ما يقول به الشباب هذه الأيام لا يشي بخير أبداً، ولعل معظمه هو ذات الشباب الذي قاد الثورة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، قلت معظمه وليس كله ، لأن منهم من يغرد في سرب آخر. قلت قولي هذا على خلفية ما ظللت أسمعه وأقرأه في مواقع التواصل الاجتماعي بأن عدداً مقدراً من شباب الثورة ظل يتوعد بمعارضته لقوى الحرية والتغيير منذ الآن وحتى تشكيل الحكومة وما بعدها، ولم يخف هؤلاء ميولهم الحزبية فجاءت بعض كتاباتهم على شاكلة (الحزب الشيوعي في خندق واحد مع الثورة المضادة ضد الحرية والتغيير في الفترة الانتقالية)، وهذا فقط نموذج أو عينة لكتابات كثيرة تدور حول هذا الفلك، وهذا المكتوب يوحي أن هنالك أجساماً أخرى للثورة المضادة. إذن فقد بدأ الشباب في تنفيذ أجندة الشيوعي الذي لم يخف مقاطعته للاتفاق الدستوري بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير وأنه سيصعد احتجاجاته ضد الحكومة القادمة. بل أردفها لاحقاً بمناهضته للتغيير الذي كان جزءاً منه بالأمس القريب. كذلك فلتصريحات رئيس حركة تحرير السودان (عبد الواحد محمد نور) لصحيفة الشرق الأوسط والتي دعا فيها الشباب لمواصلة الثورة والتحالف مع الحزب الشيوعي أثر واضح. ولا غرو في ذلك لأن الحزب بمثابة الحاضنة التي تفرخ حركات التمرد في السودان.
أيضاً فقد ظل الكثيرون ممن كانت لهم إسهامات واضحة في الثورة من الشباب وغيرهم يرددون بأن ثورتهم قد سُرقت، وحق لهم ذلك وقد وجدوا أنفسهم وبعد أن قدموا ما قدموا وخسروا ما خسروا يتفرجون على لعبة الكراسي من أناس كان معظمهم خارج المشهد، وقد انخرط الجميع وانهمكوا في أحقية المقاعد وغيرها من التصرفات التي لم ترق لشباب الثورة الأصغر منهم سناً، فضلاً عن فضح أنفسهم باستعراضهم لدور ومقتنيات وأملاك دعت البعض يتساءل ( من أين لك هذا؟) هذا بخلاف الإفراط في مدح بعض الدول العربية. كل ذلك دفع باليأس والشك في نفوس هؤلاء الشباب وهم يرون أن ثورتهم ومقاصدها قد تشوهت تماماً وفقدت أهدافها.
(٢)
في صعيد آخر، وعلى مستوى تشكيل الحكومة لاسيما المدنية من قبل قوى الحرية والتغيير، فإن ثمة أخبار متضاربة ترد عنهم ما يعني أنهم لم يحسموا أمرهم بعد بخلاف المجلس العسكري الذي يبدو أنه قد حسم أمره في صمت ويحسب خطواته ويعرف موطئ قدمه، بيد أن الأهم هو تشكيل المدنية والتي يقع عليها وتنتظرها أعباء جسيمة تحتاج لكفاءات واختيارات دقيقة وموفقة والأهم ( بعيداً عن المحاصصة) وهذا ما قالت به ولا نحتاج لتذكيرها. وأكثر الحديث تداولاً يدور حول أعضاء مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء الذي كان قد روج أن من بين مرشحيه المهندس “عمر الدقير” قبيل أن ينفي ذلك الحزب عبر بيان له وأنه لا “الدقير” ولا أي من أعضاء الحزب سيشاركون في الحكومة الانتقالية، وليته فعل وقبل بالمنصب، لكن أظنه (رامي قدام) وعلى كل فهو كالغيث أينما هطل نفع.
(٣)
وعلى جانب آخر، وكما أسلفت أعلاه كأن هنالك شباب يغرد في سرب آخر وربما يعتصر ألمه ويكمل أهدافه ولو باليسير وأعني النفرة التي يقومون بها منذ فترة آخرها فتح المجاري من باب الجهد الشعبي، وليتهم يجدون استجابة وتعاوناً من الأسر بالأحياء، وليتهم يكملون ثورتهم بصورة إيجابية وموضوعية حتى تحقق أهدافها بعيداً عن التصعيد.. وقبيل مدة شاهدت بعض الصبية وقد انهمكوا في طلاء مدرسة أساس كانت قد تشوهت جدرانها بالشعارات وبعد الطلاء استبدلوا الشعارات بأخرى أكثر وطنية مثل ( حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي) وهذا البناء يا شبابنا لا يتحقق إلا بسواعدكم وفكركم، إن تيسرت كل الأمور وتحقق الاستقرار وعليه فنحن جميعاً في انتظاركم.