الخرطوم – الطيب محمد خير
يبدأ رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان” منتصف الأسبوع القادم زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية تلبية لدعوة من البيت الأبيض قدمها له وزير الخارجية “مايك بومبيو”، وأعلنت الإدارة الأمريكية اكتمال إجراءات الزيارة بمراجعة ملفات السودان للدخول في حوار مثمر .
ويشكل اللقاء الذي يجمع بين “البرهان وترامب” وبعض النافذين في صناعة القرار الأمريكي، فرصة جيدة للمكاشفة والمصارحة مع الإدارة الأمريكية في ظل تحديات جسيمة تواجه الحكومة الانتقالية في مقدمتها استمرار وجود اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب رغم التحولات الكبيرة التي شهدها السودان في أعقاب الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام البشير.
وكانت ثلاث من الدول الأفريقية غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي: جنوب أفريقيا وساحل العاج وغينيا الاستوائية قد طالبت الأسبوع الماضي في بيان مشترك مع ممثلي الاتحاد الأفريقي لدى الأمم المتحدة برفع العقوبات المفروضة على السودان.
وقال البيان، إن مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي ألغى عقوباته بحق السودان إثر التطورات الإيجابية التي شهدها بعد الثورة التي أطاحت بنظام “البشير” ويتعين الآن الاقتداء بذلك من خلال دعوة الدول المعنية إلى إلغاء عقوباتها بحق السودان.
لكن من الأمور الباعثة على الدهشة لدى المتابعين لملف العلاقات الأمريكية السودانية فتور رغبة أمريكا في التعاون مع رئيس الوزراء د.”عبدالله حمدوك” الذي يمثل الشق المدني، الذي كانت الإدارة الأمريكية أكثر تمسكاً بأن يكون الجانب الغالب والفاعل في الحكومة الانتقالية، ويبدو فتور هذه الرغبة في التعاون واضحاً مما تم في الزيارتين اللتين قام بهما “حمدوك” للولايات المتحدة، كانت الأولى للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي خطف فيها “حمدوك” الأضواء داخل القاعة بكلمات الترحيب من الرؤساء وممثلي الدول المشاركة، وكانت الزيارة الثانية بصحبة وزيري الأوقاف والعدل ، اللافت في كلا الزيارتين أن “حمدوك” لم يحظ بلقاء الرئيس “ترامب” ولا وزير خارجيته “بومبيو”، فقط التقى في الأولى بوزير الخزانة على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة كأرفع مسؤول التقاه في الإدارة الأمريكية التي واضح أنها لم تكن مستعدة للتخلي عن تمسكها باستمرار اسم السودان في قائمة الإرهاب رغم التعهدات التي قطعها “حمدوك” بالتزام السودان بدفع تعويضات ضحايا تفجير سفارتي الولايات المتحدة في شرق أفريقيا في عقد التسعينات الماضي بجانب خسائر المدمرة كول التي تم تفجيرها في اليمن ، وعلى العكس من ذلك بدا واضحاً أن المزاج الأمريكي يميل للتعاون مع الفريق “البرهان” الذاهب لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، عبر جسر التواصل مع إسرائيل التي بدأ معها علاقة مكشوفة باعتبارها مفتاح المدخل الوحيد لتمتين التعاون مع أمريكا والمؤسسات الاقتصادية الدولية، وهذا واضح من الامتيازات التي سيحصل عليها “البرهان” وتم الإعلان عنها بتسريبات قبل بدء زيارته، وقال “أريك منغلتتون” مدير مركز معهد صنع القرار في واشنطن، إن قرار إعلان رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب التي تصدرها الولايات المتحدة قد صدر عبر سلطات استثنائية للرئيس “ترامب” بتوافق كامل مع كتلة الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي وفي انتظار إعلانه بجانب تجميد واشنطن للإجراءات القضائية المتعلقة بتفجير المدمرة كول عبر قاضي فدرالي، وتجئ هذه الامتيازات لتحفيز “البرهان” بالمضي في تطوير ملف العلاقات السودانية الإسرائيلية، ولاسيما بعد اختبار جدية السودان عبر مرور طائرة إدارية إسرائيلية عبر أجواء السودان التي وجدت التعاون التام من مسؤولي هيئة الطيران في الخرطوم عبر التوجيه، وفي المقابل.
وقال أستاذ الدبلوماسية بالمركز الدبلوماسي د. “عبدالرحمن أبوخريس” إن الدعوة التي تمت لرئيس مجلس السيادة الفريق “البرهان” لزيارة أمريكا تعني أن الإدارة الأمريكية تعترف بالمكون العسكري على حساب المكون المدني في ظل حالة انعدام الثقة بين المكونين التي تعيشها الحكومة الانتقالية غير المنسجمة في مكونها الرئاسي ما جعلها غير متجانسة وضعيفة وغير قادرة على السيطرة على أراضي السودان الشاسعة التي يشكل موقعها الجيبولتيكي أهم المحاور الدولية التي تهم أمريكا وحلفاؤها الأوربيين في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والإرهاب، وهذا ما جعل أمريكا وحلفاءها الأوربيين يدعمون القوات المسلحة والدعم السريع إبان حكومة الإنقاذ لمحاربة هذه الظواهر، لكن الحكومة الانتقالية الجديدة بوضعها غير المنسجم في مكوناتها تبدو ضعيفة في أدائها العام السياسي والأمني ، بل الوضع عموماً يظهر أن هذه الحكومة زاهدة في الاتجاه لزيادة القدرات بشكل جعل المجتمع الدولي يتخوف من تزايد نشاط الجماعات الإرهابية ومجموعات الهجرة غير الشرعية ، في وقت يتبنى فيه رئيس الوزراء “حمدوك” سياسات وتوجهات توحي بتقوية الجانب المدني وبتقليل التأثير العسكري والأمني وهذا بالضرورة يتعارض مع مصالح الدول الغربية التي يهمها في المقام الأول محاربة الإرهاب لحماية نفسها ومصالحها قبل ترسيخ الديمقراطية.
وأضاف د.”أبو خريس” والآن واضح أن الإدارة الأمريكية بعد مراقبة وتمحيص ودراسة لأداء مكونات الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري طوال الفترة الماضية توصلت إلى نتيجة بأن الجانب العسكري أكثر مصداقية ورؤيته موحدة في التعاون معها في الشق الذي يهمها ويخدم مصالحها في مقابل مصالح السودان، وتأكد من جديته في ذلك أكثر من المكون المدني الذي يظهر بأنه أصلاً ضعيف وتقوده تنظيمات سياسية غير متوافقة، بينها صراعات تتحكم فيها توجهات أيديولوجية ظهرت حتى في الجانب الاقتصادي فهناك من يدعم تحريره وهناك من يعارضه .
وأشار د.”أبو خريس” إلى أن أمريكا بناء على ما توصلت إليه ولمسته في الجانب العسكري وبعد اختبار “البرهان” وإظهاره الجدية بلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” وجهت إليه الدعوة رسمياً للقاء الرئيس الأمريكي وبعض النافذين في الإدارة الأمريكية، وعلى العكس من ذلك في التعامل مع “حمدوك” الذي في زيارته لأمريكا لمرتين لم تتم بدعوة رسمية في الأولى كانت لحضور الاجتماع السنوي للأمم المتحدة والثانية كانت من تلقاء نفسه وكلاهما لم يقابل فيهما مسؤولاً رفيعاً سوى وزير الخزانة.
وقطع د.”أبو خريس” في حديثه لـ(المجهر) بأنه لا يستطيع أن يجزم بأن هذه الزيارة رغم أهميتها أن تحسم كل الملفات، لكن من المؤكد ستحدث اختراقاً بدرجة عالية في كافة الملفات التي ظلت عالقة بين الجانبين.
ونفى “أبو خريس” أن تكون دعوة الإدارة الأمريكية لـ”البرهان” تحمل رسالة يمكن تفسيرها بأن أمريكا تسعى لإحداث تغيير عبر المكون العسكري في السودان كما يتكهن البعض ، أو حتى أنها تفضل طرفاً على الآخر في مكوني الحكومة الانتقالية ، بقدر ما تشكل هذه الزيارة فرصة لإحداث تقارب وتعاون أكثر بين المكونين وإظهار التجانس بينهما أمام الإدارة الأمريكية التي تبحث عن مصالحها وتتخوف من الإحساس بوجود تنافر يؤدي لإضعاف الحكومة الحالية وبروز الدولة العميقة مجدداً.