تحقيقات

(المجهر) تفتح ملف عزوف الشباب السوداني عن المشهد العام

يغيب معظم جيل الشباب في السودان عن المشهد السياسي والعمل العام بمختلف ضروبه، ويبدو واضحاً للعيان أن أغلبية الطلاب المسجلين بالجامعات السودانية يقاطعون بطريقة لا إرادية انتخابات اتحادات الجامعة.
الجيل الحالي يعيش بالآلاف داخل (غرف) الشبكة العنكبوتية ما بين (الفيس بوك) و(تويتر) ومنتديات ما بين السياسة والاجتماع والولاءات (المناطقية).
لماذا يعزف الشباب عن السياسة بل حتى عن الرياضة (المحلية) بدرجات متفاوتة ليسيطر الدوري (الإنجليزي) و(الأسباني) و(الإيطالي) على خيارات (الريموت كنترول)؟؟
هل هي حالة رفض؟ أم احتجاج.. أم إحباط.. أم تدنٍ في مستويات الثقافة العامة؟؟ أم هو نقص في (جرعات) التربية والولاء لتراب هذا البلد؟!
{ (ثقافة ملعون أبوك يا بلد!!)
(المجهر) بحثت في هذا الملف.. بين الجامعات والطرقات.. أين هذا الجيل؟!

نسبة المشاركة من مجموع عدد الطلاب الكلي    عدد الطلاب المشاركين في انتخابات اتحاد الجامعة    العام
56,3%    9.678    2002 -2003
54%    8.564    2003 -2004
60%    10.174    2004 – 2005
–    لم يكتمل النصاب    2006 -2007
60,4 %    10.553    2007 -2008
–    لم يكتمل النصاب    2008 -2009
51,3%    12228    2009 -2010
    عدم اكتمال النصاب    2010 -2011

{ (51%) عام 2010م و(85%) عام 1970م
ييلغ عدد الطلاب الذين شاركوا في انتخابات اتحاد جامعة الخرطوم عام 2002م (عشرة آلاف) طالب وطالبة من مجموع نحو (خمسة وعشرين ألف) طالب وطالبة!!
أما الذين شاركوا في انتخابات العام 2007م فكانوا نحو (عشرة آلاف وخمسمائة) طالب وطالبة فقط، بينما بلغ عدد المشاركين في الانتخابات عام 2009م حوالي (اثني عشر ألف) طالب وطالبة بنسبة تصويت بلغت (51.3%)!!
ورغم قلة عدد الطلاب في جامعة الخرطوم في العام 1970م، إلاّ أن نسبة المشاركة بانتخابات اتحاد الطلاب بلغت نسبة (85%) من مجموع طلاب الجامعة!!
إذن تدهورت النسبة خلال الأربعين عاماً الماضية بشكل لافت.. فما هي الأسباب؟ ولماذا (شرد) الطلاب من منابر السياسة والنقابات بالجامعات؟!
عميد شؤون الطلاب بجامعة الخرطوم د. “مصطفى محمد علي” أوضح أن عزوف الشباب عن السياسة ليس بالضرورة عدم قناعة بوجود أهمية الاتحاد، لكنه نسبة لطغيان العمل السياسي لاتحادات الطلاب على المناشط الأخرى الخدمية، وفي اعتقاده أن الصورة الحالية لا تلبي رغبات الطلاب. ومضي قائلاً: يُفسَّر عدم قناعة جيل الطلاب الحالي بالممارسة السياسية في البلد بسبب عدم تطورها مع تطور بقيه أوجه الحياة، بالإضافة إلى انشغال الطلاب بالنوافذ الثقافية والسياسية الأخرى كـ(الفيس بوك)، و(القنوات). ويوجد أيضاً عامل آخر هو صِغر أعمار الطلاب (16-20) سنة مقارنة بأجيال السبعينيات الذي يدخل الجامعة في بداية العشرينيات أو أواخرها. وهذا الجيل لديه اهتمامات أخرى آخرها السياسة. وكشف العميد لـ(المجهر) عن أن تركيبة طلاب جامعة الخرطوم تضم (60%) من الطالبات، وبالتأكيد لهن اهتمامات مختلفة عن الطلاب، وآخرها السياسة.
{ الأحفاد: السياسة مسٌّ من الشيطان
يصف مدير جامعة الأحفاد للبنات بروفيسور “قاسم بدري” السياسة بأنها (مسٌّ من الشيطان) والعلم قبس من الرحمن والاثنان لا يجتمعان، ويشير إلى أنه كأكاديمي بعيد عن السياسة، ويرى أن هنالك خلطاً بين السياسة والعمل السياسي، ولكل وظيفة مكانها المناسب، والجامعات ليست مكاناً للعمل السياسي.
ويوضح “بدري” أن السياسة ما (يفرقها) عن العمل السياسي أنها تجعل الشباب مهمومين بقضايا ومشاكل البلد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وكيفية مواجهتها، وضرورة أن تبقى الجامعات مكاناً لتعليم وتربية الشباب وتهيئتهم لتحمل المسؤولية، وأن تكون لديهم أفكار وإدراك باحتياجات شعوبهم، وأن لا يكونوا معزولين عن قضايا البلد.
{ العلوم الطبية.. جامعة الجاليات!!
هذا هو الواقع الذي رسمه البروفيسور “قاسم بدري”.. ويوجد عدد من الجامعات الخاصة حظر العمل السياسي داخلها، ومنها جامعة العلوم والتكنولوجيا، وتؤكد عميد شؤون الطلاب بالجامعه د. “إيمان بشير نور الدائم” إن جامعتها تختلف عن الجامعات الأخرى، لأنها قبلة لأبناء الجاليات السودانية بالخارج الذين تبلغ نسبتهم (75%) من نسبة طلاب الجامعة، وهولاء الطلاب ولدوا وعاشوا في بيئة غير سودانية، وحتى ينصهروا في المجتمع السوداني لابد من معرفة ملامحه وثقافته وعاداته وتقاليده لدى هؤلاء الشباب كمرحلة أولية، وكرّست الجامعة جهداً كبيراً جداً من خلال المناشط والمعارض والدراسات وتفعيل دور الثقافة السودانية، مما يجعلهم فاعلين في إثرائها، ويكونون وسيطاً ناقلاً لنشرها في المهجر. والجامعة لا تعدّ المساحة الوحيدة لممارسة السياسة، وأي طالب لديه المقدرة ليكون فاعلاً ويغيّر في الأحداث، فإن ذلك يمكن أن يتم عبر وسائط كثيرة غير الجامعة.
{ “محمد”: (الأركان) عبارة عن (جوطة)!!
حملنا تساؤلاتنا وطرحناها على أصحاب (القضية)، وكان لقاؤنا الأول مع “أحمد كمال” الذي قال: (أنا اتنظمت في العمل السياسي من أيام الثانوي، لكن في الجامعة ما عندي أي علاقة بالسياسة وبقيت ماشي بمبدأ في حياتي من تحزّب فقد خان الوطن، ومع ذلك بحضر أركان النقاش البتطلع حقائق الأحزاب التانية وبتحصل حاجة في الشارع بتؤكد صدق الحقائق، وتاني حاجة أنا أفكاري ما لقيتا بين الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة، وجربنا كل الأحزاب وأثبتت فشلها، وما حصل انتخبت في اتحاد طلاب الجامعة لأنه مافي زول بقدم). أما الطالب “محمد عبد القادر” الذي كان يجلس وفي يده كوب شاي في (مساطب) الجامعة فقد قال: (إذا برنامجك في السياسة أنا بستأذنك) ثم ضحك وأضاف: (الأركان في الجامعة عبارة عن جوطة وزي ما بقول أهلنا أبعد عن الشر وغنيلو، ومن خاف سلم، ولو خشيت السياسة دي ماح استفيد منها وحاسي إني ما بغير حاجة، وقدامي حشود، وأنا لو زدت أو نقصت ما فارق بحاجة، وبتعامل مع الناس جوه الجامعة كأشخاص بعيداً عن توجهاتهم السياسية).
{ ما عندي دخل بالسياسة!!
الطالبة “علوية عبد الله” من جامعة الرباط بدأت حديثها بـ(الحمد لله جامعتنا ما فيها سياسة، وأري أن الجامعات الفيها سياسة بتتأخر فيها الدراسة ومافي إضافة أو تغيير، والجامعة بتقفل بمشكلة كم شهر وممكن تصل لسنة وبتفتح بنفس الحال بدون وجود حلول). وأضافت هالة أحمد طالبة بجامعة الخرطوم قائلة: (أنا بعيدة عن السياسة لأن السياسة تفرغ وأنا عندي التزامات أكاديمية كل نهاية سمستر أي كل 3-4 شهور، والعمل السياسي مرتبط بالعنف والعنف المضاد الذي يتسبب في حدوث مشاكل بالجامعات أدت وتؤدي إلى ضحايا في الأرواح). وتقول “فردوس محمد الحسن” من جامعة الأحفاد: (أنا ما عندي دخل بالسياسة، وده أهم سبب خلاني دخلت جامعة الأحفاد، لأنو فيها مناشط غير السياسة وممكن ألقى فيها نفسي، مثلاً مشاركتي في أسبوع المرأة).
(المجهر) شهدت في وسط كلية الآداب جامعة الخرطوم (ركن نقاش)، حيث التف حول المتحدث نحو (مائة) طالب، وبجوار الموقع العشرات من الطلاب الذين لم يحرك فيهم الحديث ساكناً، وهم يجلسون فرادى وجماعات، وثمة ضحكات متفرقة.. وكان المتحدث الطالب (م.ح)، وبعد انتهائه قال لنا: (الجامعة في الأساس مبنية على نشاطين، صفي وغير صفي.. الصفي عبارة عن محاضرات وسمنارات وبحوث، أما غير الصفي فهو عبارة عن روابط مسرح وغناء، وكذلك الندوات والمحاضرات السياسية، وهي التي تعتمد على مناقشة قضايا الطلبة، وأنا أمارس العمل السياسي لأنه حق من حقوقي).
{ إعادة صياغة الاتحادات
د. “مصطفى البلة” عميد شؤون الطلاب بجامعة الخرطوم يدعو إلى ضرورة تغيير دور الاتحادات وجعلها أكثر قرباً من الطلاب وطموحاتهم، وهذا يتأتى عن طريق تكوين الاتحاد.. ومن مهام الاتحاد التركيز على الجوانب الخدمية والأكاديمية والنشاط، والاهتمام بما هو قومي وليس ما يخدم الأحزاب والتنظيمات السياسية، فالمطلوب هو إعادة صياغة هذه الاتحادات.
ويضيف د. “مصطفى” إن جامعة الخرطوم فيها لجنة (النظر في تكوين الاتحاد والروابط والجمعيات الأكاديمية) يرأسها “عبد الملك محمد عبد الرحمن” المدير الأسبق للجامعة، للتفاكر مع الطلاب حول إعادة تكوين الاتحاد، وإجراء تعديلات في دستور الاتحاد لتحقيق رغبات الطلاب.
وفي ذات السياق، يبرر مدير جامعة الأحفاد للبنات بروفيسور “قاسم بدري” تراجع اهتمام الشباب بالعمل السياسي بالجامعات خلال العقود الأخيرة بوجود الأحزاب السياسية، ويشير إلى أنه قبل تكوين الأحزاب السياسية في فترة الاستعمار، كانت جامعة الخرطوم- وهي الجامعة الوحيدة في ذلك الوقت- وكذلك المدارس الثانوية خور طقت وحنتوب والأحفاد، كانت تقوم بالعمل السياسي لأنه لا توجد أحزاب، وبدأ هذا الدور يتراجع بعد الاستقلال وبعد تكوين الأحزاب. ويصف السياسة في الجامعات بأنها (شَكَلَ) ولا علاقة لها بالسياسة.
ويشير “بدري” إلى أن العلاقات بين الطلاب في الجامعات كانت مبنية على حقوق الزمالة وليس على العداء والبغضاء والتشرذم، وينبه إلى أن كل طالب حر في اختياره السياسي.
{ السن صغيرة!!
ترى رئيس قسم علم النفس- جامعة الخرطوم د. “عبير عبد الرحمن” أن الجيل الحالي يدخل الجامعات في سن صغيرة، ما يجعل الطلاب يتعرضون لتجارب مهمة باكراً وقبل أوانها، ويُحدث ذلك اضطراباً في نمو شخصياتهم ويؤثر على جميع أوجه حياتهم ومنها مشاركتهم في الحياة العامة الاجتماعية والسياسية، وكثير منهم لا يعي أهمية وقيمة المشاركة السياسية بصورها المختلفة، كما أن نشاطهم الاجتماعي قد ينحصر في مستوى الأنداد والرفقاء، مع عدم اهتمامهم بالتواصل مع الأجيال الأخرى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية