والي شمال دارفور يوضح الحقائق حول أحداث (جبل عامر)
{ مقدمة
في منزله الرئاسي بالفاشر، وعقب عودته من الاجتماع التمهيدي لمؤتمر الصلح بين الأطراف المتنازعة في جبل عامر (عرب الرزيقات الأبالة وعرب بني حسين)، كان هذا الحوار مع والي شمال دارفور “عثمان محمد يوسف كبر” حول تطورات الأوضاع والاتهامات الموجهة للحكومة بتقاعسها عن حماية المواطنين، ومحاولتها للسيطرة على منجم الذهب. وعلى الرغم من أن الأسئلة ساخنة لكن الرجل أجاب عنها بكل صراحة.. وكان هذا الحوار مشتركاً مع الزميلة (الأهرام اليوم) عبر رئيس تحريرها الأستاذ “عبد الماجد عبد الحميد” وفريق إذاعة (دارفور FM) التي تبث من الخرطوم رسالتها إلى المدن الرئيسية، وخرجنا من الوالي بهذه الإفادات..
{ العقبات في طريق إنجاح مؤتمر الصلح بين الأطراف المتنازعة على جبل عامر- الرزيقات الأبالة وسرف بني حسين- كثيرة؟
– الشكر لكم على هذه السانحة، وأحسب أن الذين تابعوا الاجتماع التمهيدي حول الصلح الذي تم بـ(سرف عمرة) يؤكدون أن المخرجات من هذا الاجتماع كبدايات تؤكد النهايات، وقد علق أحد الحضور من الأخوة المشاركين، (وأنا أعلم أنه أحد الكباتن الكبار المدورين الأمور كلها)، قال لي: القصة دي إذا كانت استمرت لساعتين إضافيتين كان المؤتمر نفسه انتهى. وهذا التعليق يأتي بمؤشرات أن جلسة الاجتماع التمهيدي كانت ناجحة جداً، وأسست لعمل نحسب أنه يسهّل مهمتنا في المؤتمر القادم في منتصف أبريل بالفاشر بصورة كبيرة جداً، والخطوة القادمة أن نترجم مخرجات جلسة الاجتماع التمهيدي إلى قرارات، وبعد صدور القرارات نبدأ في العمل الميداني والتنفيذي بإنفاذ ما تم الاتفاق عليه، وسنبدأ أولاً ببسط الأمن وهيبة الدولة في هذه المواقع، وبدأنا بإغلاق منجم الذهب في (جبل عامر) تماماً لحين إعادة الترتيبات فيه، وفتح الطرق بين القرى والمدن بصورة كاملة، ولابد من الانتهاء من ظاهرة قطّاع الطرق الذين تدخلوا في هذه القضية، ونثبت الأوضاع الأمنية، ونفرض هيبة الدولة ويسود حكم القانون، ثم من بعد ذلك ننتقل إلى المرحلة الإدارية الخاصة بتفعيل اللجان، إذا كانت لجنة فنية تأخذ البيانات من الأطراف كلها وتصنفها وتعدها وترتبها، كذلك نمّكن الآلية بالإشراف على تثبيت الأوضاع ومعالجة الطوارئ التي تحصل، ثم من بعد ذلك نأتي إلى مسألة اللجان المفوضة الخاصة بالتريبات الإدارية للمؤتمر في وقت قادم إن شاء الله.. هذا من ناحية، والناحية الثانية نسعى أن نوقف أي عمل إعلامي ضار ينعكس سلباً على الأوضاع في الأرض، ونحسب أن تُسكت الحملة الإعلامية لصالح الإصلاح، لأنه عامل أساسي في نجاح المؤتمر. ونقول عموماً إن الضامن الأساسي والمؤشر الجيد لنجاح المؤتمر القادم إن شاء الله هو الروح التي سادت في الاجتماع التمهيدي، والعلاقات الاجتماعية التي تجسدت بين الأطراف، والصدق الذي نلمسه في الوجوه ومن خلال حديث الناس في الاجتماع.
{ التزمت الأطراف المتنازعة بوقف الاقتتال والاعتداء ولكنهم يشكون من قطّاع الطرق واللصوص الذين ينتشرون بين القرى والفرقان ويمكن أن يخرقوا هذا التوقيع على الاتفاق؟
– دور الولاية دور رئيسي في حفظ الأمن والاستقرار، لأن كل الكلام الذي قيل في الاجتماع التمهيدي يمكن أن يُجهض تماماً إذا سمحنا لهذه العصابات أن تُحدث مشاكل، وبالتالي هذا همّ رئيسي عندنا (وحيكون موضع اهتمام كبير جداً مننا إن شاء الله بأن لازم ننشر قوات)، وشرعنا في إجراء اتصالات بالجهات المختصة والآن الإجراءات جارية لترتيب قوات خاصة ببسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون في هذه الأجزاء من الولاية، وستكون لدينا حملة تمشيط قوية جداً في محليتي (سرف عمرة) و(السريف) لبسط هيبة الدولة.
{ لماذا هذا العدد الكبير المشارك في مؤتمر الصلح القادم في منتصف أبريل.. سيكون هناك (مائة شخص) من كل طرف من الأطراف المتنازعة بخلاف الضيوف والأجاويد؟
– نحن بمعرفتنا للناس في دارفور، أي عمل لابد أن توسع قاعدة المشاركة فيه. مجرد حضور الشخص ومشاركته (حتى ولو ما تحدث) ولكن تمت دعوته ووصل وحضر الجلسات واستمع بنفسه وناقش نقاشاً جانبياً مع الآخرين يكون ذلك ضامناً أساسياً لنجاح الصلح ودعمه له. لذلك نحن لولا أن المؤتمر اتفقت عليه الأطراف بأن يكون في الفاشر والمشوار بعيد على الناس لكنا سمحنا بأكثر من ذلك، ونحن قلنا (مائة) من كل طرف حتى تأتي كل القيادات الحقيقية للأطراف. وهنالك منهج في المؤتمر نفسه، المفاوضون من كل طرف لا يتجاوز عددهم (عشرة أشخاص) في العادة، ويكون هنالك (ثلاثة متحدثين) منهم فقط إذا اقتضى الأمر، ويكون هنالك حضور للأعضاء تتم استشارتهم إذا احتاجت إليهم الأطراف. والعدد لا يؤثر في منهج المؤتمر، والجلستان الافتتاحية والختامية ستكونان مفتوحتين للناس، وننادي أكبر عدد إليهما يمكن أن يصلوا إلى ألف أو ألفين (ما مشكلة)، لكن جلسات المؤتمر الإجرائية تكون خاصة ومقصورة على هذا العدد. والمنهج في إدارة المؤتمر هو ضامن إلى أن يمضي الأمر.
{ في بداية المشكلة حول التعدين عن الذهب في (جبل عامر) الحكومة تتحمل المسؤولية في أن تتحول من مشكلة طبيعية إلى كارثة تزهق فيها العشرات من الأرواح.. هل الحكومة تتحمل مسؤوليتها في التقصير في توفير الأمن عند بداية الأزمة؟
– الادعاء هذا غير صحيح بأي حال من الأحوال، وأنا أترك الحكم للقارئ وأذكر الحيثيات التي تمت والخطوات التي اتخذناها ومن بعد ذلك احكموا لنا أو علينا.. نحن ظللنا منذ يوم 3 يناير وحتى مساء يوم 6 يناير في ملتقى التعايش السلمي لمنطقة (كتم والواحة) وظللنا نعمل في هذا الأمر، وقد زرنا قبل (10) أيام من الأحداث برفقة وزير المعادن “كمال عبد اللطيف” منطقة (جبل عامر) وقضينا فيها يوماً كاملاً ودشنا فيها احتفالات الولاية بأعياد الاستقلال. وجدنا في (جبل عامر) قرابة (50) ألف مواطن ومن قابلونا في اللقاء الجماهيري كانوا لا يقلون عن (20) الف مواطن، والتقرير الذي أخذناه من الناس، ومن قبله التقارير التي تصلني من المحلية كل أسبوع وكل شهر كانت تؤكد أنه خلال (3) أشهر على التوالي لم يُسجل أي بلاغ في منطقة (جبل عامر) والناس كانوا يعيشون في وئام بالكامل. هذه المشكلة التي بدأت في (جبل عامر) مشكلة عارضة، والصراع حسب رواية الطرفين بدأ في حقل إضافي ملحق بالحقل الرئيسي في (جبل عامر)، وجاء مواطن من ولاية غرب دارفور- وهو عمدة من الإدارة الأهلية- واقتطع قطعة أرض في شمال (جبل عامر) وأخذ يوزع هذه الأرض، وفي إحدى الروايتين أنه أخذ يوزع قطعة الأرض إلى ناس محددين وليس كل الناس، وجاءته اللجنة الإدارية الخاصة بهذا الأمر ووافق الناس الذين يقفون مع هذا العمدة بشرط أن يأتي إليهم الناظر والمعتمد وقالوا إنهم (لن يخرجوا لكن لا تأتي إلينا الأطراف الفلانية).. وفي هذه الجزئية الرواية الثانية تقول إن هؤلاء الناس جاءوا للحقل ووجدوا حفراً جاهزة وتمنكوا من استخراج الذهب بعد جهد بسيط، وجاءتهم اللجنة الإدارية ولكنهم طلبوا حضور الناظر فقط، وجاءهم الناظر واتفقوا معه على أن يأتي خلال يومين لينظم الأمن مع اللجنة، وفي هذا الوقت دخلت لجنة أخرى وأسمعتهم كلاماً لا يرضيهم باعتبار أنهم أجانب وليسوا من أهل البلد. ومن هنا ثارت شرارة المشكلة.. والرواية من الطرفين عن الأحداث لا تختلف لأنها تشير إلى أن المشكلة الحقيقية وقعت خارج المنجم الرئيسي لـ(جبل عامر)، والمشكلة عبارة عن شجار عادي بين أشخاص في توزيع أرض، وليس أكثر من ذلك. والنظام المعمول في منجم الذهب بـ(جبل عامر) أن هنالك لجنتين، واحدة منهما أمنية بوجود قوات مختلفة من الشرطة والدفاع الشعبي وحرس الحدود (موجودين كلهم ومنظمين أنفسهم تحت قيادة ضابط واحد ومسؤولين من استتباب الأمن في جبل عامر ومقسمين الجبل إلى مربعات ووضعوا أيديهم عليه تماماً).. اللجنة الأخرى هي اللجنة الإدارية، مهمتها أن تفصل في النزاعات البسيطة وتوزع الأراضي بالنسبة للناس، وتملكهم الآبار، وتدير الشأن الإداري وتعتني بالشأن الصحي، (ونحن مشينا وقمنا بحملات التطعيم ضد الحمى الصفراء)، والأمن كان مرتباً جداً في (جبل عامر)، وكان هذا في الأسبوع الأخير من العام الماضي.. (وأحكي ليكم قصة الشجار الذي حدث في مساء يوم 5 يناير، وفي نهار يوم 6 يناير تطورت المشكلة، وفي هذا اليوم نفسه الساعة 11 ليلاً عملنا اجتماع مع مكونات محلية الواحة بعد أن جاءنا الخبر منذ السابعة مساء ونحن كنا وقتها في جلسة ختامية لمؤتمر الصلح بكتم، وهذه المكونات جزء أساسي من الصراع الذي حدث، ودعيت كل الحكمدارات الموجودين وكل الإدارة الأهلية وعقدت اجتماع معهم حتى الساعة 12 ليلاً، واجتهدنا نخرج هذا الوفد صباحا بعد أن جهزنا العربات، وأعطيناهم كل المعينات المطلوبة وحركناهم يوم 7 يناير ووصلوا عبر مدينة كتم إلى هذه المناطق وبدأوا في العمل، وفي يوم 8 يناير كنت مع لجنة أمن الولاية في مدينة كبكابية والسريف وسرف عمرة وقرة، ومكثنا أربعة أيام بلياليها المتصلة حتى مساء يوم 11 يناير، وأنا الآن والي لشمال دارفور عشر سنوات ما حصل أن حدثت مشكلة ومكثت يومين خارج الفاشر إلا في مشكلة جبل عامر مكثت أربعةايام بلياليها، ولم أغير ملابسي ولم استحم.. كنا في مسرح الحدث حتى توصلنا إلى اتفاق بين الطرفين الأساسيين وسكتت البندقية، حتى رجعنا من بعد ذلك وتبقت المعالجات). واعتقد أنه من الظلم، والظلم الشديد جداً، أن تُتهم السلطات بأنها كانت مقصرة.. مطلقاً هذا لم يحدث، بل العكس نحن فعلنا أكثر من ما يلزم. (والله المشكلة في حدود والقتال مدور ونحن في مسرح الحدث).. هذه النقطة الأولى، والنقطة الثانية ليس من مصلحة الحكومة أن يحدث إشكال بهذا الحجم، ولم يخطر في ذهننا أصلاً أن يفتعل الناس هذه المشكلة.
{ مقاطعاً.. لكن الحكومة مستفيدة من وقوع إشكاليات في (جبل عامر) لتقوم بعمليات تعدين الذهب؟
– أؤكد للناس أن الحكومة لا تريد أن تضع يدها على منجم الذهب، بل نريد أن ننظم العلاقة بين العاملين ونعطي كل إنسان حقه، وهذا هدفنا وليس غير ذلك.
{ لماذا لم تتدخل الحكومة بقواتها لتفصل بين الأطراف المتنازعة في (جبل عامر)؟
– تركيبة القوات في هذه المناطق بها إشكالية لأنها تتكون من عناصر لها انتماء للطرفين. ومن الإشكاليات الموجودة في دارفور بصورة عامة، ولا أعني أناساً بعينهم، قصة الولاء القبلي وأثره على القوات والأوضاع الأمنية.. الحكومة كانت يدها مغلولة لأن القوات تنتمي إما إلى هذا الطرف إو ذاك.. وصحيح أن هنالك قوات نظامية أخرى دفعنا بها إلى (جبل عامر)، وأريد أن اقول إن القوات المسلحة في مساء يوم 7 يناير دخلت إلى جبل عامر وبسطت سيطرتها ووضعت يدها عليه، وبعد ذلك انتقل القتال من (جبل عامر) إلى قرى (السريف) وتدخل قطاع الطرق.. العامل الثاني أن شكل الصراع تحول إلى منحى قبلي، وأي تدخل إذا لم يكن بعلم الطرفين وباتفاق الطرفين وبترتيب جيد، فسيُحسب لمصلحة أحد الطرفين. والشاهد أن أي طرف عندما التقينا به كان يظن أن الحكومة دعمت الطرف الثاني، ونحن اعتمدنا منهج العلاج الأهلي الرسمي المدعوم بالحلول العسكرية التي تأتي في مرحلة لاحقة في هذه المشكلة.. والحمد لله افتكر أن سبب وقوف القتال بحجمه العريض هذا في (4) أيام كان بسبب دخولنا بالجانب الرسمي إلى جانب الأهلي، وكان له أثر كبير جداً. وأنا لا أنسى الدور الكبير جداً الذي لعبته الإدارة الأهلية والحكمدارات، ورأينا أن ذلك هو العلاج الأنجع. ونحن لسنا بأطباء ولكن أقول إن الجرعة الأنسب كانت هي الكبسولة التي أعطيناهم لها.
{ قوات حرس الحدود باتت تحتاج إلى معالجة؟
– في السابق كان الناس يقولون إن قبيلتنا هي القوات المسلحة باعتبارها المؤسسة القومية التي تجمع كل أهل السودان، والآن بسبب الأوضاع في دارفور هنالك شيء من الاهتزاز بعد انتشار الولاء القبلي، وكل قيادات الدولة الآن تحمل آراء وأفكار أننا محتاجون إلى وقفة، وأريد أن أثبت شيئاً مهماً، أن قوات حرس الحدود والاحتياطي المركزي والدفاع الشعبي لعبت دوراً إيجابياً كبيراً جداً في مرحلة من المراحل، والدولة كانت في أشد الحاجة إلى هذه القوات، ولولا هذه القوات لما كانت الأوضاع في دارفور بهذه الصورة الموجودة الآن، (ونحن لازم ننسب إلى أهل الفضل فضلهم).. هؤلاء الناس قاتلوا بشراسة من أجل الوطن، وما كسرت شوكة الحركات المسلحة في دارفور إلا بهذه القوات، مع احترامي الشديد لدور القوات النظامية الأخرى المتعاظم.. قوات حرس الحدود والدفاع الشعبي والاحتياطي المركزي ساهمت مساهمة كبيرة في تثبيت الأوضاع في دارفور، والحكومة الآن عليها أن تعيد توزيع هذه القوات وتدريبها وضبطها.. هذه مسألة أصبحت حتمية وضرورية جداً.. (الآن كل ناس أولادهم معاهم كعساكر في حلتهم)، ولابد من وجود لهيبة الدولة بوجود عسكري منضبط وملتزم بالقانون ومحايد لا علاقة له بالانتماء القبلي، وإنما الانتماء لوحدته العسكرية وقواته النظامية.
ورئيس الجمهورية لديه التقارير كافة عن ذلك، وأنا شخصياً كتبت دراسة كاملة بهذا الخصوص، وسلمتها لإخواننا في وقت مبكر جداً، والحمد لله رب العالمين هنالك خطوات تمضي لترتيب هذا الأمر.
نحن في حاجة إلى قوات حرس الحدود والاحتياطي المركزي، ونحفظ لهم دورهم ونؤمن على ذلك، وفي نفس الوقت تأخذ هذه القوات جرعة من التدريب وإعادة التوزيع والانتشار لتحقيق التوازن الاجتماعي.