الخرطوم ـ سيف جامع
تصاعدت شكاوى المواطنين من الارتفاع الجنوني للأسعار خاصة السلع الاستهلاكية الضرورية ، وبلغت الأسعار مستويات قياسية لم يشهدها السوق من قبل حيث بلغ سعر كيلو اللحم الضأني (500) جنيه و(400) جنيه للعجالي، فيما تجاوز كيلو الدواجن (190) جنيهاً وطبق البيض (180) جنيهاً ورطل اللبن الحليب بلغ (25) جنيهاً.
وفي البيان الأخير للجهاز المركزي للإحصاء بلغت الزيادة في معدل التضخم (0.54٪) حيث ما زالت مجموعة الأغذية والمشروبات هي المحرك الرئيسي والأساسي للتضخم الذي ارتفع في شهر أغسطس إلى (56.13٪) وأدى لارتفاع بعض السلع مثل اللحوم والحبوب إلى أن تساهم المجموعة بنسبة(61.88٪) من التضخم العام.
وجاء في البيان أن نسبة الزيادة بين شهري يوليو وأغسطس بلغت (0.54٪) وأن أسباب الزيادة ارتفاع مجموعتي النقل والتجهيزات والمعدات المنزلية بينما ما زالت مجموعة الأغذية والمشروبات هي المحرك الأساسي، ومن المتوقع أن تنخفض سلع أخرى في الأشهر القادمة وهي الخضر٠
وهناك ارتفاع في معدل التغيير السنوي (التضخم) لأسعار الجملة السلع الاستهلاكية والخدمية لشهر أغسطس في إحدى عشرة ولاية بينما انخفض في سبع ولايات حيث سجلت ولاية جنوب دارفور الأعلى وأدناه ولاية كسلا.
ومنذ تشكيل الحكومة الانتقالية بدأ الشارع يترقب الحلول العاجلة للقضايا الاقتصادية التي تتسبب في غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، ويرى عدد من المواطنين أن حل الأزمات الراهنة ينبغي أن يكون أول برامج وزارة “حمدوك” خاصة توفير السلع الضرورية مثل الخبز والدواء والوقود والمواصلات ومياه الشرب في المناطق التي تعاني من عدم توفرها.
واتساقاً مع أولويات المرحلة، أعلن وزير المالية “إبراهيم البدوي”، عن إطلاق مشروعات محددة في موازنة العام(2020) لإضافة قيمة إضافية لقطاعات اللحوم والحبوب الزيتية، بحسب بيان صادر عن وزارة المالية.
ونوه “البدوي” إلى تعويله على وزارة المالية في تنفيذ برنامج إسعافي خلال فترة حددها بـ( 200) يوم، وأوضح أن البرنامج يشتمل على برامج تثبيت الاقتصاد الكلي وتعبئة الموارد والتوظيف الأمثل للموارد وفق الأولويات لخدمة أهداف الاقتصاد في التنمية والرفاه الاجتماعي، وأعلن عن مبادرات إسعافية تطلقها الوزارة بالتنسيق مع جهات الاختصاص المركزية والولائية تهدف لمعالجة ارتفاع كلفة المعيشة.
ويشكو المواطنون من الارتفاع المضطرد في الأسعار، وبحسب التجار فإن أسعار الجملة ارتفعت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة بنسبة (50%) خاصة زيوت الطعام والسكر والمواد الغذائية .
وطرحت ولاية الخرطوم عدداً من السلع الأساسية بأسعار مخفضة بالتنسيق مع الشركات الموردة والمصنعة والمنتجين للسلع الغذائية شملت الفراخ والبيض والخضروات والفواكه وبقية السلع الاستهلاكية، حيث بلغ سعر كيلو الفراخ (135) جنيهاً بدلاً عن (190) جنيهاً خارج أسواق البيع المخفض ، بينما بلغ سعر طبق البيض (90) جنيهاً بدلاً عن (150) جنيهاً خارج أسواق البيع المخفض، إضافة إلي انخفاض كبير في بقية السلع الأخرى، لكن يرى المواطنون أن هذه المراكز غير مجدية في حل مشكلة الأسعار لأن انتشارها محدود ولا تتوفر بها كافة الأصناف ، مشيرين إلى أنها فكرة ابتدرها النظام السابق لكن استفاد منها منسوبو النظام، وينبغي على الحكومة الجديدة النظر في أمر أسواق البيع المخفض بإغلاقها ونشر التعاونيات بدلاً عنها.
ويقول دكتور”هيثم محمد فتحي” المحلل والباحث الاقتصادي، إن البرنامج الاقتصادي الإسعافي الذي طرحته الحكومة الانتقالية على لسان وزير ماليتها خاطب مشكلات المواطنين الآنية والملحة والتي من بينها تحسين معاش الناس ومكافحة التضخم الانفجاري وتثبيت الأسعار وغيرها من المشكلات التي يعاني منها المواطنون .
وأضاف “هيثم” إن فرص نجاح هذا البرنامج ستكون كبيرة في تحقيق هذه الغايات إذ تم توجيه السياسات المالية نحو تحسين فرص النمو الاقتصادي مع مراعاة تحقيق مبدأ الاعتماد على الموارد الذاتية لتحرير قرارات البلاد السياسية من التبعية والمؤثرات الخارجية، وشدد على ضرورة أن يستأصل هذا البرنامج بؤر الفساد المالي والإداري والتهريب خاصة تهريب الذهب الذي أشارت بعض التقارير إلى أن المُهرب منه حتى الآن يعادل سبعة مليارات دولار مع حل المشاكل التي تواجه الصناعة السودانية والتي أدت إلى إغلاق(80%) من المصانع بالبلاد بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل والمواد الخام والعملات الحرة، ونبه إلى ضرورة أن يتضمن البرنامج الإسعافي الإجراءات المحفزة لتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي لخلق فرص عمل لأهل السودان وبيئة اقتصادية مشجعة للإنتاج وتتسم بالاستقرار المالي والنقدي، موصياً بأن يعمل البرنامج الإسعافي على خفض العجز المالي الذي تعاني منه موازنة الدولة مع زيادة حجم الاستثمارات في الخدمات الأساسية للمواطنين كالصحة والتعليم ومياه الشرب وإصحاح البيئة والكهرباء مع إصلاح أجور العاملين بالدولة.
ويرى الخبير الاقتصادي د. “عادل عبد العزيز الفكي” أنه لابد من الاتفاق حول السلع الأساسية التي ينبغي العمل فيها حسب تجاربنا وخبراتنا ومتابعاتنا فإن من الأوفق التركيز في المرحلة الأولى على (7) من السلع الرئيسة هي: السكر، الدقيق، زيت الطعام، الشاي، الأرز، العدس، لبن البودرة. التركيز على هذه السلع يمكن أن يأتي بنتائج سريعة في تخفيف العبء المعيشي وخفض نسب التضخم، لأنها جميعها سلع مصنعة بواسطة شركات أو مؤسسات كبرى، ويمكن التحكم في تكاليف إنتاجها وطرق تسويقها وتوزيعها بطريقة عادلة تفيد المنتج والمستهلك معاً.
ويشير دكتور “عادل” إلى أن هناك سلعاً أخرى هامة مثل الخضروات، واللحوم البيضاء والحمراء والألبان والبيض، والبصل، وصابون الغسيل… وغيرها، وجميعها سلع هامة وتوجد وسائل فنية للتحكم في أسعارها، ولكننا ننصح بالتركيز على السلع الـ(7) المذكورة آنفاً للوقوف على أرضية صلبة تمكن من الانتقال لمجموعة سلع أخرى.
وبضيف (تتحكم في السعر النهائي للمستهلك ثلاثة عناصر رئيسة، العنصر الأول هو تكلفة إنتاج السلعة أو تكلفة استيرادها، العنصر الثاني الأرباح التجارية التي يتم وضعها في كل مرحلة مثل ربح المصنِّع وربح تاجر الجملة وربح تاجر القطاعي، والعنصر الثالث الرسوم والضرائب الحكومية وتكاليف النقل والإيجارات).
ومضي قائلاً (بالنسبة للعنصر الأول المتعلق بتكلفة السلعة فإن ديوان الضرائب ينفذ الآن مشروعاً هائلاً هو مشروع الفاتورة الإلكترونية، وقد قطع شوطاً مقدراً، حيث تم الآن ربط النظام في كل المصانع الكبيرة: الأسمنت، السكر، البوهيات، المطاحن وغيرها من الصناعات. وبهذا النظام أصبح سعر المصنع لكل سلعة متاحاً، حيث البيع من المصنع لتاجر الجملة يصدر من خلال فاتورة النظام وفيها شعار ديوان الضرائب وشعار المصنع، كذلك فإن النظام مربوط مع هيئة الجمارك، عليه فإن تكلفة السلعة في ميناء الوصول معروفة بالنسبة للسلع المستوردة مثل الأرز والعدس.
ويقول “عبد العزيز” : بالنسبة للعنصر الثاني المتعلق بالأرباح يُقترح أن يصدر وزير الصناعة والتجارة أمراً وزارياً بتحديد نسبة الربح لكل مستوى من مستويات التجارة: مورِد- جملة- قطاعي ، بالنسبة للعنصر الثالث المتعلق برسوم الولايات والمحليات فيُقترح ضبطها مع سلطات الولايات، أما رسوم النقل فيتم ضبطها مع غرفة النقل بإتحاد أصحاب العمل.
وزاد :بناءً على هذه العناصر الثلاثة يتم توجيه المصنعين والمستوردين بطباعة سعر المنتج على العبوة الصغيرة التي يستخدمها المستهلك، وبالتالي يصبح المستهلك هو الرقيب على الأسعار.
إن هذا الترتيب والتنظيم مفيد لكل من المنتج والمستهلك، ويبعد طائفة واسعة من السماسرة. ومن المؤكد أن تنفيذ هذه الإجراءات بمسؤولية من قبل الجهات المعنية من شأنه إحداث خفض محسوس في الأسعار.