أحمد عبد الوهاب
في صبراتة في أقصى شمال ليبيا قادتنا الأقدار . كنت وزميلي “كمال حسن بخيت” في مايو 2009م ، نرافق الرئيس المعزول، حيث كان مقرراً للمدينة أن تحتضن قمة ثلاثية تجمع بين “القذافي” و”البشير” والزعيم التشادي “إدريس ديبي”. . كان مابين الخرطوم وأنجمينا ما صنع الحداد. كان قد مر عام على عملية الذراع الطويلة التي قادت قوات حركة العدل والمساواة المتمردة بقيادة الدكتور “خليل إبراهيم” من داخل تشاد إلى أم درمان بدعم لوجستي كامل من “القذافي”. وكانت تشاد تريد أن تثأر لنفسها من عملية مماثلة كانت ضحيتها أنجمينا في يناير عام 2008م .
وتأزمت العلاقات بين الجارتين وأعلن “القذافي” وبراءة الأطفال في عينيه رغبته في رعاية مصالحة بين “البشير” وديبي”. ليكون هو الخصم والحكم في وقت واحد.
اصطحب الرئيس المعزول معه رئيس جهاز الأمن السابق الفريق أول “صلاح قوش”. كانت أنجمينا ترى فيه المهندس الحقيقي لعملية أنجمينا التي كان مصيرها كمصير الذراع الطويلة ، وكان تلفزيون تشاد يكيل الاتهامات دوما لـ”قوش” زاعماً أنه وراء دعم المعارضة التشادية التي يقودها “محمد نوري” الذي ينحدر من قبيلة القرعان.
في الصباح الباكر أخذتنا سيارة من مراسم الدولة إلى مخيم “القذافي”. وكان العقيد (الزعيم الأممي ، وملك ملوك أفريقيا ) قد حشد في خيمته وفوداً رسمية مثيرة و جموعاً من رجال قبليين من شتى أرجاء القارة. كان أغلبهم يلبس ملابس مزركشة ويعتمرون طواقي وتيجان وخوذات من قرون الأبقار والغزلان وجلد النمور وألوان من الخرز والودع مع عصي ملكية لا تنقصها عمليات التجميل والزركشة . والتقط “كمال بخيت” صورة مع أحدهم كان نصف جسده الأعلى عارياً ويحمل عصا ، في أعلاها شكل طائر خرافي اسمه أو صفته صاحب الجلالة ملك ملوك أنجولا. وتفقد الأستاذ “كمال” صبحه الله بالخير قلمه الفاخر فأبى أن يكتب له حرفاً، فاستعان بقلم إضافي من جيب بدلتي ،وكان رئيس تحرير الرأي العام يلبس بدلة اشتراكية بيضاء فاخرة ، ارتداها خصيصاً لتلائم أجواء الصباح الصبراتي الجميل .. ولكن قلم البيك أفسد على الرجل بدلته فقد أفرغ كل مخزونه من الحبر شبه الجاف، شديد التركيز واللزوجة في الجانب الأمامي من البدلة البيضاء المكوية ، ولولا خشيتي من اتهام الرجل لي بالشماتة لأطلقت ضحكة مدوية رغماً عني.
بدأ “القذافي” يتحدث عن ضرورة وحدة وتماسك القارة وعن الأهمية القصوى لاجتماعات الساحل والصحراء والتي لن يقبل أن تمثل الدول فيها بأقل من رؤساء الجمهوريات . ولأنه كان يعتزم تقديم منح ومعونات لهذه الدول فإن أي غياب وتمثيل دون المستوى يحرمها من معونة ملك ملوك أفريقيا. وتطرق للخلاف السوداني الليبي، وقال انه شيء مرفوض وأنه سيضطر لفرض عقوبات على الدولتين في حال تم رفض المبادرة.. كان مقرراً أن تتم المصالحة، لكن صديقي الموظف الرفيع في القصر قال لي إن وجه “البشير” المتجهم (بتكشيرة لا تليق بالزعماء ) هذا الوجه الذي رآه اليوم لن يمنحكم ليلة أخرى في صبراتة.. وقد كان..