المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان “عوض الله حسن سيد أحمد” في حوار مع (المجهر السياسي) (1-2)
“حمدوك” واقع ما بين مطرقة الحرية والتغيير وسندان المكون العسكري ويده مغلولة والذهب يمر عبر مطار الخرطوم والفساد ما يزال موجوداً
اليسار الذي يملأ الأرض صراخاً لن يفوز بدائرة في الانتخابات القادمة ولا مستقبل للعلمانية في السودان
الأخوان المسلمون ليس لهم علاقة بالحركة الإسلامية والخلاف في ثلاثة محاور
ميثاق الحرية والتغيير ليس قرآناً منزلاً والأخوان المسلمون لم يوقعوا على الميثاق
ليس هنالك إشكال إذا وافق الشعب على العلمانية ولا إكراه في الدين
الحركة الإسلامية فشلت لأنها جاءت عبر طريق الانقلاب العسكري
حوار – عبد الرازق الحارث
الدكتور “عوض الله حسن سيد أحمد” يعتبر من جيل القيادات الشبابية التي ورثت القيادة في التنظيم التاريخي للإخوان المسلمين بعد الوحدة التي حدثت ما بين جناحي “أبو نارو” وشيخ “صادق” والدكتور “الحبر يوسف نور الدائم”.. (المجهر السياسي) في إطار سياستها التحريرية بتوسع مواعين الحوار السياسي وإتاحة الفرصة لكل التيارات والقوى السياسية لعكس رؤيتها وإعلاءً من شأن الحوار، التقت بالمراقب العام للإخوان المسلمين في حوار الماضي والحاضر والمستقبل.. فإلى تفاصيل الحوار:
{ ما هي قراءتك للوضع السياسي الراهن؟
ــــ ونحن نحتفل بمرور (سنة) على ثورة ديسمبر لابد أن نترحم على أرواح الشباب المخلصين الذين مهروا هذه الثورة بدمائهم وضحوا بالغالي والنفيس من أجل أن تتحقق الحرية والسلام والعدالة.
وبعد مرور (سنة) لابد أن نقف عند الشعارات التي طرحتها الثورة وقامت من أجلها هذه الثورة المباركة الحرية والسلام والعدالة. واستطرد محدثي قائلاً: ننعم الآن بقدر من الحرية والتغيير ولعلنا في السودان ليس كسائر البلدان حتى في الأنظمة الديكتاتورية نتمتع بقدر من الحرية، والصحافة السودانية ليس عليها رقابة قبلية على الصحف.. وليس هنالك مصادرة للصحف بعد طباعتها مباشرة مثل ما كان يحدث في النظام السابق.
وفي السابق لم أكن قادراً على الحضور للعيادة لمباشرة عملي لأنني كنت مطلوباً في الأحداث من الموقف الذي أعلنه حزبنا.. كنا نجتمع سراً ونتحرك لواذاً، وفي المظاهرات كان الطلاب يعتقلون المواطنين وتنتهك حرماتهم بالضرب والسحل، الآن هنالك حرية متاحة.. لكن مجملاً لو قلنا إن الشعب السوداني لم يستطع حتى الآن أن يحقق الحياة الكريمة، وإذا أردنا أن نكون منصفين المشكلة الاقتصادية التي ورثتها الحكومة الحالية هي السبب الرئيسي لتفجير الثورة السودانية عندما قامت في عطبرة، التي بدأت بعامل المطعم الذي جاءه طلاب المدرسة الصناعية بعطبرة، وقال لهم إن العيش بسعر إضافي مما جعل الطلاب يخرجون متظاهرين، هذه كانت الشرارة الأولى للثورة، ولن نقول إن الثورة ثورة جياع أو مشكلة اقتصادية، وإنما تراكمات متعددة، والمشكلة الاقتصادية واحدة من الأسباب مع الفساد والاستبداد، وتراكم هذه العوامل هي التي قادت للثورة السودانية.. إذا أردت أن تحقق أي نجاح لابد أن تنظر أين كنت وأين أنت الآن؟.. إذا تكلمنا عن الحريات نقول إن هنالك تحرراً، وإذا تكلمنا عن المشكلة الاقتصادية فما تزال ضاربة بأطنابها، بل ازدادت سوءاً.
أنا أسكن حياً شعبياً هو (أم بدة الراشدين) وأعمل في مستشفى الأطفال بأم درمان، وتمر عليَّ صفوف الخبز ومشكلات الغاز والجاز وغيرها التي ما تزال تراوح مكانها، الأسعار ما تزال تواصل الارتفاع والدولار يرتفع يومياً يوازي (100) جنيه وينخفض.. المشكلة الاقتصادية ما تزال موجودة وازدادت سوءاً، وحال الناس في كل يوم يزداد سوءاً.. الأسعار مرتفعة جداً وتكلفة العلاج مرتفعة.. نحن نشاهد مآسي في المستشفيات.. المريض يكمل علاجه ولا يقدر أن يغادر البيت لأنه لا يمتلك تذكرة السفر، وما تزال أزمة المواصلات، كبار السن ورجال وبنات يقفون صفوفاً في انتظار المواصلات، وطلاب المدارس لا يقدرون أن يصلوا.
المشكلة الاقتصادية موجودة ومتفاقمة، وصراحة ليس هنالك حلول.. سمعنا عن بعض المعالجات، وحتى الآن لم تضرب أوكار الفساد.. وما يزال الناس يتحدثون عن خروج الذهب عبر مطار الخرطوم ولا يعود إلى حصيلة وخزينة الدولة.. وأمس كان هنالك كلام، بنك السودان لا تعرف أيلولته هل لمجلس السيادة أم مجلس الوزراء؟.. المسألة أصابت الكثيرين بالإحباط، وتابعت لقاء الأخ د.”حمدوك” وكنت أتمنى أن تكون هنالك إجابات شافية. واتضح أنه ليس هنالك خطة واضحة لحل المشكلة السودانية.
وكنا نتكلم قبل سقوط النظام السابق، وتم استجوابي في مكاتب الأمن ديسمبر 2019م، وتحدثت مع ضابط الأمن متسائلاً يا أخي لماذا جئتم بي إلى هنا؟.. المشكلة ليست أمنية ولن تقدروا على حل المشكلة أمنياً.. والمشكلة ليست اقتصادية، وفي ظني أن المشكلة سياسية، والآن نقول نفس الكلام.. المشكلة الآن سياسية.. كررنا الحديث أن السودان بلد كبير، فلا يمكن لجهة مهما اتسعت إمكانياتها أن تدير الدولة بمفردها.. والحل في التوافق السياسي.. نحن قلنا بضرب كل المفسدين تجار النظام السابق.. أي إنسان يثبت عليه الجرم ينبغي أن يُحاسب ويقدم للعدالة.. أما أن يتم إعفاء الناس بحكم الانتماء لأفكار فهذا لا يستقيم.
هذا السودان يسع الناس جميعاً وينبغي أن نتعاون جميعاً في بنائه وتشييده.. قلنا إنه لابد من الخروج من الصفوية، فلا يعقل أن نتحدث عن مكون عسكري ومكون مدني، وما تزال هنالك شكوك وعدم ثقة في مجلس السيادة.. ولا يمكن أن يكون هنالك (ناس) يمسكون ملفات وآخرون يمسكون ملفات أخرى.. ولا يعقل أن يكون الخطاب فيه نوع من الاستعداء لفصيل أو مكون في الشعب السوداني.. نقول إن هذه الثورة عظيمة.. وأن الدماء التي بذلت في سبيلها دماء عزيزة.. وينبغي أن نرتفع إلى مستوى المسؤولية ليس هذا وقت (المحاصصات) وعندما تقدمنا بمقترحاتنا أننا نريد حكومة كفاءات غير حزبية، لكن الواقع الآن يقول إن هذه الحكومة حكومة حزبية وتفتقد للكفاءات وهنالك الكثير.
و”حمدوك” عندما جاء وقال سيختار بين الثلاثة الأكفاء منهم، لم يقدم كفاءات بالمعنى، مما يطرح سؤالاً أن بالسودان كفاءات فلماذا لم يقدموا وهم غير حزبيين؟.. هذا هو الأصل.. الآن منذ الأمس واضح أن د.”حمدوك” واقع ما بين مطرقة الحرية والتغيير وسندان المكون العسكري ويده مغلولة.. ولا يستطيع، وكل الأشياء عبارة عن تمنيات سنفعل ونحاول ويبدو أن وراء الأكمة ما وراؤها.. ويجب أن نمتلك الشجاعة ونعترف بالمشاكل في الواقع الآن للخروج منها.
ونصيحتي لأهل النظام القديم يجب أن يعترفوا أن هنالك ثورة قامت عليهم.. وفكرة (يا فيها يا نطفيها) لن تحل المشكلة.. وبنفس المستوى الحرية والتغيير تكون كالقائل: الفول فولي زرعته وحدي وحصدته وحدي وسآكله وحدي.. هذه النفسية من هؤلاء وأولئك لن تقدم السودان، إذا لم تخرج من الصراع بين المكون العسكري والمكون المدني بإيجاد معادلة تحل مشكلة العسكر بالسودان.
إذا رجعنا للتاريخ السودان نال استقلاله عام 1956م، لم يمر عامان حتى استدعينا العسكر بعد (1958 – 1964م)، ثم جاءت ثورة أكتوبر 1964م، والتي جاءت بحكومة جديدة (1964 – 1969م)، وبعد ذلك جاء الانقلاب 25 مايو 1969م، ورحب به الشعب السوداني كما رحب بانقلاب “عبود”.. واستمر حكم مايو (1969 – 1985م)، وجاءت انتفاضة أبريل 1985م، وجاءت حكومة “الصادق المهدي” (1986 – 1989م) ليجئ انقلاب الإنقاذ 1989م، وانقلاب الإنقاذ رحب به الشعب السوداني، وكان انقلاباً أبيض لم يتوفَّ فيه إلا “أحمد قاسم” في السلاح الطبي.
واستمرت الإنقاذ (30) عاماً، ثم جاءت ثورة ديسمبر.. الآن نكرر نفس الأسلوب الذي سيقودنا لنفس النتائج.. يجب أن ندعو لمؤتمر جامع لا يستسني أحداً.. إلا من أجرم في حق السودان والشعب السوداني.. والوصول لحل مشكلة السودان والخروج من صراع أولاد الغرب وأولاد البحر، ونخرج من صراع العسكر والمدنيين.. ونطلع من صراع الإسلاميين والعلمانيين، لابد من الخروج من صراع الأيديولوجيات.. الشعب السوداني رغم الإمكانيات الهائلة التي حبانا الله بها في باطن الأرض وظاهرها لا يجدون قوت العيش.. الرغيفة أصبحت في حجم الطعمية، وكما يقول الناس لا نعرف هل نحشي الطعمية في العيشة أم نحشي العيشة في الطعمية؟.
الإشكالات كبيرة.. وتركنا بلادنا للتهريب، وحتى القطط السمان التي قالها “البشير” لم نرَ هذه القطط السمان تقدم للمحاكمات.. لا يمكن أن تقيم معركة مع “عبد الحي يوسف” وتترك من سرق مال الشعب السوداني، وأن تحتفي بـ”محمود محمد طه” والجمهوريين ويكون هجومك على الإسلاميين.. هذه القضية لا تتوافق مع وجدان الشعب السوداني.. حتى مكونات الحرية والتغيير في ما بينها ليس هنالك انسجام، هنالك حملة شديدة على السيد “الصادق المهدي” وهنالك تململ من المؤتمر السوداني، ينبغي لمكون الحرية والتغيير أن يحسم الصراع في داخله.
هذا المكون ينبغي أن يتحرك على بقية المكونات التي لم توقع على ميثاق الحرية والتغيير.. ميثاق الحرية والتغيير ليس قرآناً منزلاً.. نحن كإخوان مسلمين لم نوقع على الميثاق لدينا بعض الملاحظات، وهذا لا يمنعنا حقنا في أن نكون شركاء في هذه الثورة.. ينبغي أن نأخذ كل مكونات الشعب السوداني.. السودان لا يتقدم إلا بتوافق بين جميع مكوناته في الشمال والشرق والغرب.. إسلاميين وعلمانيين، العسكر والمدنيين أولاد الغرب وأولاد البحر، هذه المكونات يجب أن نأخذها نمضي بها ونترفع على الصغائر.
إذا أردنا أن نحاكم أناساً ونترك آخرين.. وأن نحاسب على أيديولوجيا ونترك آخرين.. هذا يتنافى وكلمة العدالة التي جاءت في شعارات هذه الثورة الكريمة.. نريد السلام العادل الشامل.. وليس سلاماً مشروطاً.. أخونا “الحلو” يقول إما العلمانية أو الانفصال.. من يمثل حديثه هذا؟.. هنالك أشياء لا يمكن أن نقيمها إلا حكومة منتخبة .. وأكبر من ذلك يجب استفتاء الشعب السوداني كيف يحكم؟.. أنا واحد من الناس ما عندي إشكال إذا وافق الشعب السوداني على العلمانية أن يحكم بها.. يمكن لا أريد للعلمانية أن تفرض عليهم.. ولا أريد أن يفرض على الناس الإسلام كذلك.. حرية في كل شيء.. الله خلق الناس أحراراً ربنا يقول (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) قرآن كريم، ويقول (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) بنفس المستوى لا يمكن أن تجبرني على قبول العلمانية، ولا أريد أن أفرض عليك الإسلام الذي أؤمن به نظاماً شاملاً للحياة.
الآن ينبغي أن ترتب الأولويات ما هي الأولويات للشعب السوداني وهو شعب متدين بطبعه، لكن لديه مشكلات في المأكل والمشرب.. الآن قانون التمكين نحن مع إزالة كل رموز الدولة العميقة مع تفكيك التمكين.. أن تكون الدولة للوطن لا للحزب.
ونكون حريصين على أن لا يُظلم أحد، أن تكون العدالة لنا ولغيرنا، وبدون هذه الروشتة نكون كمن يصرخ في وادٍ ويقع في رماد ولن يكون إلا حصاد الهشيم.. ولا أقول أني متشائم، ولكن متفائل أن هذا الشعب وهذا الشباب الذي قام بالثورة يستطيع أن يقوم بثورة أخرى ليحصد ما أنبته في 19 ديسمبر.
والآن هنالك كلام كثير في الأسافير أنه ينبغي لهذه الثورة أن تأخذ مكانها الحقيقي وأن ترجع إلى مسارها الذي خرجت منه.
{ لماذا فشلت الحركة الإسلامية بمكوناتها المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية؟
أولاً: هنالك فرق كبير ما بين الحركة الإسلامية والأخوان المسلمين، وهنالك إشكال وخلط متعمد.. إذا رجعنا تاريخياً (الأخوان المسلمون) حركة دخلت السودان في الأربعينيات أو الخمسينيات من القرن الماضي، وكان دخولها كإخوان مسلمين.. ومرت بمراحل مختلفة، وفكر الأخوان المسلمين يقوم على التربية، الفرد المسلم والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والحكومة المسلمة التي تحمل الناس على الدين.
في عام 1969م، ظهر تيار عُرف في ما بعد بالتيار السياسي، مجموعة استبطأت طريق الأخوان المسلمين في التربية، وكانت رؤيتهم بضرورة الوصول إلى السلطة وتربية الناس على الدين، وهذا يخالف منهج الأخوان المسلمين.. وهذه المخالفة هي التي أنتجت كل هذا الموجود.. والإسلام لن يأتي عن طريق الانقلاب.. ولعل انقلاب الإنقاذ 1989م، وفقاً لما جاء في اعترافات “الترابي” في قناة (الجزيرة) تم التخطيط له منذ السبعينيات عبر إدخال عناصر في الجيش والمرور بمحطات مختلفة حتى وصلوا إلى مرحلة الانقلاب 1989م. وبديهي كل إنسان يحرص على أن يأتي للسلطة عبر الانقلاب سيقوم بإقصاء الآخرين.. والإقصاء هو الذي أنتج الصالح العام وإعدام الـ(28) ضابطاً، وجهاز الأمن الذي يحصي على الناس أنفاسهم، والمظالم المختلفة.
والتبرير لكل فعل يتم في السودان، والحركة الإسلامية فشلت لأنها أخطأت الطريق.. الانقلاب ليس الطريق الذي يأتي بالإسلام.. وخالفت الطريق الذي سلكه نبينا عليه الصلاة والسلام في إقامة الدولة على أسس محددة.
{ لماذا فشل الإسلاميون؟
كما قلت إن الحركة الإسلامية حاجة غير الإخوان المسلمين، وجاءت تسجيلات قناة (العربية) تتحدث أن الحركة الإسلامية والأخوان المسلمين شيء واحد، وأنا أقول بصوت جهور أن الأخوان المسلمين ليس لهم علاقة بالحركة الإسلامية، منذ عام 1969م، حدثت المفاصلة ما بين مدرستي السياسة والتربية.. ومدرسة السياسة كان يقودها الدكتور “حسن الترابي”، والتربية كان يقودها الشيخان “صادق عبد الله” وأخونا “جعفر شيخ إدريس”، وجاء انقلاب مايو 1969م، فدخل كل هؤلاء السجون – ولم يظهر للشارع السوداني أن هنالك خلافاً بين المدرستين، إلى أن جاء عام 1979م وأعلن الأخوان المسلمون تنظيمهم، وأوكلوا مهمة المراقب العام للدكتور “الحبر يوسف نور الدائم”، وقبل ذلك الأخوان المسلمون رفضوا المصالحة مع نظام “النميري”.
وكان هذا الخلاف الثاني.. والخلاف كان خلاف مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ورفض الدكتور “حسن الترابي” أن يكون ضمن هذه المنظومة.. وجاءت ثورة أبريل 1985م، وشارك الأخوان في انتخابات عام 1986م، باسم الأخوان المسلمين، بينما شاركت الحركة الإسلامية وقتها باسم حزب الجبهة القومية الإسلامية، وفازت الجبهة بمقاعد في البرلمان وشاركت في البرلمان، ولم يكن الأخوان المسلمون جزءاً من تنظيم الجبهة القومية الإسلامية، وفي عام 1989م، قامت الجبهة الإسلامية بانقلابها، ولم نكن جزءاً من هذا الانقلاب، هنالك فرق واضح.. يعرف الناس الشيخ “صادق عبد الله عبد الماجد” و”الحبر يوسف نور الدائم” هؤلاء أخوان مسلمون بمنابرهم ودورهم ووحزبهم.. وعندما حدث انقلاب 1989م، تم إيقاف ومصادرة (صحيفة) القبس الناطقة الرسمية باسم الأخوان المسلمين، وتم حل دورهم ومصادرتها في بحري وأم درمان وكل مدن السودان.. وظللنا نحن كإخوان مسلمين، والتنظيم معروف وله قيادته، وأتشرف الآن بقيادة الأخوان المسلمين في السودان.. والحركة الإسلامية فشلت وكل الحركات الإسلامية ستفشل إذا أرادت أن تفرض الإسلام على الناس عن طريق الانقلابات.
الإسلام لا يأتي عن طريق الانقلابات، الإسلام يحكم عن طريق إقناع الناس، الآن أمم وصلت إلى أن الديمقراطية هي وسيلة، إلى أن يحقق الناس أهدافهم وبرامجهم.. يؤسس الإسلاميون حزبهم يقنعون شعبهم ويقدمون أطروحاتهم ليحكموا شعبهم عبر أطروحاتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة.
{ لماذا أزدهر اليسار، الشيوعيون، البعثيون، هم الآن نجوم الساحة السياسية؟
اليسار الآن يقتات على أخطاء الإسلاميين، ويقتات على التجربة السابقة التي امتدت (30) سنة، لكن اليسار حتى الآن لم يستطع أن يقدم نفسه كفكرة، وإن قدم نفسه كفكرة تجاربه بائرة، ولدينا تجارب حزب البعث الذي يملأ الآن الأرض صراخاً وعويلاً ونعيقاً، في عام 1986م، ملأ الأرض والحيطان بالشعارات، وعندما أعلنت نتائج الانتخابات لم يفز ولا بدائرة.. والحزب الشيوعي وهو الآن متمكن وموجود في كل مفاصل الدولة.. عندما ترجع بالذاكرة عندما جاءت الانتخابات لم يفوزوا إلا بـ(4) دوائر، ولم يفوزوا في دوائر المهمشين ولا الغبش، وإنما فازوا في الخرطوم (2)، وعلى ذلك فإن الأحزاب العلمانية ليس لها مستقبل في السودان.. وأكرر ذلك أن العلمانية ليس لها مستقبل في السودان، وهي تزدهر الآن في ظل حديثها عن أخطاء النظام السابق وكل من يتحدث عن الإسلام يوصف بأنه (كوز).
وهذه الآن تجد هوى عند الناس، والآن أريد من الحزب الشيوعي أو حزب البعث أو الحزب الناصري أن يقيم ندوة في أم بدة ويذهبوا للناس ويقولوا إن الحزب الناصري يريد إقامة ندوة بعيداً عن ما يسمى الحرية والتغيير وأقسم إنه لن يحضرها إلا العشرات.
وأنظر إلى ندوة الحزب الشيوعي في دنقلا الشعب السوداني التدين فيه عميق، نعم كره الكيزان والتجربة السابقة، لكن يظل متمسكاً بدينه. وأنا على قناعة تامة أن الشيوعية أو البعثية أو الجمهورية إن دخل الناس في انتخابات حرة ونزيهة لن يفوز فيها إلا من يخاطبون الوجدان السوداني المسلم والمتدين.
{ هنالك دعوات لبناء حركة إسلامية ويطرحون وحدة الحركات الإسلامية الحركة الإسلامية تحدثنا عن الحركة التي أنشأها الدكتور “الترابي” وانقسمت إلى المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، هذه ينبغي أن تقدم اعتذاراً للشعب السوداني أولاً، وأن يتم إعفاء كل القيادات التي وافقت على هذا الأمر.
وينبغي أن يتم بناء الحركة الإسلامية على أسس جديدة، على أسس إعلاء قيمة الوطن والشفافية والنزاهة، وأن تكون هنالك مراجعة تاريخية لكل التجربة السابقة.. وأن تكون وحدة برامج لا وحدة تنظيمات، لا يعقل أن يأتي الإخوان المسلمون والمؤتمر الشعبي والإصلاح الآن حتى يتحدوا من جديد.. هذه صراحة وحدة بعيدة المنال.. ولا تؤدي الغرض لأنها تكرر نفس الأخطاء السابقة، نحن ندعو إلى مراجعات حقيقية حتى في الإخوان المسلمين نحن نريد أن نراجع كسبنا طوال الفترة الماضية. ويبقى أن نقف إلى ما يحتاجه الشعب السوداني.. وما هو الجديد الذي يمكن أن نقدمه لهؤلاء الشباب، شباب الثورة؟ ولماذا عجزنا أن نخاطب هذه العقليات المتفتحة وهؤلاء الشباب، ولماذا عجزنا عن استقطاب هؤلاء الناس إذا لم يحدث نقد ذاتي وكبير لمجمل التجربة السودانية فلن نستطيع أن نقدم شيئاً.
نواصل..