يا أهلي احذروا الغضب
تجانى حاج موسى
في مجلس ضم الحبيب “المصطفى” صلى الله عليه وسلم، دار حوار بينه وبين صحابته.. إذ سأله أحد صحابته عن صفة الرجل القوي.. فرد عليه: ليس القوي أو الشديد بالصرعة، أي الذي يصرع الناس.. يعني يرميهم في الواطة.. بل القوي هو من يمسك زمام نفسه عند الغضب.. وهذا درس درسنا له معلم البشرية الأوحد صلى الله عليه وسلم، منذ أربعة عشر قرناً من الزمان!! السؤال: هل أمة “محمد” صلى الله عليه وسلم وعت وأدركت هذا الدرس وعملت به؟!
أجزم وأبصم بالعشرة أن قلة من أمة “محمد” فهمت الدرس وعملت به.. والشيء بالشيء يذكر.. قبل سنوات طلعت في راسي نمشي سجن أم درمان لنقيم حفلاً نهارياً لنزلاء السجن.. رحب مدير السجن دون تردد بعد أخذ الإذن من رئاسته.. وحشدت عدداً مقدراً من المطربين والشعراء والموسيقيين يتقدمهم أستاذنا – له الرحمة والمغفرة – الشاعر المجيد الملحن “عوض جبريل” وصديقي المطرب الكبير “كمال ترباس”.. لا زلت أذكر تلك الصبحية التي امتد زمنها لثلاث ساعات بالتمام والكمال.
إدارة السجن جمعت النزلاء نساءً ورجالاً.. ما رأيت في حياتي سروراً وفرحاً وبكاءً مثل الذي حدث لجمهور ذلك الحفل.. وبالتحديد حينما صدح “ترباس” برائعة الراحل “عوض جبريل” (ما تهتموا للأيام.. ظروف بتعدي.. طبيعة الدنيا زي الموج.. تجيب وتودي)، وقتها اعترت هزة المطرب أحد الشباب يرتدي زياً أحمر ومكبلاً بالجنازير.. علمت أنه ينتظر تنفيذ عقوبة الإعدام بسبب قتله شاباً من أهل قريته مع سبق الإصرار والترصد!.. ذهبت إليه بعد أن أفرغ شحنة من أحاسيسه يعرض ويبشر في الحضور.. سلمت عليه وسألته والحزن يلفني.. فقد كان في ميعة الصبا! (الحاصل شنو؟).. الشيطان والغضب يا أستاذ!.. تصدق يا أستاذ المجني عليه صاحبي ورفيق صباي؟.. ترى كيف يكون أمر ذلك الشاب إذا أمسك زمام نفسه عند غضبته تلك التي اقترف فيها أفظع جرم قتل النفس التي حرم الله قتلها!!
تذكرت الحديث وقصة ذلك الشاب في اليومين المرعبين الماضيين، وما حدث من شجار بين ناس الأمن وبعض زملائهم.. إنه الغضب!!
لاحقاً علمت أن سبب تلك الغضبة الشرقة مستحقات مالية واجبة السداد تراخت مؤسستهم عن دفعها!!.. لكن أحمد الله حمداً كثيراً لاحتواء المسؤولين تلك الغضبة التي حدثت في ذلك النهار العصيب بعاصمتنا الخرطوم.. يومها صليت صلاة الشكر وحمدت الله حمداً كثيراً وتسمرت أتابع القنوات الفضائية.. ألم تلحظوا سادتي حرص الإعلام على نقل أخبارنا.. هذا الاهتمام لا بد له من أسباب.. من ضمنها أهمية سوداننا الحبيب.. قلب أفريقيا الذي يمتلك كل مقومات بناء الدولة القوية.. لكن من لنا بحكومة ملهمة تفجر طاقات الشباب.. فالإنسان السوداني لا زال بخير والدليل الشهادات التي تثني عليه من كل دول المهجر.. إذن أين تكمن العلة في تراجعنا إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من أزمات أحاطت بالوطن وإنسانه من كل جانب!!.. ما حدث في الخرطوم في الأيام القليلة الماضية، كان سيطيح بكل أمل لنقوم من كبوتنا.. لذا نحن أحوج ما نكون كلنا للحكمة والرؤية وتجنب الغضب والشقاق والخصام، وليكن شعارنا السلام والوئام وأن نتجنب الوقوع في شرك الربيع العربي ولن تقوم لنا قائمة إذا انفجر وضعنا السياسي، ولننتبه إلى أن هنالك من يتربصون بنا وبوطننا وأن تهدأ نبرة تصفية الحساب ولندع العدالة تأخذ مجراها وأن لا نمضي في تصفية حسابات دون أدلة، ولنطلق نفير العمل وأرضنا طيبة معطاءة ونيلينا يجري منذ بدء الخليقة وباطن أرضنا زاخر بالمخبوء من ثروات.
التحية للمواطن السوداني المبصر الواعي الذي لا يريد للوطن إلا الخير.. والتحية لأبناء وبنات الوطن الوعد والبشارة.. فهم أمل الأمة ونعول عليهم كثيراً فهم حاضرنا وكل مستقبلنا.. والتحية لإخوتي الذين حملوا السلاح إبان فترة الإنقاذ.. أقول لهم أنتم قادرون على وقف الحرب.. وأنتم قادرون على صنع السلام وتحقيق العديد من شعارات الخير المطلق للوطن ومواطنيه.. أوصيكم بكبح جماح الغضب الذي يخل بالعقل ويفسد أمر وحدة الوطن.
وأقول:
لو عذابك طال كتير
وبالسنين مستحملاهو
وضقتي ويلات السعير
وشفتي من الويل شقاهو
الشروق ساطع منير
والأرض مستنياهو
يبقى كل الجاي خير
يمسح القبلو ووراهو
وإنت يا شعبي الجميل
فيك ملامح ما بتزول
إنت من أصلك أصيل
خاتي كلمة وخاتي قول..