فنجان الصباح - احمد عبد الوهاب

فنجان الصباح..

أحمد عبدالوهاب

أشجع رجال الإنقاذ!!

لما تم تعيين “بكري حسن صالح” نائباً أول “للبشير”.. سألت الزميل “المغربي” عن مغزى الخطوة وهي برأيي غير موفقة.. قال “المغربي” ربما كان الرئيس يريد أن يحس بالأمان.. ولن يجده سوى بالقرب من رجل واحد فقط، وهو الفريق “بكري”.. “المغربي” قال إنه سأل أحد زملاء “بكري” بالجيش عن أشجع رجالات الإنقاذ؟ فقال له الرجل إن كنت تريد أن تسألني عن أشجع رجل في الإنقاذ وفي السودان وفي العالم فهو “بكري حسن صالح”!!..
فقد جمع الرجل إلى جانب شجاعته الفائقة، وثباته في الملمات، وصرامته في اتخاذ وإنفاذ القرارات، فضيلة الصبر والصمت والزهد.. صمد الفريق “بكري” صمود الأبطال أمام بريق الأضواء، وشهوة السلطة.. وفتنة الثروة.. فلم تحم حوله ولا أسرته تهَم بالثراء ولم يتورط في صفقات مريبة. ولم يسمح لنفسه أو لأحد من بيته باستغلال اسمه أو توظيف موقعه المتقدم في كابينة القيادة..
إن كاتب هذه السطور ممن لا يستلطفون الرجل، ولم يسع لبناء جسور علاقة معه طوال (30) عاماً.. وفي أول لقاء له برؤساء تحرير الصحف عقب تعيينه نائباً أول “للبشير”.. تم منح الجميع فرصة للحديث، قلت إن الرجل كما يبدو لنا زاهد في المناصب وأرجو أن يعان على الأمانة.. وأما عن صمته، فنحن إلى رجل فعال، أحوج منا إلى إمام قوال..
لم تحم حول “بكري” ولا أسرته أي تهمة بالثراء..
لم يحالف التوفيق “البشير” كثيراً.. ولكن إبقاءه “بكري” لجانبه طوال هذه المدة، كان قراراً ذكياً.. يعرف “البشير” أنه قد جلس على كرسي السلطة بالصدفة أو بالخطأ.. وأن الإسلاميين الأصلاء لن يدعوه يهنأ بالرئاسة.. فقد خبرهم لنحو عقد كامل، ويعرفهم مثل جوع بطنه، ووجع ساقيه، شراسة في القتال، وصلابة في النزال، ومهارة في السياسة وصبر على المكاره.. وعليه إن أراد النجاة، أن لا يرقد على قفاه إلا و”بكري” إلى جانبه.. إن “البشير” كان يدرك تماماً، أن الجماعة التي صنعته كانت قادرة على تحطيمه.. ولكن شيخه وشيخهم كان يحوشهم عن المواجهة، لقد كان يراهن على الزمن..ولكن الزمن للأسف لم يكن في صالح الشيخ الذي تخطي الثمانين.. ولا في صالح الإنقاذ وهي تقترب من الثلاثين جانحة، تكاد تتحطم على صخر الواقع الدولي والمحلي اللئيم..
كان “البشير” يدفع”ببكري” لمواجهة رجالات الترابي الأشداء.. وخصومه الألداء.. وكان “الترابي” مع علمه ودينه صعب المراس.. يواجه خصمه بلسان ذرب، وحجة بالغة، وعيني أسد.. وما كان في كابينة القيادة أحد قادر على الصمود أمام “الترابي” والنظر إلى عينيه، سوى قلة.. وسوى “بكري”.. لقد كان وجوده إلى جانب “البشير” يمثل قوة مفاعل نووي للطمأنينة، وممتص صدمات وسط مخاطر من وطنيين يخافونه، وشعبيين يخافهم..
لقد حرست الحركة الإسلامية كلها كرسي “البشير” عشر سنوات.. وتكفل بعدها “بكري” وحده بحراسة الحركة قرابة عشر سنوات..
صمم له الإسلاميون خارطة طريق.. هزم بها التمرد، واستخرج بها النفط، وأطلق ثورة التعليم وثورة الاتصالات والإصلاح الاقتصادي.. ما كان بمقدور “البشير” حفر بئر في حوش بانقا.. وما كان بإمكان “الجاز” إن ينشئ حفيراً في الملتقى.. ولا أن يصنع “أسامة عبد الله” سداً ترابياً على خور أبو ضلوع.. لولا الإنقاذ..
لقد كان “بكري” غريباً على الحركة الإسلامية، وكانت هي أشد منه غربة يوم نصبه “البشير” نائباً لأمينها العام. لا يمكنك أن تطلب من بطل سباقات رالي داكار تنظيم مضمار في أبو حَمامة والكلاكلة اللفة..
كانت الحركة لعقد كامل تحمي عرش “البشير” من أعدائه.. وكان “بكري” لقرابة عقد كامل يحَميه من أصدقائه.. ويوم تخلى عنه سقط سقوطاً مجلجلاً.
لقد كانت إفادات “البشير” للمحققين مخجلة ولا تليق بزعيم كان رجل دولة وقائد جيش.. وشتان بينها وبين إفادات منسوبة “لبكري” أمام إحدى لجان التحقيق.. استمع “لبكري” وهو يقول لهم في إفادات منسوبة إليه:(ماعندي كلام أقوله لكم.. أكان عندكم دروة ودوني).. كلاَم يشبه “بكري”.. حتى وإن لم يقله.. كلام يشبه أشجع رجل في الإنقاذ، وفي السودان، وفي العالم…

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية