلى حد استحالة (العيش) لحزبيهما وقد أضعف الصراع الإسلامي الجبهة الداخلية وجعل الدولة عرضة (للابتزاز) والضغوط، وانشطر الجنوب (كخطيئة) تاريخية تحسب على الوطنيين والشعبيين معاً وكلاهما مهر بحر إرادته مثل الآخرين من القوى السياسية الإقرار بحق تقرير المصير لشعب جنوب السودان!! ولكن الإقرار على الأوراق والمواقف السياسية شيء ووقع المكروه شيء آخر.. وبعد ذهاب الجنوب إلى سبيله ونضوب البترول واستفحال الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تأخذ بعنق البلاد.. هل يفتح لقاء “البشير” “الترابي” الباب لتصالحات بين القوى السياسية؟! وقد سعى “البشير” لـ”الصادق المهدي” ووقع معه اتفاقات على الورق واتفاقيات شفاهية بعدد الحصى ولا يزال “الصادق” بين منزلتي المعارضة والحكومة، ومنح “البشير” السيد “محمد عثمان الميرغني” ما يطلب من (مطايب) السلطة والذهب والدولار والفضة والقناطير المقنطرة.. والاتحادي الديمقراطي نصفه مع المعارضة ونصفه مع الحكومة، يتحدث بلسان ويغني بلسان.. ولكن “الترابي” حالة خاصة جداً.. يضمر عداءً شديداً لـ”البشير” وحزبه واستعصت عليه رؤية تلاميذه بعيدين عنه، بل يتجاسر بعضهم على “الترابي” نقداً لاذعاً ومطالبات بجز عنقه بسيف السلطة.. لكن “البشير” يرفض المساس بالشيخ السبعيني، ويتذكر صلات القربى ويفيض قلبه رقة كلما اشتدت قسوة قلوب من حوله على “الشيخ” الذي يتكئ على حزب لا حول ولا قوة له، بيد أن “الترابي” شكل وحده أغلبية!! فهل ضغوط الراهن الداخلية والخارجية والتحدي الذي يواجه بقاء المشروع الإسلامي على قيد الحياة سيدفع (الشيخ والمشير) للقاء يذيب جليد سنوات الشقاق ويتراضى الطرفان على تعايش سياسي، ليكتب في صحيفة الدكتور “كامل إدريس” أنه الرجل الذي نجح فيما فشل فيه أمير قطر و”راشد الغنوشي” وشيوخ اليمن والشمال والعراق وإيران؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية