{ لم يكن غريباً أن يحتشد السودانيون بهذه الكثافة بمطار الخرطوم لاستقبال نعش الفنان القامة ملك الأغنية السودانية “صلاح بن البادية”، حرص الجميع للحضور في الساعات الأولى من صباح يوم (الأربعاء) الماضي و بي لهفة مشاعر الحزن والأسى وألم الفراق للمشاركة في لحظات الوداع والمشاركة في تشييع كبير الوسط الفني والي مثواه الاخير بمسقط رأسه (أبوقرون )لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه الطاهر، كل قطاعات المجتمع رجال الطرق الصوفية وقادة الفكر والثقافة ورموز السياسة وكل الفئات العمرية الصغار والشباب والكبار وكان قريباً من جمهوره خاصة البسطاء .
{ نعم لم يكن ذاك الاحتشاد الذي يدعو للدهشة والتأمل غريباً لأن الملك ( ابن البادية) كان قريباً من الجميع كان لصيقاً بزملائه من جيل العمالقة وجيل الرواد وجيل الشباب، وكان يقف على مسافة واحدة مع كل الكيانات والتنظيمات السياسية وطيلة حياته لم يعرف له لون سياسي أو أي انتماء لغير ( الوطن السودان ) وانحيازه للفن الراقي الأصيل منذ بداياته الفنية وحتى آخر لحظة في حياته، كان يقف على المسرح بكامل أناقته الفنية وكان أنيقاً في لبسه وأنيقاً في خلقه وخصاله وأنيقاً في اختياراته الشعرية وأنيقاً في أدائه وأنيقاً في حضور الزاهي وحركته على خشبة المسرح .
{ وكما ظل محافظاً على شبابه ظل محافظاً على قيمة الفن بداخله ومحافظاً على قيمة الفن في كل تعاملاته وهكذا ظل مثالاً للفنان الملتزم والمنضبط في كل تفاصيل حياته .
{ قبل يومين وفي الصفحة الأخيرة بـ(المجهر) تناولت بعضاً من حديث الراحل (ابن البادية) الذي قاله لي في آخر حواراتي معه ومن بين ما ذكرت عندما سألته عن سر تميزهم كجيل جاء رده سريعاً : نعم تميزنا كجيل لأننا منذ دخولنا للوسط الفني كنا مدركين لقيمة الفن ورسالته ولذلك تحملنا مسؤولية الحفاظ على الإرث الفني الذي تركه لنا من سبقونا في هذا المجال، وظللنا نهتم بمكانة الفن وبقينا على هذا الحال نسعى دائماً لأن نكون قدر مسؤولية الفن ورسالته.
{ فهل يا تري يستفيد جيل اليوم من المطربين والمبدعين الشباب في شتى المجالات من تجربة المبدع الكبير ونجم النجوم “صلاح بن البادية” الذي عاش حتى آخر لحظة في حياته يقدر مسؤولية الفن وعاش مدركاً لقيمة ورسالة ومكانة الفن . بجانب مكانة وقيمة الوطن ( ما بصح وطريقنا باين يا شبابنا نقيف نعاين الأمل معقود علينا والعمل ظمان الينا .)
{ حقا برحيله المفاجئ فقدته كل ( بلادي ) التي ساهم في بناء مجدها بفنه الراقي الأصيل وتجربته ومدرسة الإبداعية الفريدة وتاريخه الحافل بالتميز في مسرح الغناء ومسرح الدراما .
{ حقا إنا لفراقه لمحزونون ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون) .