هل يواجه "عبد الرحمن الصادق" ضغوطاً بالاستقالة من القصر؟!
هل يواجه الأمير “عبد الرحمن الصادق المهدي” ضغوطاً كثيفة داخل حزب الأمة القومي، تهدف إلى إجباره على تقديم استقالته من منصب مساعد رئيس الجمهورية في إطار دراسة عميقة حول ما قدمه من ثمار ونتائج ملموسة في الأهداف والسياسات منذ توليه هذا المنصب السيادي في التشكيل الوزاري لحكومة ما بعد انفصال الجنوب.
فالشاهد أن رؤية العقول الذكية تجاوزت الإشارات الضوئية التي تتحدث عن تركه وابتعاده عن حزب والده الإمام “الصادق”!! فقد كان دخول الأمير “عبد الرحمن” في حكومة الإنقاذ حدثاً أسطورياً وملحمياً قابله الكثيرون في المسرح السوداني بالذهول والحيرة والتأويلات الكثيرة!!
لقد ظل الحبل ممدوداً بين “عبد الرحمن الصادق” وحزب الأمة على الصعيد الوجداني والمعنوي، وفي الذهن ما يقال عن خطوته الذاتية حول مشاركته في السلطة.
كان الإمام “الصادق” يأمل في انفراج الأزمة الطاحنة بين الحكومة ودولة الجنوب ارتكازاً على بصمات نجله، وكذلك راهن على أن يكون له دور إيجابي وساطع في قضايا الوطن الملحة المتمثلة في الدستور ودارفور والاقتصاد والعلاقات الخارجية، غير أن العراقيل كانت تتزاحم على طريق “عبد الرحمن الصادق”!!
وها هي الدكتورة “مريم الصادق” تطلق عاصفة عاتية حول مسلك شقيقها “عبد الرحمن” في السلطة، وموقفه إزاء الانتهاكات الواضحة للمواثيق الوطنية من جانب الحكومة، فالشاهد أن الدكتورة “مريم” تعتقد أن الأمير “عبد الرحمن” صاحب منهج ثابت لا يقبل القسمة حول كفالة جميع الحريات ومساندة قضايا المواطنين الشرعية، لذلك وجهت له نداءً قوياً بالتدخل من خلال موقعه السيادي للإيفاء بقناعاته الشخصية، سيما وأنها حُرمت من التنقل ثلاث مرات.
البعض فسر خطوة “مريم” بأنها دعوة ذكية للأمير “عبد الرحمن” بالاستقالة من الحكومة إذا لم يكن قادراً على تطبيق قناعاته في ظل هيمنة المؤتمر الوطني، لأن التاريخ لا يرحم!! وفي زاوية أخرى هنالك من يرى بوجود حرب خفية بين “عبد الرحمن” و”مريم” قد تطفو إلى السطح في مقبل الأيام، وأن الدكتورة “مريم” تريد اختبار صلابة شقيقها حول استحقاقات الخلافة من خلال قدرته على تطبيق ثوابته الإيجابية، وأن لا يكون في موقع المتفرج على قهر المبادئ العامة التي أمامه.
وإذا حاولنا الإجابة حول ملامح الضغوط التي مُورست حيال “عبد الرحمن الصادق” بتقديم استقالته من القصر، فضلاً عن إضاءة المصابيح بشأن محصلة مشاركته في السلطة، فإن اللوحة المقطعية تؤكد بأن الإمام “الصادق” قد فتح قلبه باتساع الكون لابنه “عبد الرحمن” في حديث طويل عبر الجلسات المغلقة حول دخوله السلطة بعين البصر والبصيرة، ولا شك أن الإمام كان يُقيّم تجربة ابنه بدقة متناهية من باب الربح والخسارة!! فالإمام لا يغيب عن باله رفض قواعد ورموز حزبه للمشاركة، وبذات القدر ربما يضع نجله “عبد الرحمن” في قائمة الخلافة، فضلاً عن الحرص على تاريخه من مشاركة غير مثمرة، وبذلك يحاول الإمام إيجاد معادلة واقعية توفي بتلك المعطيات الساطعة، فهو أمام تحدٍ كبير يتمثل في الوصول إلى المواءمة والاندماج بين الموقفين المتباعدين!! من هذا المنطلق، مارس الإمام “الصادق” ضغوطاً على نجله بترك المنصب الدستوري من زاوية إكسير الأبوة والمناصحة السياسية والوجدانية، والاكتفاء بمردود الحكمة البليغة بأن الأمير “عبد الرحمن” حاول الإصلاح لكنه لم يجد الأذن الصاغية، وبذلك ربما يخرج من مساءلة التاريخ ولو خسر الخلافة!!
مهما يكن، فإن الأمير “عبد الرحمن” قد قطع المسافة الطويلة من وحي تفجير الخرطوم أيام المعارضة إلى قناعات المشاركة في الحكومة، حيث إن الواقع يشير إلى أن نشاطه السياسي انحصر في افتتاح المنشآت وحضور المهرجانات والمناسبات ومقابلة المسؤولين الأجانب، ولم تكن له صلاحيات نافذة تؤثر على منهج بطارية السلطة. يقابل ذلك استياء واسع من قطاعات حزب الأمة القومي بخطوته في المشاركة، وهؤلاء ظلوا يقدمون الاحتجاجات المتكررة التي تشكل واحدة من صور الضغط على الأمير بترك القصر، بل إن بعض منسوبي مكتبه في القصر ربما يكون فيهم من يبارك ابتعاده عن السلطة، سيما في هذا الظرف العصيب.
المبارزة الخفية بين “عبد الرحمن الصادق “وشقيقته الدكتورة “مريم”، التي تشكل عنصراً صحياً على نطاق الطموحات وملامسة الصولجان، تدق على إيقاعين.. الأول، يلامس الأخوة البيولوجية وما تفرضه من عصبية وعاطفة واستحقاقات جينية وقدسية الدم والسحر الكهربائي، فالدكتورة “مريم” لا تريد لشقيقها “عبد الرحمن” البوار في السياسة والتكاليف العامة ودفع الفاتورة الباهظة من خطوة المشاركة وأبعادها. ومن هنا فهي تضغط عليه بالاستقالة الفورية في مركب الشعور التلقائي!!
أما الإيقاع الثاني فهو التنافس على الخلافة.. وفي هذا المقام تتجرد النوازع العاطفية والإنسانية، فالشخص هنا يطرد عنصر الإيثار من دواخله على شاكلة جدول الرياضيات الصارم الذي لا يجامل إطلاقاً.. هكذا تتأطر معادلة الكيمياء السياسية بين “عبد الرحمن” و”مريم”، خصوصاً وأن هنالك من يعتقد بأن طرفاً قد لمس بإصبعه مستحقات الخلافة!!