(ست الودع).. (كشكشة) المستقبل بسبع صدفات!!
(ست الودع أرمي الودع لي كشكشي شوفيهو لي كان فيه شيء، ما تختشي). وأنا أخطط لهذه المادة، كنت أستعين بهذه الأغنية علّي أتزود بها عندما يشتد أوار (الكشكشة)، لكن دعوني أولاً أتحدث قليلاً عن (الودع) ذاته، فهو عبارة عن أصداف تُستخرج من البحر، وتستخدم النساء المنجمات (سبع) حبات منها تختلف في الحجم واللون للكشف عن مستقبل الناس، وقراءة أوضاعهم الاجتماعية والمادية كما يدعين.
في ليلة قارسة الشتاء، في منطقة نائية بأطراف شمال أم درمان حضرت إلى مسيد الشيخ الطيب بخلاوي (أم مرحي)، جاءت في تلك الليلة الباردة تحمل همومها ومشاكلها إلى تلك البقعة الطاهرة. جلست إلى جوارها بالصدفة وتجاذبنا أطراف الحديث، وكعادتي طرحت عليها بعض الأسئلة وعرفت أنها (وداعية) معروفة في منطقة الثورة تُسمى “عزيزة”، أخذت رقم هاتفها وزرتها في منزلها بعد أيام قلائل من لقائي بها، لكنني لم أكشف لها عن (هويتي) الصحافية.
{ شكاوى بالجملة
كنت أراقب وأسمع ما يدور في تلك (الراكوبة) النظيفة المرتبة ترتيباً منظماً ودقيقاً، مجموعة من (العناقريب) و(البنابر) بوسائد ملونة، متناثرة هنا وهناك، وجدتها تجلس على (برش ملون) بألوان مختلفة يميزه اللون الأحمر، ويكسو البيت اللون (الكبدي) (الأحمر القاني) والأخضر بدرجاته كافة، ولا أدري ما سر هذين اللونين وارتباطهما (بالزار) و(الوداعيات).
مجموعة من النسوة يجلسن حولها وكل واحدة تسرد همها وشكواها. بدأت (الوداعية) “عزيزة” نشطة ومتحمسة، ترمي بـ(السبع) حبات لصالح الآنسة “خنساء” التي تأخر زواجها لأكثر من ثلاث سنوات منذ خطبتها، وأكدت “عزيزة” لـ”خنساء” أن (القصيرة) هي السبب في تعثر زواجها، وبينما كانت تصف لـ”خنساء” حالتها كانت الأخيرة تشهق من شدة دهشتها عندما ذكرت لها “عزيزة” بعض الأسماء، فازدادت ثقة الحاضرات بها، فوضعن أمامها (البياض)- مبالغ مالية تتراوح بين (20-50 جنيهاً)- وبعض الطالبات يضعن مبلغ ما بين (10-5 جنيهات).
{ فوق كوم من رمال
“هاجر” كانت تحكي عن مأساتها وأنها لا تستطيع الالتحاق بزوجها المقيم في بريطانيا رغم المحاولات الكثيرة، انتحت بها “عزيزة” جانباً وهمست لها: (زيدي البياض)، كانت “عزيزة” تضرب (الودع) فوق (كوم) من الرمال على شكل (مربع) يرتفع عن سطح الأرض أكثر من (خمس) سنتمترات، بينما “مواهب” الأرملة الصغيرة، التي توفي زوجها وترك لها ثلاثة أطفال، وهي تكابد في معيشتهم، طلبت من “عزيزة” أن تنظر لها في الأمر، و(تفك عوارضها)، لكن “عايدة” أرملة أيضاً قالت إنها تزوجت مرة أخرى دون أن تفكر في شيء سوى أن تجد من يساعدها في تربية أبنائها، لكن فوجئت ومع مرور الأيام بتضجر زوجها من أولادها، وأن ذلك لم يكن ليحدث له لولا أن أمراً جلل قد طرأ عليه، فطمأنتها “عزيزة” بأنها ستعالجه وتكشف لها عن من (هي) التي غيرته إلى هذه الدرجة.
{ مهارة “عزيزة”
كأنها الطبيب الذي يكتشف المرض أو يشخصه حتى تجد (المريضة) الدواء.. كانت “عزيزة” تقرأ (الودع) بطريقة بارعة حتى توهمك أنه حقيقة ماثلة أمامك، أغلبهن يتوهمن وجود العمل في حياتهن عندما يتأخر شيء ما عن موعده، زواج، سفر، وظيفة، أمر ما، أي شيء (ينعكس) عليكن فيلجأن إلى (الوداعية).
هناك ارتباط ما بين (الزار) و(الودع)، وذكرت لي “عزيزة” أنها تنزل كل يوم (أربعاء) وعندما (تنزل)- أي يتلبسها (الزار) أو (الجان)- تستطيع أن تكشف لزبونتها عن مشاكلها و(بتشوف شوف العين) كما ذكرت “عزيزة”.. فيا ترى ما سر علاقة (الزار) بـ(الودع) وهل هناك ارتباط بينهما؟
أضافت “عزيزة” إن كل (وداعية) عندها (زار) يكشف لها الحقائق.. جلبت الشغالة (مبخر) ملوناً باللون الأحمر والأسود، وحتى أنواع البخور التي التقطها أنفي هي نفسها التي (شميتها) في (بيت الزار) الذي زرته من قبل في أحد أحياء أم درمان العريقة.. جاء دوري فأخذت في البحث عن مشكلة حتى أعرضها عليها، فقلت لها هناك مشاكل كثيرة في مكان عملي من بعض زملائي يخلقون معي بعض المشاكل ولا يريدوني (أمشي لقدام).. صمتت برهة، ففهمت ماذا تقصد، وأخذت بسرعة أبحث عن النقود داخل (حقيبتي) وأخرجت لها (20) جنيهاً، فاعتذرت لها بأنني لم أصرف مرتبي حتى اللحظة.. قبلت عذري لماماً، وأخذت السبع حبات واعتصرتها في راحة يدها، ثم رمت بها على الرمل الذي أمامها، وأكدت لي “عزيزة” أن الحسد يتلبسني منذ صغري، وكلما كبرت يزداد معي.. وأخذت تصف لي أحد الأشخاص، وكدت أن أصدقها لكني تراجعت وقلت في نفسي (كذب المنجمون ولو صدقوا).. “عزيزة” (الوداعية) تعاني من مشاكل اجتماعية مهولة كما ذكرت لي أيضاً ويا للغرابة لم تستطع أن تعالج أو تحل مشاكلها، وهي في العقد الرابع من عمرها ضخمة الجثة يكسوها بعض الحزن بعد أن فقدت زوجها بالطلاق، تحمل على عاتقها مسؤولية أطفال صغار وتفكر جاهدة أن تتزوج مرة أخرى.