الأزمات السودانية .. التطواف في العواصم العالمية!!
لا يزال ملف الأزمات السودانية يجوب أقطار المعمورة بحثاً عن مخارج سياسية تسهم في وضع حد للنزاعات التي أنهكت البلاد سنين عددا، فما بين القارة السمراء وقارة آسيا تترنَّح المشاكل الداخلية للسودان بين الحين والآخر، وظهر أن المسؤولين في السودان لم يسأموا ترحيل الأزمات الداخلية إلى المحيطين الأفريقي والعربي، بترتيب وتنسيق عال.. ففي الوقت الذي يمم فيه ممثلو الحكومة شرقاً إلى الدوحة القطرية لفتح باب التفاوض عبر فتح اتفاق الدوحة الأخير مع عناصر منشقَّة من حركة العدل والمساواة، في محاولة لإعادة الأمن المفقود إلى إقليم دارفور.. اتجه وفدٌ آخر عالي المستوى إلى الشرق القريب، حيث العاصمة الإثيوبية، في محاولة لبناء علاقة إستراتيجية مع الجار الجنوبي تقوم على تبادل المصالح والمنافع المشتركة وإنزال الاتفاقية التي وقعت بين البلدين نهاية سبتمبر الماضي.
وفي الوقت الذي احتفظت فيه قطر بملف دارفور بصورة حصرية منذ أن أعلنت رعايتها للملف في الربع الأخير من العقد الماضي، فإن ملف القضايا العالقة مع دولة الجنوب يمضي ما بين نيفاشا الكينية وأديس أبابا الإثيوبية، وهو الآن في طريقة إلى أن يرحّل إلى دولةٍ أخرى داخل حدود القارة الأفريقية، حيث من المرجَّح أن تشارك أحد العواصم الإفريقية أديس أبابا في مهمة رعاية ملف التفاوض بين الخرطوم وجوبا، ومن المؤمل أن يلتقي الرئسيان “عمر البشير” و”سلفاكير ميارديت” لعقد قمة ثنائية في إحدى عواصم ( نيجريا، ساحل العاج، كينيا، أو جنوب أفريقيا).. إذ أن رؤساء تلك الدول قادوا بداية الأسبوع الحالي مبادرة للجمع بين رئيسي السودان والجنوب على هامش أعمال قمة الاتحاد الأفريقي التي التأمت في أديس أبابا الأسبوع الماضي.. حيث كان للرئيس النيجيري الفضل في تنسيقها، فقد دعا كلاً من “البشير” و”سلفاكير” إلى مقر إقامته في العاصمة الأثيوبية على هامش الجلسة العادية الـ (20) لقمة الاتحاد الإفريقي، في مسعى منه لتقريب وجهات النظر بين الرئيسين في أعقاب فشل القمة الثنائية بينهما في بدء أعمال قمة الاتحاد. وحرص الرئيس النيجيري “قودلاك جوناثان” على دعوة زعماء أفارقة مؤثرين بشكل أو بآخر في الملف السوداني للمشاركة فى المحادثات، كرئيس جنوب إفريقيا “جاكوب زوما” ورئيس كوت ديفوار “الحسن وتره” وممثلي رئيس الوزراء الإثيوبي “هايلى ماريام ديسالين” وممثل الرئيس الكيني “مواي كيباكي”.. غير أن مخرجات تلك القمة لم تسهم بشكل فعّال في وضع حل فوري للمشاكل الملحة بين الجانبين، التي تؤثر بشكل كبير على مسار تنفيذ اتفاق التعاون المشترك، فيما عدا تواثق الجميع على أن يكون هناك لقاء في القريب العاجل بين “البشير” و”سلفاكير” دون تحديد موعد حاسم لذلك اللقاء ولا في أي أرض يكون.
فيما رجَّحت مصادر مطلعة أن تعود العاصمة النيجيرية (أبوجا) إلى واجهة الأحداث في ما يلي ملف الأزمات السودانية، وهي التي سبق أن قامت برعاية مفاوضات لحل مشكلة دارفور. وبدا أن الرئيس “جوناثان” قد أوفى بما وعد به كبير مفاوضي جنوب السودان “باقان أموم” الذي قام بجولة في أفريقيا الغربية قبيل انعقاد اجتماعات مجلس السلم والأمن الإفريقي مطلع الأسبوع الحالي، بغرض توضيح موقف دولته من القضايا العالقة مع شمال السودان، وضمان دعمها لجنوب السودان بشأن قضية منطقة أبيى وبقية القضايا العالقة، وخلال ذلك اللقاء أكَّد الرئيس النيجيري على رغبته الكاملة في لقاء الرئيس “سلفاكير” على هامش أعمال قمة الاتحاد الإفريقي، كما أخذ “باقان” تعهداً من الرئيس “جوناثان” بأن يتوسط الرجل بين البلدين الجارين لتقوية العلاقات الثنائية بينهما.
ويسود اعتقاد واسع لدى الممسكين بزمام الأمور أن حل مشاكل السودان لن يتأتى إلاّ عبر وسطاء من خارج الحدود، فعلى الرغم من أن السودان وجنوب السودان أصبحا دولتين منفصلتين، فإنهما عجزتا عن الالتقاء في نقطة مشتركة للحيولة دون أن تمر القضايا الخلافية بينهما عبر نفق التوسط الخارجي. ويرجِّح مراقبون أن مكمن الداء في الحكومة التي ظلَّت على الدوام ترفض أي وسطاء وطنيين للتوسط في القضايا الداخلية، رغم إبداء أولئك الوسطاء رغبتهم في أن يكونوا جزءاً من الحل، فالحكومة تريد أن تستأثر بالحلول التي غالباً ما تكون عبارة عن حلول ثنائية منقوصة تبعد من خلالها أطراف أصليين في الأزمة، مثل ما حدث في اتفاق الدوحة الأخير الذي وُقِّع مع فصيل حركة التحرير والعدالة. ويذهب متابعون إلى أن أزمة الثقة بين الأطراف المتنازعة ترجِّح كفة نقل الملفات إلى الخارج والبحث عن وسيط يوفر الضمانات اللازمة لتنفيذ الاتفاقيات والإشراف على إنزالها على أرض الواقع.