حوارات

مدير إدارة المحاجر البيطرية الأسبق د. “يوسف محمد عبدالرازق” في حوار مع (المجهر) 2 ــ2

نصدر إناث إبل عبر الحدود مقابل سلع غير مهمة

هل يعقل أن نقايض إبل دولارية بلعب أطفال ؟

*في حالة الدمج بين وزارتي الثروة الحيوانية والزراعة ستكون الثروة الحيوانية مجرد مقطورة
خلال فترة مايو وبداية الإنقاذ شهدنا الدمج وكان الناتج تدهور قطاع الثروة الحيوانية

*الحكومة القادمة مطلوب منها الالتفات لقطاع الثروة الحيوانية، لأنه قطاع واعد

حوار ـ رقية أبو شوك

الحديث عن ضرورة الإصلاح الاقتصادي بالبلاد، يستدعي الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية وتأهيلها وتطويرها..  فقطاع الثروة الحيوانية إذا ماتم تأهيله وتطويره، سيحقق فوائد جمة تعود بالكثير وترفد الخزينة العامة بالعُملات الأجنبية لجهة أن هذا القطاع من القطاعات ذات الارتباط المباشر بالصادر، ويحتشد بكوادر بشرية مؤهلة، ملمة بمتطلبات تطوير القطاع بالكامل، فالقرار الذي أصدره رئيس المجلس العسكري الانتقالي والذي ألغى بموجبه كل القرارات السابقة التي تسمح بتصدير إناث المواشي الحية فتح باباً للحديث حول هذا القطاع..
من أجل هذا وضعنا أمام مدير إدارة المحاجر البيطرية الأسبق ورئيس ومستشار اللجنة الفنية لواردات الثروة الحيوانية ومدخلات إنتاج وصحة الحيوان الأسبق .. الخبير البيطري والأكاديمي بالجامعات السودانية د. “يوسف محمد عبدالرازق” .. وضعنا أمامه العديد من الأسئلة لنقف على إفاداته حتى تكون خارطة طريق لمستقبل الثروة الحيوانية خاصة وأنه خبير في هذا المجال..

* في الجزء الأول من الحوار استعرضنا العديد من المحاور عن خطط وبرامج ورؤى تطوير قطاع الثروة الحيوانية والأثر السالب لتصدير إناث الماشية على القطاع على خلفية القرار الذي أصدره رئيس المجلس العسكري الانتقالي وغيرها من الأسئلة، ونريد عبر هذه المساحة أن نتعرض إلى جوانب أخرى من شأنها أن تقود إلى التطوير حيث بدأنا أولى أسئلتنا عن المطلوب لتصحيح وضع الخدمات البيطرية باعتبارها قاطرة تنمية القطاع، ثم ولجنا إلى مضار التهريب وتجارة الحدود ومتطلبات المرحلة القادمة .. فكانت هذه الإفادات:
*إذاً ما المطلوب د. “يوسف” لتصحيح مسار وضع الخدمات البيطرية باعتبارها قاطرة تنمية كما أشرنا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد أن نشير هنا بأن الخدمات البيطرية الرسمية هي خدمات صحة الحيوان، والإرشاد البيطري، والتدريب، ومكافحة الأوبئة، وخدمات الحجر الصحي البيطري، وصحة اللحوم، وخدمات الإنتاج الحيواني، والبحوث البيطرية، كما أن هنالك خدمات مساندة مثل خدمات التشريع وخدمات المصارف، ووزارات التجارة والنقل والغرفة التجارية والجمارك وشركات التأمين وشركة خدمات الثروة الحيوانية والوكالة الوطنية لتمويل وتأمين الصادرات.
فنحن لدينا منظمات ومنافذ أخرى عالمية نتعامل معها لأننا مهنيون، وكذلك منافذ إقليمية، لذلك نحن ملتزمون في السودان بكل ما يرد من هذه الجهات من موجهات ومعايير ونظم واتفاقيات وتشريعات واشتراطات سواء كان ذلك متعلقاً بالخدمات البيطرية عموماً أو بالشق المتعلق بالصحة العامة البيطرية أو بصحة وسلامة وتجارة الحيوان ومنتجاته، نحن التزمنا معهم على أن تدار الخدمات البيطرية مركزياً بحيث تكون الولاية على هذه الخدمات لدى وزارة الثروة الحيوانية الاتحادية، لسنا وحدنا فوزارة المالية الاتحادية لديها ولاية على المال العام ووزارة العدل لديها الولاية على الخدمات القانونية.
* بمعنى؟
الوضع الآن في الثروة الحيوانية قد اختل بعد تطبيق نظام الحكم الفيدرالي وقسمة الثروة والسلطة فأصبحنا نتنازع على سلطة الخدمات البيطرية بين المركز والولايات فاضطربت المعايير واختل الوضع الإداري المهني للخدمات البيطرية مما اخل بالتزامنا مع المنظمات الدولية والإقليمية.
*كيف يمكن تصحيحه؟
لابد من تصحيح هذا الوضع المخل في الدستور، وفي قانون الخدمة العامة بما يمكن من بسط هذه الولاية وإدارة كشف موحد للأطباء البيطريين والأطر المساعدة، على الأقل فيما يتعلق بالدرجات العليا للوظيفة، كما أنه لابد من إزالة التضارب بين التشريعات الاتحادية والولائية فيما يختص بصحة اللحوم وصحة وسلامة الغذاء، وانسياب تجارة الماشية بدون عوائق، وهنا نؤكد على دور المجلس البيطري السوداني في الرقابة على أداء الخدمات التعليمية في المجال البيطري وعلى الأداء الجيد للخدمات البيطرية وذلك بمراجعة المناهج بما يحقق مواءمة مخرجات التعليم البيطري مع مطلوبات سوق العمل ومواءمة الخدمات والبحوث البيطرية مع ما يجري في الحقل.
* بعد الثورة التصحيحية التي أشرت وأكدت على أهميتها .. كيف يمكن أن ننهض بالإنتاج الحيواني؟
للنهوض بالإنتاج، يوجد برنامج متكامل بدءاً من الإنتاج الحيواني في القطاع التقليدي مروراً بكل مراحل الإنتاج الأخرى حتى مرحلة الإنتاج الحديث باستخدام التقنيات المتقدمة وحصادات المياه، هنالك ستة نماذج لا يسع المجال لتفصيلها لأجل النهوض بالإنتاج متمثلة في تطوير الإنتاج التقليدي، وتجربة الأنماط الانتقالية، وتطوير الإنتاج الأسري في القطاعين المطري والمروي، والإنتاج المكثف من أجل الصادر، والمزارع الرعوية الجماعية في مناطق الرعي التقليدي، والمجمعات الإنتاجية المتكاملة، أيضاً هنالك قانون لتنظيمات مهن الإنتاج الزراعي والحيواني يهتم بإقامة الجمعيات وتمويلها، يمكن الاستفادة منه في تكوين الجمعيات بعد تنقيحه لأبعاده عن السياسة.
* بعد قرار وقف تصدير إناث الماشية هل سيأتي يوم نصدر فيه إناث الماشية؟
لامانع من تصدير إناث الماشية من السودان بصفة رسمية إذا ما توفرت مطلوبات محددة حفاظاً على حقوق تتعلق بملكية السودان لهذه الإناث ومن هذه المطلوبات إنفاذ مشروع تعريف وتتبع الحيوان ومنتجاته وهو مشروع يعني بتوفير معلومات عن السلالات في محاولة لتجميع أكبر قدر ممكن من هذه المعلومات لإنفاذ سجل شامل نستطيع به أن نحفظ حقوقنا ونسرع في تسجيل سلالاتنا لدى المنظمات العالمية ذات الاختصاص.
* بدون مقاطعة .. ماهي هذه المنظمات؟
اقصد هنا منظمة الملكية الفكرية ومنظمة السلالات، وبالمناسبة يمكن عن طريق قانون تنظيمات أصحاب مهن الإنتاج الزراعي والحيواني للعام 2011م إنشاء جمعيات للسلالات والاحتفاظ بسجلات لها حسب مطلوبات مشروع تعريف وتتبع الحيوان ومشروع حفظ وتطوير الموارد الوراثية، وذلك سيريحنا من التوصيف القائم على أساس جغرافي وقبلي مثل الضأن الحمري وأبقار البطانة وأبقار كنانة وهكذا.
*هل بإمكاننا أن نستورد سلالات أجنبية؟
أما فيما يختص باستيراد سلالات أجنبية أو نطف بغرض التهجين وتحسين النسل وإنتاج الألبان، اقول : إننا الآن بحاجة إلى الالبان لذلك ليس هناك اشكال في استيراد سلالات منتجة للألبان مثل السعانين “ماعز” والفريزيان “أبقار” وغيرها لحين توطين إنتاج الألبان في السودان، وهذه السلالات المستوردة اصلاً مسجلة لدى منظمة الملكية الفكرية ومنظمة السلالات، وعندما يأتي اليوم الذي نوطن فيه الإنتاج سواء ألبان أو لحوم ونحقق فيه الاكتفاء الذاتي، وننافس فيه أقراننا في الخارج ونسجل لدى المنظمات الدولية، لن يكون هناك إشكال في تصدير الإناث المنتجة، وعندما نحقق التحسينات المطلوبة في أوزان حيوانات اللحم وفي إنتاج الألبان سيأتي اليوم الذي نوقف فيه الاستيراد.
* التحسينات التي تحدثت عنها أين نحن منها؟
التحسينات التي تجري في مجال اللحوم لم تتعد حتى الآن مرحلة البحوث، وتتم وفق ضوابط محددة، على أن الاستيراد العشوائي خارج رقابة لجنة واردات الثروة الحيوانية وهيئة المواصفات والمقاييس يعتبر تهريباً وغالباً ما تكون الحيوانات المهربة قد تجاوزت العمر الافتراضي لذلك لا تعطيك النتائج المرجوة.
* تجارة العبور والتهريب.. مضارها على الثروة الحيوانية؟
هنالك عدة منافذ يمكن عبرها أن تنفذ إناث الماشية السودانية إلى الخارج خلاف المحاجر، فهنالك منفذ تجارة العبور وهي تجارة مضرة بالسودان اقتصادياً وبموارده الحيوانية صحياً، ومن عيوب هذه التجارة أنها ماشية حية ومعظمها إناث وتأتي بأعداد كبيرة من دول مجاورة عبر الطرق التجارية السودانية ولا يسمح للسُلطات البيطرية بتفتيشها ومعنى ذلك أنه يمكن استبدال أغنام مريضة بأخرى سليمة من نفس الفصيلة مما يحدث ضرراً صحياً لمواشينا، إضافة إلى ذلك فإن مثل هذه التجارة غالباً ما تتم بين وزراء الخارجية في الدولتين بعيداً عن الثروة الحيوانية وهذا مكمن الخطر.
* ثم ماذا؟
أما المنفذ الآخر فهو تجارة الحدود وهي تعتمد على مقايضة سلع بسلع أخرى عبر الحدود، وهي تجارة غير منضبطة في كثير من الأحيان وتحتاج إلى مراجعة بين الفينة والأخرى، فهي تركز على الموارد المالية ولا تهتم بالنواحي الصحية كثيراً
نحن في السودان نصدر إناث إبل عبر الحدود مقابل سلع غير مهمة مثل (الهناتيك والأكسسوارات ولعب الأطفال) وهكذا، فهل يعقل أن نقايض إبل دولارية بلعب أطفال؟!!
هنالك منفذ ثالث وهو تهريب (عديل كدة)، سواء عبر البحر أو عبر طرق غير سالكة وقد وصلت إناث الإبل وبالذات “البكار” إلى مشارف الجزائر والمغرب عبر هذا المنفذ إلا أنه وبحمدلله قلت مثل هذه الممارسات بعد تشديد الرقابة عليها بواسطة شرطة مكافحة التهريب.
* الآن هنالك مطالبة من شعبة مصدري الماشية بمراجعة قرار وقف تصدير إناث إبل الهجن.. تعليقكم؟
إناث الهجن في النهاية هي إبل منتجة ومتى ما توافرت ضمانات كافية لإرجاع هذه الإبل للسودان بعد انتهاء السباق، فلا مانع من المشاركة فهي رياضة ومعروفة، المهم المشاركة تتم، ولكن أرى أن تكون بأعداد معقولة (يعني ما تكون (80 أو 90) رأساً مثلاً.
* رأيكم إذا ما تم دمج وزارة الثروة الحيوانية مع الزراعة؟
اقول وبدون تحيز أن فكرة الأداء المتكامل للزراعة مطلوبة لتعظيم وتنويع وتكثيف الإنتاج خلال تحقيق شعار (إنتاج، زراعي، إنتاج حيواني، تصنيع)، ولكن تنفيذ مثل هذه الفكرة تحتاج إلى عناصر ذات نظرة قومية وليست فئوية، فخلال فترة مايو وبداية الإنقاذ شهدنا الدمج بين وزارتي الثروة الحيوانية والزراعة وكان الناتج تدهور قطاع الثروة الحيوانية فالمشكلة ليس في الفكرة نفسها ولكن في من يقوم بتنفيذها،
دائماً في حالات الدمج تكون الثروة الحيوانية مجرد مقطورة ففي أحسن الأحوال تنال الثروة الحيوانية (5 ــ 10%) من ميزانية التنمية للقطاع الزراعي، وحتى في البرنامج الرباعي للنهضة الزراعية نالت الثروة الحيوانية (5%) من نصيب القطاع الزراعي، وممكن الآن نترك كل وزارة لشأنها ونعمل مجلس قومي للنهضة الزراعية لتنفيذ المشروعات المشتركة، برضو حل مش كدة؟
*إذاً بدمج أو بدون دمج لم يحقق قطاع الثروة الحيوانية المطلوب منه.. ما المخرج؟
المخرج سهل جدا أن تتوفر الإرادة السياسية .. التمويل متاح من خلال المبادرات المطروحة .. (في واحد جرب قال داير تمويل قالوا ليه مافيش تمويل؟)، هناك تخوف من الإقدام على مثل هذه الخطوة خاصة في الولايات، والآن بحمدلله تم توقيع الإعلان السياسي والتوافق على الوثيقة الدستورية.
*في رأيك ماهو المطلوب من الحكومة القادمة؟
الحكومة القادمة مطلوب منها الالتفات لقطاع الثروة الحيوانية، لأنه قطاع واعد ومرتبط بالأمن الغذائي في الداخل وجلب العُملات الحُرة من الخارج .. كل منافذ التمويل التي كانت تحجم عن التمويل ستعود للاستثمارات في السودان خاصة وأن سلع قطاع الثروة الحيوانية مرغوبة خارجيآ .. هنالك فجوة في اللحوم في الوطن العربي واضحة للعيان، كذلك الصناديق العربية ستدخل بكامل ثقلها وكذلك المنظمة العربية للتنمية الزراعية ستساعد في ذلك من خلال مبادراتها المطروحة
اعتقد أننا كمهنيين لدينا الإرادة المهنية والجاهزية ونحتاج من الحكومة الدفع بالموضوع للأمام لا يهم من يتولى أعباء وزارة الثروة الحيوانية ولكن المهم ما يطرحه من برامج وما يبديه من تفاعل.
* وأخيراً.. ماذا أنت قائل؟
لا يستطيع قطاع الثروة الحيوانية لوحده أن يعمل على تنمية وتطوير القطاع مهما وفر له من ميزانيات فلابد من استصحاب الشراكات الذكية على أن توفر وزارة المالية الضمانات للمستثمرين.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية