“سعد الخير” شقيق الشهيد الأستاذ “أحمد الخير” في حوار مع (المجهر) (1-2)
الشهيد كان ناشطاً سياسياً .. والشعبي حاول تجنيده بعد مفارقته للوطني
كان يقول: إذا لم يرحل “البشير” فلن تحل مشكلة البلاد الاقتصادية ويجاهر برأيه هذا
كل الحديث كنا نسمعه من الناس .. إذ لم نكن نتابع وقتها ما يقال في الإعلام
– الشهيد كان عضواً في الحركة الإسلامية ولكن (…)
حاورته: نجاة إدريس إسماعيل
في ليلة الخميس (31) يناير، حين كان الرئيس المعزول “عمر البشير” يزور ولاية كسلا، جرت التظاهرات العفوية بمدينة خشم القربة، احتجاجاً على الزيارة التي أتت بعد أن اندلعت التظاهرات في عدد من الولايات وجوبهت بعنف شديد من قبل النظام ، لم يكن المعلم “أحمد الخير” وقتها ضمن المتظاهرين، فقد كان قادماً لتوه من الخرطوم، ولكن لم يمنعه الفضول من أن يجلس قبالة الشارع العام بخشم القربة، ليرى ما تسفر عنه التظاهرات.. في ذلك اليوم كتب الشهيد في حسابه بالفيسبوك – الذي صار يحظى بمتابعة عالية – عن زيارة الرئيس لولاية كسلا، واصفاً إياه بالرئيس (الرقاص) الذي لن تحل مشكلة السودان إلا بمغادرته للمنصب، ولكن رغم أن الشهيد لم يكن ضمن المتظاهرين، إلا أنه كان أول من اعتقل وعذب إلى أن فاضت روحه، في هذا الحوار مع “سعد الخير” شقيق الشهيد، يحدثنا عن خفايا ما تم في المعتقل، كما تحدث عن صلة الشهيد بالمؤتمر الوطني وأسباب انسلاخه منه، وتحدث أيضاً عن مذكرته التاريخية التي سلم نسخة منها حتى للأجهزة الشرطية وأخرى لجهاز الأمن والتي جهر من خلالها بمعاداته للمؤتمر الوطني، كما تحدث عن الكثير المثير الذي تجده في خفايا هذا الحوار:
} نعود بك إلى ليلة (الخميس) 31 يناير، حيث كان الشهيد “أحمد الخير” في الخرطوم، ولم يكن ضمن المتظاهرين، ولكن رغم ذلك كان أول من اعتقل.. فلماذا تم اعتقاله.. هل كان ناشطاً سياسياً؟
– نعم كان ناشطاً سياسياً، وكان يدير النشاط الطلابي ضمن كوادر الوطني؟
} المؤتمر الوطني؟
– نعم.. كان الشهيد في الحركة الإسلامية ولكن بعد المفاصلة، وبعدها بزمن أصبحت بينه وبين كوادر الوطني كثير من المناوشات، فهو كان يريد الإصلاح، ففي اجتماعاتهم كانوا يلفظونه، وكانت آخر جولاته معهم، حيث فارقهم في العام 2016، وذلك عندما زور المؤتمر الوطني انتخابات المعلمين، وعندها كتب الشهيد بأن الذي يحدث يعبر عن عدم المؤسسية والمنهجية، وأن التزوير الذي حدث يمثل احتقاراً للمعلمين، وكانت القضية معروفة حيث أتت (نقابة المعلمين) بالأختام من المدارس ثم كان التزوير، فتم ختم أوراق الحضور بأسماء المرشحين من قبل النقابة، وقد تضايق الشهيد من هذا الأمر واشتكى السلطات المعنية بالولاية، ثم قدم بلاغه وسعى فيه سعياً حثيثاً، وأشار في مذكرته إلى أن المسؤولين على مستوى خشم القربة، لا يخدمون منطقتهم، وأنا اعتبر مذكرته هذه بمثابة مذكرة تاريخية، وكان كل ذلك في العام 2016.
} إذن 2016 كان آخر عهده بالمؤتمر الوطني؟
– قبل هذا التاريخ كانت لديه مناوشات معهم، ولكن في 2016 كتب مذكرته وأعطى نسخة منها حتى لجهاز الأمن بالولاية نفسه وحتى للشرطة نفسها، وأحسب أن جهاز الأمن كان يرصد نشاطه السياسي بعد أن عرف معاداته للمؤتمر الوطني.
} في 2017 هل أصبح نشاطه السياسي صارخاً؟
– نعم وأصبح يكتب في حسابه بالفيسبوك، وكان واضحاً بأنه يعادي المؤتمر الوطني، وكان يقول إن أعضاء المؤتمر الوطني هم (تجار أزمات)، وكان يقول إذا لم يرحل “البشير” فلن تحل مشكلة البلاد الاقتصادية وكان يجاهر برأيه هذا، وقد تحدث بهذا قبيل زيارة “البشير” لخشم القربة.
} ومتى كانت الزيارة هذه؟
– يوم (31) يناير.. أي في نفس اليوم الذي اعتقل فيه “أحمد”، وقد كتب في حسابه عن الرئيس (الرقاص!)، وقال إن الرئيس لن يتخلى عن الحكم حتى لو أصبح الشعب متسولاً يشحذ في الأستوبات!!
} وهل كتاباته هذه هي التي جعلت الأمن يسارع باعتقاله على الرغم من أنه لم يكن ضمن المتظاهرين؟
– نعم.. لأنه كان يجاهر بمعاداته للنظام.
} هل كانت له علاقة بحزب المؤتمر الشعبي؟
– حاول المؤتمر الشعبي أن يحتويه بعد أن رأوا خطه الذي يميل للإصلاح، وقد سأله أحدهم عن خطه، فكانت إجابته “لا زلت أجاهد للإصلاح” دون أن يبين له إن كان ينتمي للوطني أو للشعبي، فقد كان خطه العام يجنح للإصلاح.
} هل استقطبه (الشعبي) رسمياً في عضويته؟
– لا.. لم يتجند في الشعبي باعتبار أن خطه العام كان هو الحركة الإسلامية، ولكنه استعان بالمؤتمر الشعبي وبقانونيي الحزب في بعض شؤونه، ويقال إنه امتحن ضابط الأمن الذي كان يستجوبه عن الحركة الإسلامية، باعتبار أن الضابط (مؤتمر وطني)، إلا أن الضابط اعتبر الأمر استفزازاً له، واعتبره (مؤتمر شعبي) وضربه الضابط في صدره بيديه الاثنتين – كما حكى لنا الشهود – وقال للضابط “إنت ما بتعرف أي حاجة عن الحركة الإسلامية ولا الجهاد ذاتو! “.
} بعد يومين من تاريخ الاعتقال تلقيتم نبأ استشهاده.. هل كنتم تتوقعون أن يحدث له ما حدث؟
– أنا والشهيد نقطن ذات المنزل، وأولادي عند اعتقاله كانوا مع أهليهم وكنا أنا وهو بمفردنا، فكنا كأسرة نعرف أن المعتقل يمكث ليوم أو يومين ثم يفرج عنه، وحتى رجال الأمن بالمنطقة وحسب نسيجها الاجتماعي، كانوا معروفين بالنسبة لنا؛ لذلك توقعنا أن يفرجوا عنه بعد التحقيق أو أن يقال له (أمشي وتعال)، ولكن كان اعتقاله ليلاً وعرفت في ذات اللحظة ولم يخبرني أحد بأنه تعرض للأذى والضرب الجسيم.
} هل سبق أن اعتقل؟
– لا.. لأول مرة.
} ماذا حدث بعد الاعتقال؟
– سألت أحد العاملين بجهاز الأمن وقال لي “لسه الضابط ما اتحرى معاه”.
} كيف كان الاعتقال؟
– اعتقلوه بالقرب من صيدلية قريبة منا، وكانت التظاهرات بالقرب منها وكان يجلس مع آخرين (بتونسوا).
} ومتى أحسست بالخطر على أخيك؟
– أحسست بالخطر عندما قال لي فرد الأمن “أخوك في رأس الشغلانية دي كلها!”، وأنا كنت أعرف أنه لم يكن في رأس الموضوع، لأنه كان مسافراً بالخرطوم، وكنت أعرف أن أمر التظاهرات يحتاج لإعداد، وعندها اعتبرت حديث فرد الأمن بمثابة إنذار، ولا شعورياً وجدت نفسي أتجه لمكاتب جهاز الأمن بخشم القربة، وبقيت هناك حتى الساعة الثانية عشرة صباحاً، وكان معي عدة أسر من ذوي المعتقلين، وقيل لنا إنهم لم يتحروا معهم بعد، فرجعنا لبيوتنا، لأن زمن صلاة الجمعة قد حان، وبعد ذلك جاءت قوة كسلا.
} ومتى تلقيتم الاتصال بنبأ استشهاده؟
– تلقيناه الساعة الثانية عشرة والنصف مساءً، وتلقيته من مدير المؤسسة التي أعمل فيها، حيث أبلغني بأن أفراد الأمن اتصلوا عليه وقالوا لي إنهم يريدونك، وعندها فرحت وظننت أنهم سيكتبوننا تعهداً ثم يطلقون سراحه، ولم نكن نعرف بالذي حدث، وعندما ذهبت مع مديري الذي أتاني بعربته، وجدت بالجهاز أناساً كثراً وجميعهم كانوا صامتين.
} من الذي بلغك بالخبر؟
– معتمد خشم القربة، وقد وضعوا لي كرسياً قبالته، وكان بين الناس ضباط أمن وضباط جيش وشرطة، وأبلغني المعتمد بأن أخي تعب قليلاً، وأثناء تحويله لمستشفى كسلا، توفي قبيل أن يصل للمستشفى، وكان واضحاً أنهم رتبوا لما سيقولونه لي.
} ماذا حدث بعدها؟
– الأسرة جميعها “اتلمت” بالبيت الكبير.. كنا نعلم بأنهم قتلوه، وأنا لم أقبل حتى تعزية أفراد جهاز الأمن لي، حتى أن خالنا كان يصيح بأعلى صوته (والله قتلوه!) وحتى “أحمد” -رحمه الله – قبل أن يقتل كان يحدثني عن تجاوزات الجهاز منذ تظاهرات 2013، ولم أكن أصدقه.
} ماذا كان يقول لك؟
– كان يعتقد جازماً بأن جهاز الأمن متورط في قتل المتظاهرين في أحداث تظاهرات سبتمبر 2013، وبأن للجهاز قناصة محترفين، وكان يقول لي إن جهاز الأمن هو الذي أحرق الطلمبات حتى يضلل الرأي العام بدعوى أن المتظاهرين ليسوا سلميين، وكان يؤكد لي أن المتظاهرين سلميون ولم أكن أصدق حديثه وكنت أناقشه فيه.
} بعد أن انتشر الخبر.. جاءت رواية من الجهات النظامية بأن الشهيد مات مسمماً.. هل صدقتم تلك الرواية؟
– كل الحديث كنا نسمعه من الناس، إذ لم نكن نتابع وقتها ما يقال في الإعلام، فمنذ اللحظة الأولى لتلقينا الخبر وقبل أن نستلم جثمان الشهيد، كنا نعرف أنهم قتلوه، فذهبنا جميعاً كأسرة وانتظرنا الجثمان في منطقة كبري ستة، وبدلاً من أن نستلم الجثمان في كسلا، أتوا به إلى منطقة كبري ستة عن طريق وزير الصحة الذي كانت له علاقة بالأسرة، وقد هيأ الجثمان وأتى به بإسعاف في منطقة كبري ستة، وكان ذلك في وقت صلاة الصبح، وكان أهلنا في ذلك الوقت مستعدين للقتال إن لم يروا الجثمان، وقد كانت مع الجثمان قوة أمنية كبيرة، ولكننا كنا أيضاً عدداً لا يستهان به، وعندما طلبنا منهم أن يفتحوا لنا الجثمان، فتحوا الإسعاف مباشرة وبعدها فتحنا الجثمان وخالنا كان (يكورك ووجدناه متسخاً وظاهرة عليه آثار الضرب) وكان التعذيب واضحاً.
} وهل نشرتم ما رأيتموه في (السوشيال ميديا) بعدها؟
– نعم خالنا تحدث عن التعذيب في فيديو نشره بـ(السوشيال ميديا) وقد ظهر الحديث حتى في قناة العربية على الرغم من أن السلطات وقتها كانت قد نفت التعذيب.
} ماذا فعلتم عندما سمعتم حديث الجهات الشرطية من أن الشهيد مات مسموماً وهناك من تسمموا معه من أفراد الجهاز؟
– تمنينا أن يأتي الوالي وقتها حتى نشتكي له مدير الشرطة، ولكننا تكلمنا مع النيابة عندما حققوا معنا واستنكرنا حديث مدير الشرطة، وقلنا لهم إننا مستعدون لتدوين بلاغ في مدير الشرطة إذا تكررت الرواية، ولكننا لا ننكر أن رواية التسمم كانت ذائعة وقتها، وذلك حتى يضللوا الرأي العام، وقد أغلقوا بعض المطاعم حتى يثبتوا أن هناك تسمماً، ولكننا – كأسرة – كنا نؤمن بأنه حتى إن صحت رواية التسمم فإنه كان هناك تعذيب أيضاً، وأين التقارير الطبية للتسمم؟.. أنا ممرض وأعرف أن كثيراً ما يحدث أن تتسمم قرية بكاملها، ولكن لا أحد يموت فيها، لأن التسمم ليس بالأمر الخطير.
} هل أتاكم الوالي؟
– لا.. لم يأتنا، ولكن عندما أخبرنا بأن فريقاً من الجهاز سيأتي للتحقيق معنا كأسرة، رحبنا بالأمر فقالوا لنا إن فريق التحقيق سيأتي معه الوالي “جماع”، وعندها لم نقبل بمجيئه وكان خالي من أكثر المتشددين لرفض زيارة الوالي، لأنه لم يأتنا منذ اليوم الأول وبالتالي اعتبرناه خصماً.
} وماذا حدث بعدها؟
– بعدها تفاجأنا بتصريح نشر في صحيفة (الصيحة) ولم يتوخَ “الصادق الرزيقي” الدقة، حيث لم تتصل الصحيفة بالأسرة، وكان لزاماً عليه أن يأتي بحديث الوالي وبحديث الأسرة معه، ولكن “الرزيقي” اتصل بالوالي ليثبت واقعة التسمم، كما ظهر “الصادق الرزيقي” في قناة العربية وقال في القناة إذا كانت للأسرة بينات فلتقدمها للجهات العدلية، وهو يعلم تماماً بأننا كأسرة لن نستطيع أن نبلغ قضيتنا العادلة الجهات العدلية، لأن أفراد الأمن لديهم حصانة.