الشاهد الثاني يروي تفاصيل صادمة في قضية مقتل الأستاذ “أحمد الخير”
* المتهم رقم (40) نصح زملاءه المتهمين بعدم ضرب المعتقلين
*المتهم الثالث قال: ( سنعمل ليك حفلة) بعدها تعرض المعتقلون للضرب المبرح
الخرطوم ـ الشفاء أبو القاسم
توالت الإفادات الصادمة حول تعذيب ومقتل الأستاذ “أحمد الخير” وآخرين داخل معتقلات جهاز الأمن الوطني والمخابرات في منطقة خشم القربة التابعة لولاية كسلا شرقي السودان .
الشهود الذين مثلوا أمام المحكمة أزاحوا الستار بشهادتهم عن أبشع صور التعذيب التي مارسها أفراد جهاز الأمن في حق محتجين سلميين خرجوا مطالبين بحقوقهم أملاً في واقع أفضل، بالأمس ولست ساعات متواصلة كشف رئيس حزب المؤتمر السوداني فرعية خشم القربة ومعلم بالمعاش تفاصيل أكثر بشاعة حول ما تعرض له وزملاؤه إلى جانب كشفه عن أبشع أصناف التعذيب التي تعرض لها الأستاذ “أحمد الخير”.
الشاهد الذي ظل لست ساعات يقدم إفادته للمحكمة انهار في آخر الجلسة وأجهش بالبكاء ، وطلب من المحكمة الجلوس لأن آثار التعذيب مازالت عالقة بجسده .
التفاصيل الصادمة لست ساعات والمأساة تقرأونها بين ثنايا السطور.
أمام محكمة أم درمان وسط
أمام محكمة أم درمان وسط كانت هيئتا الدفاع والاتهام داخل القاعة لمواصلة جلسات محاكمة (41) من عناصر جهاز الأمن متهمين بتعذيب وقتل الأستاذ “أحمد الخير”، وعندما أشارت عقارب الساعة إلى العاشرة صباحاً كان قاضي الاستئناف د.”الصادق عبد الرحمن” حضوراً داخل القاعة معلناً بدء إجراءات الجلسة، وعقب تدوين القاضي لأطراف المحاكمة سمح بدخول الشاهد لسماعه.
اعتقال الشاهد من مناسبة بمنزله
سمح وكيل نيابة أول “الطاهر عبد الرحمن” للشاهد بالدخول وبدأ في استجوابه في الحق الخاص ، قال رئيس حزب المؤتمر السوداني فرع خشم القربة وأستاذ بالمعاش “الطيب سليمان محمود كبسول” بوصفه شاهد الاتهام الثاني ، وشاهد عيان لما جرى داخل المعتقل بعد أدائه القسم ، قال “الطيب” للمحكمة بأنه من أبناء خشم القربة يبلغ من العمر (53) عاماً ويعمل حالياً مقاولاً، مبيناً أنه في يوم31 \1\ تم اعتقاله أثناء تواجده في مناسبة بمنزل أسرته بخشم القربة وذلك عندما حضر أفراد من الأمن على متن عربة لاند كروزر واقتاده إلى مكاتب الأمن، وأكد الشاهد للمحكمة أن (37) متهماً انهالوا ضرباً بالعصي على ظهره، وأشار إلى ثلاثة أشخاص كان أحدهم يحمل كلاش يقف أمام الباب، وواصل الشاهد روايته للمحكمة عند دخوله إلى مكاتب الأمن وجد( 6 )أشخاص يصطفون على جانبي الطريق في شكل مثلث يحملون هراوات (خراطيش سود) وصفها بأنها قوية توصل بها المياه من خارج المنازل ، وأشار الشاهد إلى المتهم الأول وقال إنه كان يمسك الهراوة في يده وسدد له ضربة في عنقه من الخلف، وقال الشاهد إنه شاهد مجموعة من المعتقلين ملقين على الأرض وأن أحد المتهمين طلب منه الاستلقاء بالقرب منهم ، ثم طلب منهم الزحف على الأرض في مكان تكثر فيه الرملة والحصا والأنقاض والخرسانة والأشجار الشوكية على امتداد مساحات المعتقل، في أثناء زحفهم كان المتهمون يواصلون ضربهم، كاشفاً عن انضمام شقيق أحد المتهمين الذي كان يصدر الأوامر بالرغم من أنه لا علاقة له بالأمن ، وواصل الشاهد سرده بأنه زحف حتى وصل إلى حفرة مساحتها ضيقة من الأسفل أمروه بالجلوس فيها مع إبقاء الأرجل بالخارج ، ولفت الشاهد إلى أن الوضع كان مؤلماً ومؤثراً على السلسلة الفقرية.
لقاء الأستاذ القتيل “أحمد الخير”
استرسل الشاهد “الطيب” في إفادته للمحكمة ، أن المتهم رقم( 30 ) قام بإخراجه من تلك الحفرة واقتاده إلى زنزانة مظلمة مساحتها متر في مترين ، وعندما دخل وجد شاباً ملقى على الأرض ويديه ممدودتين فسلم عليه، بيد أنه لم يرد ، وأوضح الشاهد بأنه اتكأ على الجدار وبعد فترة حضر الشاهد الأول “أمجد بابكر” وتعرف عليه، وعلمت بعدها بأن الشخص الممد هو الأستاذ “أحمد الخير”، وبعد مسافة تحدث وقال إنه (مرضخ) من الضرب، وفي أثناء جلوسهم فتح باب الزنزانة ودخل المتهم الـ(37) ونادى “أمجد” وخرج به وبعد مضي مدة أعاده مرة أخرى للزنزانة وملابسه ممزقة وهو يئن من فرط الألم، ويقول يدي انكسرت وعندما تفحصتها أخبرته بأنها غير مكسورة.
حفل تعذيب للمعتقلين
وواصل الشاهد سرد التفاصيل الصادمة : إنهم وهم جلوس وهم يئنون من فرط التعذيب الذي تعرضوا له، إذا باب الزانة يفتح مرة أخرى وحضر المتهم الثالث، وقال لهم (حنعمل ليكم حفلة) وعند خروجهم وجدوا مجموعة من العسكر يرتدون الزي العسكري المبرقع إلى جانبهم ثلاثة يرتدون الزي المدني يحملون هراوات في أيديهم (خراطيش وعصي) وعند وقوفهم قاموا بضرب الجميع بالتناوب، وقال الشاهد إن الضحية “أحمد الخير” ضُرب أكثر من بقية المعتقلين، وتعرف على خمسة متهمين قاموا بضربه وهم المتهم الأول والثاني والثالث والرابع والخامس عشر، وقال “الطيب” إن المتهم رقم (40) كان ينصح المتهمين بعدم ضرب المعتقلين ، ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل خليهم يشربوا ويأكلوا، وكان المتهم الثالث يقول (نحنا بنعمل ليكم أي حاجة كان ما وريتونا الحقيقة)، وأشار إلى أن المتهم الرابع، وقال إن الشخص الطويل داك (أخصائي اغتصاب )، وأضاف إن المتهم الثالث استفسر منه عن الأشخاص الذين كانوا معه في التظاهرات، وأنه أخبره بأنهم الموجودون داخل المعتقل، وعلى الفور سدد له بونية على وجهه، وقال له ( شكلك أنت عايزينا نغتصبك قدام زمايلك) ،وأشار الشاهد إلى أن المتهمين كانوا يتفوهون بألفاظ نابئة وأن المتهم الثالث قال لي: ياعمنا حصل أنت جربته قلت له ما جربته، لكن ممكن أجرب إذا ببقى زي كدا فرد على المتهم الثالث ببونية على وجهي حتى نزف فمي فبصقت على الأرض، فأصر على أن أقوم بلعقه فلعقته لأنه بسبب الضرب المتواصل على وجهي ضربني والقي عليه جلابيته في وجهه وهي ممزقة.
سيخة لتعذيب الأستاذ “أحمد الخير”
وكشف الشاهد للمحكمة عند عودته إلى الزنزانة شاهد الشهيد “أحمد الخير” ومعه ثلاثة أشخاص وأن المتهم الرابع يسير خلفهم في الاتجاه المعاكس وأنه سمع المتهم الثالث يطلب من أحد الأفراد إحضار سيخة ، وعندما أحضرها شاهد ” أحمد الخير” يهرول ، وأفراد الأمن يهرولون من خلفه، وبعدها سمعه يطلق ثلاث صرخات، عقب ذلك تم إحضاره إلى باحة التعذيب وهو مسنود بأيدي اثنين من أفراد الأمن وهو يصرخ عالياً جداً نتيجة الألم الشديد ، وأوضح للمحكمة أن ما تعرضوا له من تعذيب جعل المعتقلين لا يستطيعون تناول وجبة الغداء التي كانت عبارة عن زبادي وامتنع معظم المعتقلين عن تناول الطعام، وواصل الشاهد : في الأثناء حضرت مركبات عسكرية لتقلهم لمكاتب الجهاز بولاية كسلا ، لم يستطع “أحمد الخير” الوقوف إلا بعد أن أسند من قبل زملائه ، وعند اعتلائه المركبة سقط داخل صندوق العربة، وتم جره من رجليه من قبل المتهمين من على متن العربة لاقتياده للحمام وأعادوه مرة أخرى ثم تحركت بعدها العربات متجهة إلى كسلا، مبيناً أن المتهمين كانوا يضربونهم داخل العربة وأمروهم بعدم النوم حتى وصلوا إلى كسلا، ولم ينزل معهم الشهيد، وسأل عنه فأجابوه بأنه في حالة غيبوبة في الإنعاش ويمنع عنه الزيارات ، وأشار إلى أن المرحوم لم يشتك للمتهمين ولم يحاولوا إسعافه رغم أن المستشفى كانت على بعد (5) كيلو من مباني الجهاز ، وعلمت بعدها أن الأستاذ “أحمد الخير” قد توفى.
استكتاب تعهد بعدم الخروج في مظاهرات
وأكد الشاهد عند مناقشته من قبل الدكتور “عادل عبد الغني” عن هيئة الاتهام عن الحق الخاص ، أنه رئيس فرعية المؤتمر السوداني وأنه يعرف مدير الجهاز بخشم القربة لأنه سبق وأن تم اعتقاله في مظاهرات واستكتبه المتهم الأول تعهداً يقضي بعدم المساعدة في تقويض النظام ورفض التوقيع عليه إلا بعد أن يحذف جملة عدم الخروج للتظاهر لأن ذلك حق دستوري، وأوضح الشاهد أن المتهم (37) هو معروف في مكاتب الجهاز بخشم القربة بالعنف، مشيراً إلى أن المتهمين الذين قاموا بضربه في سن أبنائه وقال إنه قد انتكث بعد التعذيب وأصيب بفشل كلوي في الكلي نتيجة ارتفاع الكرياتين في الجسم بنسبة (13) عن الطبيعي الذي يبلغ ( 1بوين 7 ) وظل طريح الفراش بالإنعاش لمدة (6) أيام و(8) أيام في العنبر بمستشفى “فضيل”.
فساد نقابة المعلمين بكسلا
كما كشف لدى المناقشة عن وجود شباب تتراوح أعمارهم مابين الثالث عشر والسادس عشر وعددهم (60) كانوا ضمن المعتقلين، ذكر من خلال مناقشة هيئة الدفاع أن الشهيد كان ناشطاً في موقع التواصل ويكتب عبر الفيس لوالي كسلا “آدم جماع” حول فساد في نقابة التعليم بمحلية خشم القربة، وتزوير في الانتخابات، وأشار الشاهد إلى أن الشهيد كان قد انسلخ عن المؤتمر الوطني ، وانضم للمؤتمر الشعبي.
استبعاد الشاهد
قدم الدفاع طلباً للمحكمة بالطعن في شهادة “الطيب” للولاء والمصلحة، وردت المحكمة بتركها لحين وزن البينة، كما قدم الدفاع طلباً آخر بمنع أجهزة الإعلام من تغطية الجلسات لأن ذلك يشكل مهدداً أمنياً عليهم وعلى المتهمين، إلا أن المحكمة رفضت الطلب للمرة الثانية ، وطالبت الإعلام بتوخي الصدق والكتابة المجردة وفق المهنية ، وعليه تم رفع الجلسة وتحديد جلستين لمواصلة النظر في القضية.