تقارير

القضاء والنيابة اعتلاء صهوة المواكب

هل تفتح الوثيقة من جديد؟

النذير السر

كان واضحاً ومنذ اللحظة التي سقط فيها النظام السابق أن قوى الحرية والتغيير لم تملك برنامج انتقال متفق عليه، وأن خيار الإبقاء على الاتقاد الثوري كان الملاذ الأسهل لكسب مزيد من الوقت لصهر التفاهمات بين مكوناته وقد كشف الاختلاف مع أهم مكوناته (الجبهة الثورية) كل محاولات ادعاء وحدة الآليات والسياسات لإنجاز أهداف الثورة وأن ارجع بعض المراقبين الخلافات مع الثورية لأحزاب بعينها داخل قوى الحرية والتغيير لأسباب تتعلق بالتحسب المبكر للنفوذ التصويتي في الانتخابات القادمة إلا أن موقف الحزب الشيوعي بعد ساعات من التوقيع على الوثيقة الدستورية حيث أعلن وبوضوح معارضته لها بشكل سافر عن حجم التحديات التي تواجه حكومة الحرية والتغيير من داخل تحالفها ويعد موكب القضاء الذي حاصر القصر الجمهوري أول مظاهر التباين الداخلي الساعية لفرض مطالبها
وإن جاءت مخالفة للوثيقة الدستورية.

الدعوة للموكب
من على صفحة تجمع المهنيين انطلقت الدعوة لمليونية تعيين رئيس القضاء والنائب العام وعلى غير العادة حيث كان في السابق توجه الدعوات عبر تجمع المهنيين فإن أول دعوة بعد تشكيل الحكومة المدنية انطلقت من بريد (لجنة العمل الميداني) لقوى الحرية والتغيير وهو الأمر الذي دفع بجملة تساؤلات حول صلة هذه اللجان باللجنة التنسيقية العليا لقوى الحرية والتغيير أو الهيئة القيادية العليا التي تم تكوينها حديثاً مع ملاحظة صمت مجموعة من الأحزاب المكونة لقوى الحرية والتغيير عن الدعوة لمليونية القضاء العادل غير أن سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قد أطلقت نداءً للمشاركة بفعالية في مليونية القضاء والنيابة العامة وهو موقف يتسق مع الموقف الذي أعلنه الحزب بعيد التوقيع على الوثيقة الدستورية حيث أكد أن الشارع سيكون خياره لتصويب ما اسماه بالانحرافات التي لازمت الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية وبحسب مراقبين فإن الحزب الشيوعي يعد
الجهة الثانية من مكونات تحالف الحرية والتغيير التي هددت باللجوء للشارع في حال عدم الوفاء بمطلوباته حيث سبقته بالإعلان عن هذا الموقف الجبهة الثورية عند تجاوزها في التمثيل بالمجلس السيادي ورغم أن الأخيرة لم تدعُ حاضنتها السياسية والاجتماعية للتظاهر إلا أن موقف جماهير ولايتي جنوب وشمال دارفور(نيالا-الفاشر) من المكون المدني لقوى الحرية والتغيير قد أوصل وأكد رسائل الجبهة الثورية بوضوح الأمر الذي قد يجعل من الشارع الخيار المفضل لحسم الخلافات الداخلية لقوى الحرية والتغيير وبحسب مراقبين فإن هذا المسار قد يتسبب في إنتاج كثير من العقبات لفترة انتقال لا تحتمل غير اتفاقات الحد الأدنى-

جدل الوثيقة —
لم يكد يجف حبر التوقيع على الوثيقة الدستورية حتى تفجرت قضية التضارب في بعض نصوصها الموقع عليها مع النسخة التي قامت بتوزيعها قوى الحرية والتغيير وقد قابل أطراف الاتفاق هذا الجدل العام حول الوثيقة بصمت تام إلا أن مسارعة قوى الحرية والتغيير بالإعلان عن ترشيح امرأة لمنصب رئيس القضاء عجل بكشف النص الحقيقي المتعلق بكيفية تسنم رئيس القضاء والنائب العام لهذه المواقع، فقد أكدت الوثيقة على انتخاب كل من رئيس القضاء والنائب العام من قبل المجالس العليا للقضاء والنيابة وحيث لا وجود حالياً لهذه المجالس لا سبيل دستوري لتعيين رئيس القضاء والنائب العام إلا بقيام المجالس العليا لم يتوقف الجدل القانوني عند حد جعل مطالب التعيين باعتبارها مخالفة للوثيقة الدستورية وهو الأمر الذي فطن له الأستاذ “محمد الفكي” باكرًا عندما المح إلى أن حل هذه القضية يكمن في فتح الوثيقة الدستورية من جديد وهو الأمر الذي سيدفع بكثير من المكونات لقوى الحرية والتغيير لإدراج مطالبهم في الوثيقة مما قد يفتح أبواب الاختلافات على مصراعيها من جديد.
معالجات غير الدستورية!!
بالرغم من الهجوم الكبير على الوثيقة الدستورية من أحزاب خارج تحالف الحرية والتغيير ووصفهم لها بالوثيقة السياسية وذلك لعدة مظاهر شكلية وموضوعية متعلقة بالبناء الدستوري ولو جاء انتقاليا وبحسب رؤية هذه الأحزاب المعارضة للوثيقة فإن حصر الحوار حولها بين طرفين وإقصاء أحزاب أخرى منها يجردها من أهم عناصر البناء الدستوري القائم على الشمول والإجماع العام كما أن عدم مرورها على المجلس التشريعي صاحب الدور الشكلي الأهم لمزيد من الحوار حولها وفتحها ونشرها للرأي العام كانت هذه ملاحظات القوى السياسية خارج تحالف الحرية والتغيير، أما التباين القانوني داخل قوى الحرية فأرجعه مراقبون للخلافات السياسية وليست لضعف ممثليهم في لجنة الصياغة الدستورية فموافقة بعض أحزاب الحرية على منح السيادي حق تعيين رئيس القضاء والنائب العام وفي إطار تباين وتفاوت العلاقات بين مكونات الحرية والتغيير والمجلس العسكري وقتها دفع هذا الأمر ببعض الأحزاب للتطرف والدفع بانتخابهم من مجالسهم العليا كخيار يتناسب والدعوة لإعادة بناء هذه الأجهزة وفق رؤية الثورة القائمة على الديمقراطية وكان الأستاذ “نبيل أديب” المحامي قد أوضح إبان اندلاع الجدل القانوني حول تعيين رئيس القضاء والنائب العام عن جملة من الملاحظات الإجرائية على الوثيقة الدستورية من بينها التعديلات التي تم إدخالها قبل التوقيع عليها فيما وصف عدم التدبر في تعيين رئيس القضاء والنائب العام بالخطأ الرئيسي ثم محاولة علاج ذلك بطريق غير دستوري، نافياً علاقته وعلمه به بعد أن تم استبعاده من بقرار من الوسيط الأفريقي بحجة عدم تواجده مع الفريق الأصلي.
فهل تمضي بعض قوى الحرية والتغيير في طريق معالجة اخطائها التفاوضية والتي أضحت وبحسب توصيفها وثيقة دستورية أن تعالجها بطرق غير دستورية ألا يفتح ذلك الحق القائم على الشرعية الثورية نافذة التباري بالمواكب على مضمار وطن مثخن بجراحات الانقسامات ألا نهائية.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية