المرابيع والفتح
مضت أيام وأشهر منذ أن نكب بعض المواطنين في أموالهم ومنازلهم إبان كارثة السيول والأمطار التي اجتاحت بعض المناطق بولاية الخرطوم وولايات أخرى، يومها شهدنا التدافع الرسمي والشعبي لاحتواء الكارثة وبلغت الحماسة وبعض الجهات مبلغا تلاسن فيه الخيرون بتهم التسييس، إذ عد مناصرو الحكومة أن ذاك النفير عمل سياسي أكثر منه منشطا اجتماعيا تكافلياً فيما عده خصوم الحكومة عملا إنسانياً رائعاً حقيقاً بالدعم والسند.
وتجاذب الفريقان وصارت مرابيع ود الشريف والفتح محطات وديار زارها الفنانون والسياسيون ولاعبو كرة القدم ورابطت فيها الأحزاب والتنظيمات وذكرتها الجبهة الثورية فيما عندها من مظالم وغطت الأوحال والمياه صفحات الصحف الأولى، وتوافدت قوافل (الأكل الديلفري) على السكان المحليين ثم فجأة انقطع كل هذا وانحسرت الأضواء فقد أتت غاشية أحداث سبتمبر وانفتح ملعب جديد فيما يبدو ولم يعد أحد يأبه بمصير المستقبل الدراسي والوضع الصحي للمواطنين الذين انهارت منازلهم وسويت مواقع خدماتهم بالأرض.
ما أعلمه حسب إفادات شاهد أن الوضع في (المرابيع) يحتاج لا يزال إلى العون والسند، وأن تلاميذ المدارس في بعض قرى الفتح يدرسون في فصول صنعت من الخيام التي وفرتها منظمة طوعية وجهد خالص لبعض الشباب الذين تجمعوا على مواقع التواصل الاجتماعي ولا وجود للسلطات بأي مستوى، وغاب الحزب الحاكم هناك إذ يبدو أنه لا يزال مشغولاً بالتغييرات التي لم تنته بعد ويحدث هذا وأولياء الأمور يأتون إلى المدرسة في ساعات الفجر الأولى لحجز مقاعد لأبنائهم الدارسين، التلاميذ هناك فصولهم خيام وهم على بعد أقل من ساعة من قلب العاصمة الحضارية.
من قال سادتي إن الأزمة هناك والكارثة انقضت بانتهاء فصل الخريف وموسم الأمطار، الكارثة الأعظم الآن هي الإهمال والنسيان فبعد أن نال كل متكسب بالحدث في وقته وطره وغرضه السياسي أو المادي وربما الإعلامي لم يعد أحد يسال نفسه ما الوضع الآن في كل المناطق والبلدات التي دهمتها السيول ؟ وإن كان الوضع في القرى الواقعة والمناطق داخل حرم ولاية الخرطوم فما بالك بحال الولايات التي تنهار الخدمات فيها حتى بعواصم حواضرها في غير أوقات الشدة فما بالك بقرى قد لا يعلم بعض الولاة حتى بوجودها.
إن التفاصيل الواردة فقط من المرابيع والفتح جد محزنة ، فأولئك المواطنون هناك يتمسكون بالحياة والعيش في صمود عظيم، يتكافلون فيما بينهم لأحياء المدارس وإقامة قليل الخدمات ويسيرها بعد أن اختفت كل الوعود وبعد أن تلاشت أفواج المنظمات والروابط إلا قليلا من الصادقين الذين يواصلون نضالهم المجيد من أجل إنسان هذه الأرض، أعانهم الله ووفقهم وأخزى كل متاجر وظاهر في أزمة السيول قبل أشهر ظهر وتمطى ذارفا الدموع الكذوبة وها هي الأيام تكشف انتهازية كثيرين انصرفوا بمجرد أن انصرفت الأضواء عن مشهد الكارثة رغم أنها لا تزال ماثلة في معاناة الناس وسوء حالهم.