ربع مقال

بيننا وبين وهؤلاء..

د. خالد حسن لقمان

تعرضت سيدة بريطانية لألم الولادة عند الساعة الثالثة فجراً، وكان زوجها مسافراً خارج المملكة المتحدة، فما كان منها إلا أن طلبت المساعدة من جارها العراقي لكي يأخذها إلى المستشفى بسيارته..
لبى الرجل النداء وأخذها مسرعاً إلى المستشفى، وهي تصيح من شدة الألم، تجاوز كل الإشارات الضوئية الحمراء مخاطراً بسحب رخصة القيادة، لأن قوانينهم صارمة بهذا الشأن ..!!
أوصلها الى المستشفى بأمان وبقي معها إلى أن وضعت مولودها بسلام، اطمأن عليها ورجع للمنزل واتصل به زوجها يشكره على فعله الشهم.
بعد أيام جاءه إشعار من دائرة المرور يبلغه بضرورة دفع غرامة مالية لتجاوزه الإشارة الضوئية الحمراء …
ذهب إلى المرور ودفع الغرامة وذهب للشخص المسؤول وقال له:
سيدي أنا تجاوزت الإشارة الحمراء متعمداً لكي أوصل مريضة للمستشفى، ولا مشكلة لديَّ بالغرامة فقد دفعتها لكن الذي يحيرني كيف عرفتم بالأمر، ولا توجد كاميرات في ذلك الشارع ولا يوجد شرطي مرور؟!
قال له المسؤول:
المرأة الحامل هي من بلغت عنك!!
لم يصدق أذنيه..!!
عندما عاد في المساء ذهب إلى جارته لكى يطمئن عليها ويبارك مولودها الجديد،، استقبلته برحابة صدر وشكرته، وكادت تبكي من امتنانها وسرورها بلفتته الإنسانية .
لم يسرها في نفسه وسألها أنت من بلغت عني إدارة المرور؟
قالت: أجل ،،
قال: لماذا؟!
قالت له:
نحن بلد قانون وبلد منظم والمخالف يجب أن يأخذ جزاءه مهما كان وابن من كان، وبغير هذا القانون لم ولن نبني هذه الأمة، وستسود الفوضى والكل يفعل ما يحلو له، صحيح أنك ساعدتني وأنا شاكرة فضلك وإحسانك لكن، أنا جزء من منظومة تطبيق القانون الذي يبدأ بي ويشمل كل مسؤول.. أرجوك أن تفهم هذا الشيء وتقدره!
وقدمت له إشعاراً بأنها قد أضافت مبلغ المخالفة التي دفعها في حسابه المصرفي.
خرج منها متحيراً بين الإنسانية التي لا تعرف القوانين، وبين القوانين التي لا تعرف الإنسانية.
.. هذه القصة أرسلها لي وعبر رسالة إسفيرية  الصديق “نصر الدين عبد الحي” وقد ختمها لي بتساؤل حول حالنا مقارنة بهذا السلوك..  وبالطبع فإن حساسية قصة كهذه بالنسبة  لنا تأتي من كوننا لا نقبل مطلقاً، وكما هذا العراقي (الحمش) أن يمس أحد سلوكنا الرجولي خاصة في الاستجابة لمن يطلب نجدتنا ويرجو تلبيتنا للهفته وإنقاذه حتى ولو كلفنا ذلك حياتنا.. نحن كذلك وسنظل كذلك يا “نصر الدين” .. بل يا أخي فخورون بذلك .. أما أزمتنا مع القانون فهو وإن احتاج منا لثورة معرفية كما تشير أنت ويقول آخرون فإن ذلك لن يتعارض مطلقاً مع ثقافتنا تلك، بل يتكامل معها ديناً وقيماً وسلوكاً .. نحن أزمتنا العزيز “نصر الدين” في من يصر ويلح على أن يعلمنا كل يوم ومن على سدة الحكم وقصر الدولة وديوانها  كيف تكون خيانة الاوطان  وسرقة أهلها نهاراً جهاراً دون رادع أخلاقي ولا حياء ..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية