تقرير: رشان أوشي
ظهيرة التاسع عشر من سبتمبر الجاري، احتشد الآلاف من سكان مدينة كسلا ، إحدى حواضر ولايات (الشرق) الثلاث، ولكن هذه المرة كان المطلب صادما ، حيث أعلن المحتجون عن مطالبتهم بحق تقرير المصير ومن ثم انفصال الإقليم، كان يقودهم بعض نظار القبائل ذوي النفوذ الشعبي الكبير.
ضجت “الخرطوم” ، واعتبرتها دعاوى يسوق لها من تجاوزهم ركب السُلطة في المركز، وبعض أرباب النظام السابق، بل وطالت الاتهامات بوضوح مساعد رئيس الجمهورية السابق ” موسى محمد أحمد”، والوزيرة السابقة د. ” آمنة ضرار”، وبعض النظار الموالين
لنظام البشير.
تدخلات إقليمية:
لم يسلم حراك ولايات الشرق من اتهامات بالأجندة الإقليمية، واتجهت الأنظار إلى أحد أعمدة الإدارة الأهلية المعروفين ، بينما وصف ناظر عموم الهدندوة ” ترك ” إغفال تمثيلهم في التشكيل الوزاري الجديد بأنه مسألة خطيرة جداً، مؤكداً أن اجتماعاً خاصاً بالقبيلة التأم بكسلا يوم (السبت)، بحضور رئيس المجلس التشريعي لولاية كسلا السابق ، الشيخ “سليمان بيتاي” ، وقيادات من الإدارة الأهلية وقرر دعوة جميع قيادات القبيلة للنقاش والتفاكر حول المسألة وقال إنهم ليسوا من دعاة العنصرية أو الذين يعملون على تأجيج نيرانها حتى تكون أساساً للحكم لكن التشكيل الوزاري الأخير نفسه اعتمد على المحاصصة والتمثيل القبلي لكل مكونات البلاد فيما عدا الهدندوة، الذين كان لهم وزير دولة سابق ولم يأتِ ضمن الطاقم الوزاري الجديد، مشدداً بأن الهدندوة ظلوا صادقين تجاه القضية الوطنية وقدموا تضحيات جسام ضد المستعمر ومضوا على هذا النهج على مدار تاريخهم وناصروا الإنقاذ لإعلاء قيمة الحق، ولكن ذلك لا يقدح في مطالبتهم بتمثل في النظام لا سيما وأن القبيلة زاخرة بالكفاءات وأهل الخبرة.
بينما اتهم رئيس حزب دولة القانون والتنمية السوداني “محمد علي الجزولي” الإمارات باستنساخ تجربة المجلس الانتقالي اليمني في السودان، مدللاً على ذلك بمعلومات قال إنه حصل عليها من مصادر خاصة، وقال “الجزولي” – عبر حسابه في تويتر – إن مسيرات خرجت في شرق السودان تطالب بالانفصال عقب تحركات زعيم قبلي تدعمه الإمارات هناك.
وأضاف أن هذا الزعيم شهد في العاصمة الإريترية أسمرا مؤخراً تخرج مجندين من أفراد قبيلته، ثم سافر بعدها بجواز إريتري إلى أبو ظبي وما زال هناك، وخرجت بعدها مسيرات تطالب بالانفصال في منطقته.
مطالب:
بدأت أصوات المطالبة بحق تقرير المصير تعلو، بعد مضي أكثر من ستين عاماً على تلك التي قدمها مؤتمر البجا إبان استقلال السودان ، وعلل الناشط المجتمعي “هاشم نوريت” في حديثه لـ(المجهر) بأن حق الحُكم الذاتي مشروع ويجب تضمينه في الدستور، يتيح لأي إقليم سُلطة ذاتية ترفع الغبن والظلم عن أهله، وهاجم “نوريت” تصريحات منسوبة لرئيس الوزراء د. “عبد الله حمدوك” تبرر لعدم تعيينه وزيراً من الشرق بأنهم لم يجدوا كفاءات ، واعتبرها تجاوزا لكل أعراف احترام الأمم، ووصفها أنها تفتقر للحصافة والدبلوماسية، متهماً قوى الحُرية والتغيير وشركاءها العسكريين بانتهاج المحاصصة والشلليات على أساس جهوي ، مشيراً إلى غضب جماهير الشرق من تهميش السُلطة المركزية لهم ، معلناً عن تصعيد جماهيري كبير سينتظم ولايات الشرق الأسبوع المقبل.
أوضحت الناشطة في قضايا الشرق “آمنة مختار” في حديتها لـ(المجهر) ، أن دعاوى الانفصال قديمة ، ولكن الأصوات ارتفعت حالياً لعدة أسباب ، منها :
إدعاء حكومة قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري بأنها لم تجد لها وزيراً كفؤا حتى الآن ليمثل الإقليم الشرقي، وكذلك بعض العناصر التي عملت مع الإنقاذ تريد أن تستثمر في دعاوى الانفصال كنوع من المزايدة حتى تفلت من المحاكمة والإدانة المجتمعية كذلك، وتضيف: ” البعض أيضا يستخدم موضوع الانفصال كورقة ضغط للاستئثار بكل المناصب في الشرق للبجا فقط ” مردفة : “هنالك مخلصين ضمن هذا التيار الانفصالي.. لا يريدون الانفصال حقيقة ولكنهم يلوحون به لضمان نيل حقوق إنسان الشرق في أرضه.
والبعض أراهم يتبنون الكونفدرالية”.
منبر جوبا:
11/ سبتمبر الجاري ، أعلن حزب مؤتمر البجا التصحيحي ، مشاركة ممثلين لإقليم شرق السودان في مفاوضات السلام المنعقدة في عاصمة جنوب السودان “جوبا” ، وقال متحدث باسم مؤتمر البجا “أبو محمد أبو آمنة” إن وفد مؤتمر البجا – المكتب القيادي – وقيادات شرقية تمكنت بعد مجهودات مكوكية قامت بها الأستاذة “زينب كباشي عيسى” وبعض النشطاء من أبناء البجا تمكن هؤلاء أن تكون قضايا الشرق ضمن أجندة مفاوضات السلام القادمة بين الحكومة والحركات المسلحة، و رحب عدد كبير من سياسيي الشرق بهذه الخطوة وأعلنوا جاهزيتهم في التفاوض والدعم، من المتوقع أن يكون عدد المفاوضين من أبناء البجا حوالي الخمسة وسيكون على رأسهم الأستاذة “زينب كباشي عيسى” ود. “أبو محمد أبو آمنة” عن مؤتمر البجا – المكتب القيادي، واتهم “أبو آمنة”
شخصيات بأنها تدعي تمثيلها للشرق ولا صلة لها بكيانات الشرق ولا بقضيتها السياسية والثقافية والاجتماعية، ولم يعرف عنها الشرق غير الانتهازية والسعي للسُلطة.
أصل الصراع:
رغم غنى الإقليم بالموارد الطبيعية فإن إنسان الشرق يعيش ظروفاً سيئة يعاني فيها من المرض والجهل والجوع والأمية، قد تسفر عن مجاعة وشيكة ما زالت تنكرها حكومة المركز.
وبالعودة إلى تاريخ مؤتمر البجا كتنظيم سياسي في الإقليم، بلغ نشاطه مع أوائل التنظيمات السياسية في السودان منذ العام 1950، فإنه حمل قضية شرق السودان في قسمة الثروة والسُلطة والتنمية على اكتافه قبل استقلال السودان، ومنذ ذلك التاريخ ظلت قضايا الإقليم تطرح كمطالب أساسية كان حصادها بضعة مقاعد في البرلمان في ظل الحكومات الديمقراطية القصيرة الأمد بالسودان، بعد مفاوضات القاهرة في منتصف يناير (2005) ، انسحب “مؤتمر البجا” من المفاوضات عائداً إلى ميدان العمل المسلح، وذلك لاعتقاده بأن قضيته تم إهمالها، وبتدهور الأوضاع الاقتصادية كان الحراك السياسي الداخلي للمطالبة بحقوق الإقليم، وقد واجهت الحكومة هذا الحراك الذي تمثل في مظاهرات عمت مدن الإقليم الرئيسة بالعنف رغم سلميتها، فكانت أبرزها (مجزرة بورتسودان) التي تمت فيها إراقة كثير من دماء الأبرياء وذلك في أواخر يناير/2005.
وفي 25 /مايو/ 2006 وقعت اتفاقية سلام شرق السودان في العاصمة الإريترية أسمرا، بين حكومة السودان و”جبهة شرق السودان” وهو التنظيم العسكري لاندماج تنظيمي “مؤتمر البجا” و”الأسود الحُرة”، إن فرضية الاتفاق على التطلع إلى السُلطة ساهمت في تدوير الخلافات بين قبائل الإقليم، فلم ينجح في احتواء الأزمة.