ود مدني – زهر حسين
قرر مجلس السلامة الحيوية القومي، إيقاف زراعة القطن المعدل جينياً المسمى “فورا” الأسبوع الماضي، بالقطاعين المطري والمروي، كذلك الإبادة الفورية لقطن “R.R” بكل المساحات المزروعة، وعلى وزارة الزراعة والغابات والوزارات المختصة بأمر الزراعة بالولايات، التحكم في إنتاج وتداول تقاوى القطن المعدلة جينياً المجاز وفق قرار المجلس رقم (18) لسنة 2012، والتحكم في دخول وتناول مبيد الجلايفوسيت تحت مسمياته المختلفة، بحيث يستخدم فقط للأغراض الموصى بها، وتوعد القرار كل من يخالف القرار تعريض نفسه للمساءلة القانونية تحت أحكام قانون السلامة الحيوية القومي لسنة 2010. القرار أقام الدنيا ولم يقعدها خاصة بعد زراعة مساحات واسعة من أرض مشروع الجزيرة، مع عدم مراعاة التكاليف التي تقع على عاتق المزارع، وتجرى اجتماعات بين وزارة الزراعة وممثلي المزارعين حول إيقاف مثل هذا القرار، وهناك حديث حول أن إيقافه جاء لحماية الشركة المستجلبة لهذا الجين المحور من القطن “R.R” ولم يراعَ فيه المزارع، كما أن هناك رأياً يقول إن قرار إيقاف زراعته لم يأتِ في وقت مناسب، آخذين معهم تداعيات مختلفة للقرار نعرض لها في حينها.
وجد القرار مناهضة واسعة من قبل الباحثين والمختصين في المجال الزراعي والمزارعين، وقد جرت اجتماعات عدة بين الجهات ذات الصلة والمزارعين لإثبات خطورة مثل هذا القرار، وقد تم إيقاف تنفيذ إبادة مساحات مقدرة من مشروع الجزيرة مما دفع باللجنة الاقتصادية بالمجلس العسكري الانتقالي لإصدار قرار بتجميد قرار مجلس السلامة الحيوية القومي بإيقاف إبادة محصول القطن “R.R” وتكوين لجنة لدراسة الحلول والمعالجات.
المزارع “عبد الناصر يعقوب أحمد” تحدث عن زراعة القطن البرازيلي بمشروع الجزيرة بصورة تاريخية، وذكر أنه عندما بدأ الإنجليز في تأسيس مشروع الجزيرة في منطقة طيبة الشيخ عبد الباقي وكركوج في مساحة (250) فداناً في 1911م، كان القطن هو المستهدف من الزراعة والتجربة ليسد حاجة المصانع البريطانية، ونجحت التجربة، وفي العام 1925م كانت البداية الفعلية للمشروع كمرحلة أولى امتدت حتى العام 1955م، وهذا يبرهن أن السودان كان يعتمد على زراعة القطن كمحصول نقدي عالمي يرفد خزينة الدولة بالعملة الحرة.. تطور المشروع في المرحلة الثانية 1955-1970 وازدادت المساحات لتصل (2.200.000) فدان تنوعت فيها المحاصيل، مع التركيز على القطن كمحصول أساسي ونقدي.
الكارثة الكبرى للمشروع بدأت مع عهد الإنقاذ البائد، من تدهور إلى تدهور حتى دخول التقاوى الفاسدة والمبيدات الفاسدة التي سببت الأمراض الخطيرة والمزمنة.
وكشف “عبد الناصر” أن زراعة القطن البرازيلي دون أن تتم إجازته من الجهات المختصة، يدخل في فشل الإدارة القائمة والتي تعمل على فرض ما تريد لمصلحة أفراد وليس المزارع وكياناته، وقد أدخلت جمعيات القطن بالاتفاق مع إدارة المشروع المتمثلة في المدير العام والذي طالب المجلس العسكري مراراً بعد نجاح الثورة، بأن تتم إقالته ولكن لم يتم ذلك، وطالب كل مزارعي الجزيرة بضرورة انتزاع حقهم النقابي والإتيان بمجلس إدارة يمثل مصالحهم، والذي اعتبرها أولى خطوات عودة المشروع إلى سابق عهده، وقال إن القطن المحور وراثياً دخل إلى السودان قبل سبع سنوات من سماسرة الإنقاذ دون إجازته بواسطة لجنة السلامة، وطالب “عبد الناصر” بمحاسبة من استورده وإنزال أقصى العقوبات عليهم، وقال إن هناك رأياً آخر يقول بإبادة المساحات المزروعة، ولا أرى أن ذلك القرار سليم، لأن ذلك يعد هدراً كبيراً لأموال المزارع وما خسره في الزراعة لن يعوض عن طريق لجان وجمعيات لا زال يسيطر عليها منتسبو النظام السابق، وعودة اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل وإقالة إدارة المشروع الحالية، هي أولى خطوات إعادة المشروع إلى أهله وسابق عهده.
واستنكر المزارع “عثمان إبراهيم علي” القرار واعتبره قراراً شخصياً مدفوعاً من جهات لها مصلحة في عدم استمرارية هذا الصنف، ومن ثم استهدافاً للشركة التي استجلبته للمزارعين، لأنها أتت بتقانة وصناعة تحويلية، وقد انشأت محالج للاستفادة من المنتج.
من قسم التحاميد مكتب (89) النالة ود النورة، تحدث لـ(المجهر) المزارع “محمد عبد القادر عوض الكريم” بخصوص القرار الذي أصدره مجلس السلامة الحيوية القومي القاضي بإيقاف زراعة القطن البرازيلي المحور الصنف R.R وإبادة كل المساحات المزروعة، يرى أن القرار من حيث إيقاف زراعة هذا الصنف، فهو قرار صحيح، لأن هذا الصنف تم استيراده وزراعته دون إجازته وربما تكون في ذلك مخاطر بيئية تصعب معالجتها.
وعلى مجلس السلامة مقاضاة كل الجهات التي سمحت باستيراده وزراعته، أما بالنسبة لجزئية القرار التي تقضي بإبادة كل المساحات المزروعة، قال “محمد” أرى أن على مجلس السلامة إصدار ملحق لهذا القرار بتأجيل تنفيذ الإبادة هذا العام، حتى لا يتضرر أي مزارع من هذا القرار، وأما إذا كان مجلس السلامة يرى أن ضرر هذا الصنف أكثر من نفعه، فعلى الجهات المسؤولة التعجيل بإبادته مع تعويض المزارعين الذين زرعوا هذا المحصول، تعويضاً مجزياً يشمل التكلفة والأرباح المتوقعة
علماً بأن المساحة المزروعة تقريباً حوالي (90) ألف فدان، وعلى لجنة إجازة الأصناف بوزارة الزراعة الإسراع بدراسة هذا الصنف وإصدار قرار عاجل بإجازته أو رفضه، أما عن تدخل اللجنة الاقتصادية فيمكن أن يكون في حدود تجميد إبادة المساحات المزروعة فقط،
وتوجيه لجنة إجازة الأصناف بوزارة الزراعة بإصدار قرار عاجل بإجازته أو رفضه، لجهة أن القرار فني لا يحتمل التدخلات الفوقية التي أضرت بالسودان كثيراً.
المزارع “هشام عمر الأمين” قال إن قرار السلامة قرار سليم، فهو قرار باحثين واختصاصيين يشهد لهم بالكفاءة والمهنية العالية.
فالموضوع ليس إبادة قطن، الموضوع إيقاف انتشار وباء لا يستثنى أحداً في الجزيرة.
كذلك أطلقت مبادرة من تجمع منظمات المجتمع المدني بولاية الجزيرة، تم عقد اجتماع بدار المهندسين الزراعيين بحضور ممثلين من الهيئة الاستشارية لجمعية الجزيرة الزراعية واتحاد المهندسين الزراعيين ومجلس سلعة القطن ومجلس السلامة الإحيائية والبحوث الزراعية، وذلك لمناقشة مضار وآثار القطن البرازيلي المحور الصنف R.R وغير المجاز من جهات الاختصاص والذي تمت زراعته في هذا الموسم في مساحة تقدر الكريبة (١٤) ألف فدان بأقسام جنوب ووسط الجزيرة، وذلك لتلافي الأضرار البيئية والصحية الناتجة عن زراعة هذا الصنف غير المجاز، ولضمان سلامة المنتجين تم رفع مذكرة لمدير المشروع ووزيري البيئة والزراعة حول خطورة زراعة هذا الصنف البرازيلي من الأقطان R.R غير المجاز والمبيد المستعمل فيه لمكافحة الحشائش أيضاً غير المجاز، علماً بأن نسبة الإصابة بالسرطان في الولاية قد تصل إلى ألف مواطن سنوياً، علماً بأن الأقطان المحورة بها سموم تصل إلى (٧٠٠) نوع وأن المزارعين لا يعلمون الضرر الناتج من هذه الأصناف.
تم الاتصال بمنظمة الصحة العالمية فأوضحت أن المضار التي سجلت في مناطق زراعة هذا الصنف شملت (سرطان الثدي، تساقط الأجنة، تليف المبايض.. تليف الرحم.. سرطان الجلد)، وحفاظاً على سلامة المنتجين والاقتصاد الوطني والبيئة الزراعية، خرج الاجتماع بعدد من التوصيات، منها التأكد من تسجيل الشركة السورية بالمجلس الزراعي السوداني، والإسراع بإبادة القطن الذي تمت زراعته هذا الموسم وإلزام الشركة بتعويض المزارعين نتيجة للضرر الذي لحق بهم ومحاسبة إدارة مشروع الجزيرة على سماحهم بدخول هذه العينة من الأصناف غير المجازة والضارة بالبيئة والصحة، وعدم السماح بزراعة أي أصناف محورة إلا بعد إجازتها من الجهات ذات الاختصاص وإجراء بحوث لتحديد أي آثار ضارة مترتبة على زراعة هذه الأصناف غير المجازة، وتم تعميم صور من هذه المخرجات إلى كل من المجلس العسكري – الانتقالي- اللجنة الزراعية- وكيل وزارة الزراعة والغابات- هيئة البحوث الزراعية – إدارة مشروع الجزيرة – وزير الزراعة ولاية الجزيرة- مجلس السلامة الإحيائية- التنظيم العام لمهن الإنتاج الزراعي.
_
وأصدر د.”عماد عبد الرحيم محمود عجيل” (متخصص دكتوراه في التقانة الحيوية للنبات ويعمل في هذا المجال لأكثر من عشرين عاماً، ويعمل كبير الباحثين في وزارة الزراعة بالولايات المتحدة الأمريكية).
فقد ذكر أن القطن R.R -Roundup Ready Cotton- لا يمثل خطورة للبيئة أكثر من كل أصناف الـBT (المحور لمقاومة دودة اللوز)، المزروع الآن في السودان والتي تمت إجازتها بواسطة لجنة السلامة الحيوية قبل أكثر من (١٠) سنوات.
نعم R.R لم يجز بواسطة لجنة السلامة، وإدخال بذور R.R من غير إجازته وتصديقه، هذا تجاوز لقانون الدولة، وتم هذا التجاوز قبل (٧) سنوات، وذلك رداً على ما قاله بروفيسور “أبو بكر إبراهيم” في قناة (S24):
أولاً: تلوث البيئة وهو يقصد حبوب لقاح القطن المحور R.R، تلقح أعشاب ونباتات تصبح مقاومة للمبيد، لا يوجد دليل على ذلك بسبب محصول القطن ولن يحدث في الجزيرة وغيرها لعدم وجود حشائش ومحاصيل تتهجن مع القطن (صحيح ممكن أن تهجن أصناف قطن أخرى)، ولكن لا يستعمل المزارع بذوراً من حواشته أصلاً للموسم القادم.
ثانياً: التلوث العام للتربة والمياه. القلافوزيت يفقد فعاليته عند نزول قطراته على التربة وهو مصدق به لرش الحشائش على جنبات الترع وأبو عشرينات.
ثالثاً: نعم المزارع يقوم بأخطاء كثيرة في عدم إتباع خطوات السلامة الصحية عندما يقوم بخلط المبيد والرش، وهذا لا ينسحب فقط على القلايفوزيت، وإنما على جميع المبيدات الزراعية.
والقلايفوزيت أقل المبيدات سُميّة للإنسان والحيوان، وهو أكثر مبيد حشائش مستعمل في العالم اليوم.
وإذا كان هذا القرار رد فعل على نجاح مقاضاة شركة مونسانتو هنا في الولايات المتحدة، فلا بد من الاطلاع كاملاً على حيثيات القضية والتي أساس الضرر كان بسبب عدم التحذير الدقيق والواضح على العبوات قبل أكثر من (٤٠) سنة، وأيضاً الإهمال المفرط وطريقة الاستعمال التي كان يقوم بها هذا المزارع.
وإذا كان قرار لجنة السلامة يقصد به إدانة المسؤولين السابقين، فلا بد من محاسبتهم على السماح باستيراد أصناف غير مجازة بعيداً عن إشاعة معلومات غير علمية، وكرر د.”عماد” لا لإبادة القطن R.R، لا لإهدار المال وموارد المزارع وطاقته وزمنه وإشاعة الخوف، ولا نأمل في أن يكون التعويض المادي مجزياً.
من جانبه أكد وزير الزراعة المكلف “بابكر عثمان محمد علي” عند لقائه باللواء “إبراهيم جابر” رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس العسكري الانتقالي بالقصر الجمهوري، أن اللقاء بحث موضوع تجميد القرار الصادر من المجلس العسكري والخاص بإبادة المساحات المزروعة بصنف القطن (آر.آر) المعدل جينياً وغير المجاز بالبلاد.
وأعلن وزير الزراعة المكلف عن صدور توجيه قضى بتجميد تنفيذ القرار هذا الموسم مراعاة للمصلحة العامة وحفاظاً على حقوق المزارعين، مبيناً أن هناك مساحات تمت زراعتها وصلت مراحل متقدمة في التأسيس، واعتبر أن قرار التجميد لا يقدح فى الرأي الفني والعلمي، مشيراً إلى أن لجنة فنية متكاملة سيتم تكوينها لدراسة هذا الموضوع وإصدار قرار بشأنه.
من جانبه قال رئيس مجلس السلامة الحيوية “أبو بكر إبراهيم محمد حسن” إن تجميد الفقرة (١/أ) من القرار والخاصة بالإبادة الفورية للمساحات المزروعة، يصب في مصلحة المنتجين، مشيراً إلى أن الفترة القادمة ستشهد إعداد دراسة شاملة حول الأقطان المحورة وراثياً بصورة عامة، وذلك لاتخاذ قرار بشأنها.