رأي

الفنجان..

أحمد عبد الوهاب

ذكرى الانفصال ..بكاء على كتف جوبا وملكال!!

في يوليو 2010 م ذهبت إلى جوبا ..الصباح في جوبا شيء آخر، شمس مسالمة، وهواء عليل يرد الروح ويشفي العليل.. هواء كأنما يهب من فردوس أرضي سعيد ، حيث آلاف الأميال من غابات ممتدة من قطيفة خضراء ، من وسادة سندسية.. وطيور تغني للسلام وللحياة ، وأشجار باسقات تتمشط كعذارى الدينكا وصبايا مريدي وأنزارا في هواء السودان وهواه..
وتتذكر -لا ريب نيفاشا- ونذر الانفصال ، وتتذكر قول أحدهم :-
تمتع من شميم عرار نجد…. فما بعد العشية من عرار.
ليس بعد التاسع من يوليو من صلة لنا بالجنوب، فقد فصلته أيدٍ آثمة، استجابة لمؤامرة غاشمة ، فصلوا أجمل فردوس أفريقي .. فصلوا أجمل غابة في الدنيا .. فصلوه بدم بارد وبحبر كاذب .. ولم يتركوا لي سوى العشر والمسكيت وأعاصير الصحراء ورياح الخماسين .. لم يتركوا لي سوى اللوعة والحنين.
ولن يكون بمقدوري إلى الأبد أن أهتف لبلد كانت مليون ميل مربع .. هتفت لها ذات يوم أقول: (لتحيا بلادي التي التقى فيها خط الاستواء والعتمور.. وتصالح في خيمتها المتنبي وكافور..).
لن أقولها بعد اليوم .. ولو قلتها فلن يصدقني أحد.
ذهبت إلى جوبا مودعاً قبر شهيد راحل ، وآثار مجد آفل ، وقلبي يقول لي إن الانفصال قدر نافذ، وأمر محتوم . ذهبت لأودع قبور أحباب لي قضوا هنالك ، توسّدوا ثرى الجنوب ، ومن ضمنهم شقيق شهيد ، لا تزال تذكرني به هبوب الصعيد .. ويذكرني به كل دعاش رخى يهب رخاء مع الفجر، وكل غيوم تركض مسرعة في الضحى، وأتذكره كلما ناحت على فرع غصنها المياد حمامة. وتدمع عيناي كلما تذكرت رثاء أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” (رض) لشقيقه زيد غداة استشهاده (والله ما هبت الصبا إلا شممت منها ريح زيد).
ماذا صنعت مواسم الخريف السخية بقبر الشهيد؟ هل أزهرت عليه أعشاب الخريف؟.. هل ظللته غابة مانجو أو أحاطه حقل من الأناناس..؟ كيف الحال يا مريدي يا لحن الأغاني ويا روح المعاني.. ومربع مسدار، ومقطعي دوبيت..
ولكن ها هي قطعة من كبدك تذهب ومساحة من أرضك لن تعود.. وأنا أصلاً موجوع.. مفجوع.. ولي كبد مقروحة.. وهل في السودان كبد واحدة ليست بذات قروح، إلا عند كبيرهم الذي ذهب إلى جوبا غداة الانفصال شبعان يتجشأ في صعوبة لم تبدر منه آهة، ولم تطفر منه دمعة، ولم تبدُ على وجهه سيماء حزن ، وقال لهم: (سلمناكم دولة بمفتاحها)… من فوّض هذا الجنرال التعيس لكي يقطع إقليماً عزيزاً من بلدي.. وقطعة غالية من كبدي. وكأنه لم يسمع أبناء بارا وأنزارا ينشدون في كل طابور صباح
( منقو قل لا عاش من يفصلنا).
وتجد لصاحب موسم الهجرة عذراً وهو يجدد سؤاله الشهير، من أين أتى هؤلاء الناس ؟!…

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية