حوارات

عضو المجلس السيادي الأستاذة “عائشة موسى السعيد” في حوار ناعم مع (المجهر)

لست شرسة ولا معارضة بل العكس أنا امرأة متصالحة جداً..والدنيا سماء حر

المجلس السيادي وتكوينه من العسكريين والمدنيين يمثل الإنسان السوداني الجميل

الاتفاق حول الوثيقة الدستورية أثبت أننا متصالحون.. ودائماً ما تنتهي النقاشات بالتوافق ولا نتعصب لرأي

عمري فوق السبعين ورغم مناداة العيال لي بـ(حبوبة) ..لكن سعيدة جدا أن تكون (حبوبة) صديقة الشباب

حوار _ أمل أبوالقاسم

رغم مشغولياتها والعبء الكبير والمسؤولية التي وقعت على عاتقها إلا أنها وتحت إلحاحنا استجابت لنا شريطة أن يكون هذا اللقاء عبر الواتساب وترد عليه متى ما فرغت، ولأن الحوار بهكذا صورة بلا تحاور وتناسل فقد بدأ معلباً، ولأن ليس لديها وقت وقد تفضلت مشكورة بالرد علينا في ساعات الفجر الأولى سقطت خلالها ربما عفواً بعض من الاستفسارات لم نشاء سؤالها مجدداً.
وأعني الأستاذة “عائشة موسى السعيد” أستاذة الإنجليزي وأدبه منذ أزمان غابرة فضلعت فيه واشتهرت به وسط جيلها وطالباتها. أيضا اقترن اسمها بالتغيير واختيرت ضمن أعضاء المجلس السيادي مع رفيقتها “رجاء نيكولا” كأول سيدتين تقلدتا هذا المنصب في العهد الحديث. وبدت الأستاذة “عائشة” خلال حوارها مع (المجهر) متصالحة مع نفسها وألقمت من تندروا بسنها حجراً بأنها ورغم تجاوزها للسبعين عاماً ورغم مناداة أحفادها لها بحبوبة إلا أن هذه الحبوبة استطاعت أن تنافس الشباب. وهي كذلك بحسب حديثها الذي ترى من خلاله أن المرأة قادرة على العطاء في أي ظرف وأن الأربع والعشرين ساعة كثيرة وكافية لأداء أي منشط إن وظفت بالطريقة المثلى.
خلال هذه المساحة تجولنا معها في عدد من المحطات بدءاً من مسيرتها الأكاديمية ونشاطها النسوي من خلال الأستاذة “فاطمة أحمد إبراهيم” ومجلة صوت المرأة وليس انتهاءً بموقعها في المجلس السيادي ودخولها القصر هذا الصرح الذي طالما تعمدت المرور أمامه في بواكير صباها مع أطفالها ووقوفهم لتبادل التحية العسكرية مع الحرس والآن أصبح لديها مكتب به.

= كل ما عرف عن الأساتذة “عائشة موسى السعيد” التي ظهر أسمها مقروناً مع تشكيل المجلس السيادي أنها أكاديمية وناشطة. حدثينا عن مراحلك الأكاديمية؟ ونشاطك كناشطة وفي أي المجالات؟

أولاً، ربنا يصلح البلد ويرحم الشهداء ويكرم كل من شارك في هذه الثورة العظيمة، ويرد الغائبين لأهلهم سالمين ويشفى المرضى ويجبر كسر الوالدين.
أنا “عائشة موسى السعيد” والدتي “نصرة محمد إبراهيم” من أهل الأبيض والسيرة طويلة لا داعي لذكرها في هذه المساحة . درست مراحلي الابتدائية والمتوسطة في مدينة الأبيض وسافرت مثل أي من شباب الخمسينيات في ذلك الوقت إلى أم درمان الثانوية، وآخر يوم من امتحان الشهادة عينا أو كنا شبه نفير للمراحل المتوسطة. وكنا مجموعة كبيرة بعدها توالت كورسات التدريب إلى أن ذهبت في ذات العام إلى معهد تدريب المدارس المتوسطة بمدينة أم درمان. عملت في المدارس الوسطى بالخرطوم وكانت فترة جميلة وغنية جداً أذكر فيها بعض بناتي اللاتي درستهن في ذاك الزمن وقد أصبحن الآن طبيبات التقيتهن في كثير من معارج الحياة وفعلاً يا ريت ومثلما يقول المثل الشعبي( في كل بلد عندك ولد) أنا كثيرة التسفار وأينما سافرت صارت عبارة ( ست عشة ) حاضرة ومن أجمل النداءات التي أسمعها من بناتي في كل أنحاء السودان تزامنت تلك الفترة وقبيل دخولي الثانوي إلى حين استمراري في التدريس في المرحلة المتوسطة وحتى سفري لإنجلترا وعودتي للمدارس الثانوية لم أنقطع عن عملي في الاتحاد النسائي السوداني. كنت قد التحقت به من خلال مجلة صوت المرأة ومن خلال مقابلتي للأستاذة “فاطمة أحمد إبراهيم” فعند عودتي لأم درمان كانت كثيراً ما تأتي للثانوي وتتواصل مع الشابات في ذلك الوقت، ومجلة صوت المرأة كانت في بداية عهدها وكذا الاتحاد النسائي. هكذا ارتبط نشاطي بالعمل في الاتحاد النسائي وعندما أكملت التدريب أول تدريس لي كان بمدينة الأبيض الثانوية وكانت جديدة وقتها وهي أيضاً بالنسبة لي تجربة ثرة وجميلة ما زلت أذكرها بالخير وأذكر طالباتي فيها وكن قريبات من أعمارنا فنمت صداقات بيننا ما زلن حتى الآن بناتي وصديقاتي.
+ أيضاً وصفتي بالمعارضة الشرسة. فيم تمثلت هذه المعارضة. وضد أي شيء تحديداً؟
أنا لست شرسة ولا معارضة بل العكس أنا امرأة متصالحة جداً ، أفتكر أن المزاج الذي أتبعه في الحياة أن الدنيا لا تستحق الغضب من أسوأ الأشياء التي يمكن أن يعذب بها الإنسان نفسه ويضر بها، حتى إن عارضتك في شيء أو عارضتيني في شيء لا تنمو بيننا عداوة، لاسيما عندما أرى أناساً متخاصمين فليس هنالك ما يستحق، والإنسانية أمر عظيم جداً، والإنسان مخلوق عظيم خصه ربنا سبحانه وتعالى بأشياء فوق العادية بالنسبة لمخلوقات الدنيا الأخرى فلا يمكن نحن نتفهمه ونخاصمه ومن هنا نمت محبتنا للسلام والأمن والراحة وغيرها.
وليتك تسحبين هذه الصفة التي وصفتيني بها فأنا لا معارضة ولا أي شيء. وليس هنالك ما أنا ضده وأنا أفتكر أن الدنيا سماء حر والطبيعة البشرية خلقت حرة والإنسان حر كما يريد لنفسه وما يعمل لأجله له الحرية والسلام والراحة والطمأنينة.
= مع من أو ما هي مجموعتك رفيقة النشاط، وكذا النضال؟ وهل تعرضتم لأي شيء جراء ذلك؟ اعتقال أو إحالة مثلاً؟
صديقاتي كثر ولا أستطيع تحديدهن ولدي زميلات أعتز بصداقتهن وهن بمثابة الشراكة الحياتية إذ ما زلت أرجع إليهن منذ أن كنت بالمدرسة وإلى الآن. وعندما حدث هذا التغيير بالسودان وتم اختياري للمنصب الجديد الذي اختارته لي الجماهير التي رشحتني من النساء والرجال ومن ذلك أن أكون في موقع المجلس الرئاسي. رد إلي كمية من الصداقات القديمة وظهر كل المعارف. وأنتهز هذه الفرصة وكل من رفع التلفون هنأ وسلم وابتهج مبدياً سعادته وذكى هذا الاختيار ومن حضر بنفسه مسافراً لمقابلتي. فأنا في فيض من العواطف ومن العلاقات والزيارات ومن أشخاص كنت أظن أنها معرفة وانتهت، وليتني أجد متسعاً لأكتب عن كل ما حدث خلال الأيام الماضية. وكله من نتائج الثورة الفريدة والتي حدثت بالسودان.
= كيف تنظرين للمجلس سيادي ربما لأول مرة يتشكل من العسكريين والمدنيين. هل تتوقعين أن يحدث تناغم؟
المجلس السيادي وحكاية تكوينه من المدنيين والعسكريين من أعمار وتخصصات وجهات مختلفة ملفت للنظر، لكن من داخله كل العناصر التي به ما هم إلا الإنسان السوداني الجميل المتعاون الذي يرغب بأي من السبل أن يصلح ما خربته ثلاثون عاما، وهنالك أشياء ربما لا تظهر للناس لكن الاستعداد للتنازل عن أي شيء حتى يتحقق ما جمعنا.
= تقلدتم المنصب وستسيرون وفق وثيقة متفق وموقع عليها مسبقاً. هل تتوقعين أن تصطدموا بما لا يتفق ورؤاكم؟ أم ستلتزمون بها كما هي؟

الوثيقة التي اتفقنا عليها والتي أطلقتها الحرية والتغيير أثبتت أننا متصالحون تماماً وهدفنا واحد، ورؤانا متشابهة جداً وإن اختلفت باختلاف تخصصاتنا ولكن الحمد لله دائماً ما تنتهي النقاشات بالتوافق. ولا نتعصب لرأي.

= ما رأيك في دخول المرأة وتقلدها لهذا المنصب السيادي ؟
دخول المرأة لهذا المنصب السيادي ليس بمستغرب على المرأة في السودان ولا أريد الخوض في تاريخ النساء. فالمرأة أصلاً سيدة المجتمع، فأنا مثلاً قادمة من الأبيض وجغرافيا من غرب السودان وقس على ذلك لذا نجد أن ثمة اختلاف في الحياة الثقافية والمجتمعية بها بعض الاختلافات الطفيفة الطبيعية بحسب وجود الناس بمنطقة جغرافية معينة واهتماماتهم بنشاطات بيئية مختلفة. مثلاً عندنا في الأبيض وحتى أقصى الغرب عندنا المرأة هي سيدة الموقف والتي تقوم بكل الأنشطة، ولا أقلل من دور الرجل فكلاهما عماد الحياة وهما يكملان بعضهما.
لكن النشاط النسوي في غرب السودان وأماكن أخرى كثيرة ، المرأة نشطة جداً في الحياة الاجتماعية وليس بغريب أنها وبعد أن تعلمت ووصلتها التقنيات الجديدة أن تتطور وتشغل المناصب الخدمية والحكومية ومجلس السيادة. ورغم أننا نقول إن التمثيل ضعيف لكن أفتكر أن تمثيل المرأة في المجلس السيادي الذي يضم (11) شخصاً بينهم سيدتان إحداهما شكلت الترجيح، أعتقد أنه تمثيل جميل جداً وأنا أراه في الوقت الحالي رغم توقعاتي بغضب البعض ممن يطالبون بـ(40- 50%)، لكن في مجلس السيادة امرأة واحدة تكفي كيما يحدث الفرق. وأنا حالياً لا أرى نفسي مختلفة عن الرجال في هذا المجلس لكن أرى وجودي مهماً وكمان نحن صرنا اثنتين ونمثل شريحتين مختلفتين في المجتمع السوداني.
المرأة لها وزنها في المجلس وأنا أثمن جداً الاحترام فوق العادة والتقدير والاستماع لصوت المرأة في داخل المجلس، وأضابير القصر. هذا القصر الذي كنا نمر أمامه مع أطفالي ونحن نقصده من أقصى الخرطوم بحري ونقصد الذهاب من أمامه حتى يمروا بالحرس الذي يقف أمامه ويرفعون له التعظيم ويناكفونه، فكون أدخله ويكون لدي به مكتب فهذا كبير حد أنني لم أجد وقتاً اندهش فيه، وهو أقصى ما كان يتصوره الشخص في حياته.

= الملاحظ أن الغلبة في التشكيل بصورة عامة لأبناء الغرب الحبيب..ما رأيك؟
لا أحب مثل هذا النوع من الأسئلة ولا الخوض في الجهوية التي لا أؤمن بها ولا أرى نفسي مختلفة ذكرت لك عندما حضرنا من الأبيض ووجدنا بعض الاختلافات وهي سطحية جداً لكن جوهرنا واحد. سافرت للخارج كثيراً سواء الغرب أو البلاد العربية والأفريقية وجدت أن الإنسان السوداني واحد غض النظر إن كان امرأةً أو رجلاً ،ويمكن الاختلافات ظهرت في الشباب الآن ، إن عظمتنا وتميزنا عبقريتنا في التكنولوجيا والتطورات التي حدثت جعلت السوداني متميزاً ومختلفاً ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك.
= الأستاذة “عائشة” أستاذة اللغة الإنجليزية وأدبها معروفة وذات ثقل في المجال. متى شرعتي في تدريسه؟ وكيف ترين حال جامعات السودان بعد تعريب جامعة الخرطوم تحديداً مقارنة بجامعات العالم والعالم العربي؟
اللغة الإنجليزية بمثابة أكل عيش لي ومصدر من مصادر المعرفة الضخمة، ولم أتخيل أنني امرأة معروفة داخل وخارج السودان، لكن وجدت أن غالبية هذه الشهرة من تدريس اللغة الإنجليزية في مدارس البنات ثم معاهد التدريب التربوي، إلى جانب عملي في الترجمة والأخيرة أحدثت منعطفاً مهماً في حياتي وخلقت لي نوعاً آخر من المجالات، لذلك اهتمامي بالثقافة والمشاركة في أعمالها ابتداءً من جائزة “الطيب صالح” وجائزة “غادة” والآن جائزة البروفيسور” أمل عاصم” وأخريات. وأساساً أنا مجتمعية لا أحب القوقعة ولا الركون للبيت بحكم محبتي للناس وهي الدافع الأساسي للنشاط النسوي والشبابي. ورغم مناداة العيال لي بحبوبة لكن أنا سعيدة جداً أن تكون حبوبة صديقة الشباب في هذا الزمن الصعب الذي يهيمنون فيه أو كما تقولون ( يقبضون الجو) و(أهو واحدة لواحدة كلنا سوا).

= أين أستاذة “عائشة” الآن؟ وهل ستتمكن من الجمع بين السيادي وبينها، أم ستتفرغين للسيادي؟
أنا امرأة فوق السبعين بالمناسبة وحفيدتي الأولى “سارة وضاح ” خريجة والآن تعمل في وظيفة خارج البلاد وأصغرهن “مريم” بالروضة. يعني ليست لدي مشكلة في هل تستطيعين الجمع بين هذا وذاك. وبالنسبة لي الحياة واحدة ولابد أن يكون فيها أمل وعمل وراحة ونوم ولعب واستذكار مع العيال وكذا زيارات ومجاملات، وإلا فلن تسمى حياة بالمعنى وأنا ما عندي مشكلة منذ أن كنت صبية وحتى زواجي وقد قيض الله لي زوجاً اجتماعياً ومعروفاً في المجالات الأدبية وعملي كناشطة في المجالات النسوية وحتى السيادي فكل البرنامج واحد متكامل وإلا لا أدري كيف يقضي الناس يومهم بلا هذه الأشياء. فاليوم طويل وأربع وعشرين ساعة كثيرة فإن قسمتها نصفين سيكون نصفها للعمل والآخر للموضوعات والاهتمامات الأخرى بما فيها النوم والعناية بالنفس وغيرها.
فليست ولم تكن لي مشكلة طيلة حياتي. وأذكر أنه عندما أصبحت مديرة قسم بالتأهيل التربوي كنت اصطحب صغيرتي آخر العنقود لأن ليس هنالك من أتركها في عنايته، وحدث أن قيل بأن الوزيرة ” رشيدة سيد إبراهيم” ووفد مرافق لها بصدد زيارة فما كان منى إلا أن وضعت صغيرتي داخل( كوت) خلف مكتبي. وفي الأثناء أصدرت صوتاً فسألني مدير التعليم التربوي الأخ ” أحمد البر” رحمة الله عليه ،فرددت بأنها ( بيبي) وأكملنا اجتماعنا.
المدهش في الحدث أن ليس هنالك من أبدى غرابة لذلك ومن وقتها أصر على كل بناتي وأخواتي اللاتي يعملن ويتحججن بأن الأطفال مشكلة بالنسبة لهن بأن ليست هنالك مشكلة، حلي مشكلتك ولا تتسببي بها للاستقالة عن العمل وهذا يحدث أيضاً بالتفاهم بين إدارات العمل وأعتقد أن المؤسسة مهما كان وضعها يمكنها أن توفر حاضنة أطفال صغيرة بها. والحكاية دي مطبقة في بعض البلاد العربية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية