حذارِ من نيفاشا (تو)
من حق المجلس العسكري أن يصرّ على اتفاق شامل يرضي القوى الوطنية كافة، ومن مصلحة البلاد أن يكون هو الممثل الأوحد لأعمال السيادة.
يخطئ (العسكري الانتقالي) إذا أبرم اتفاقاً ثنائياً مع الحرية والتغيير، أي اتفاق ثنائي مع مكوّن واحد سترى فيه البقية (نيفاشا تو) من لا يملك أعطى فيها من لا يستحق. ويقتضي العدل أن تكون كل القوى السودانية حاضرة وراضية، فقد فوجئت الإنقاذ والحبر الذي وقعت به نيفاشا لم يجف بعد، بالرصاص يلعلع في دارفور، وكان قد صمت للتو في بور، لأنه أيّما اتفاق ثنائي على غير قاعدة العدل يطرح ثماراً مؤلمة ويعدّ مساساً بفاكهة محرمة، قد تدخل بموجبه أقلية إلى السلطة وتخرج أغلبية مغاضبة للغابة ولا عزاء للجميع ، أي اتفاق ثنائي غير متفق عليه غير قابل للحياة، وفي السياسة مثلما في الحياة فإن العجلة من الشيطان ، وفي العجلة الندامة .
من مصلحة الوطن وصول جميع الفرقاء إلى وفاق ينهي أزمة عالقة طالت ، ويملأ فراغاً دستورياً استطال، ولكن ليس من مصلحة أحد ممانعاً كان أم موالياً إبرام اتفاق مليء بالثقوب ، مثقل بالثغرات والعيوب، وأولها إعطاء جماعة وحرمان آخرين ،وإسناد أمر البلد لمغامر جديد في بحر السياسة لا يعرف فن (العوم) ولا يملك طوق نجاة لنفسه ولا زورقاً للآخرين.
إن هكذا مغامرة لا تصلح مع قافلة صغيرة في صحراء العتمور، ومن باب أولى أن لا تصلح في بلد مترامي الأطراف ، متخم بالأزمات ، محاط بسوار من المخاطر.
إن المجلس العسكري يتحمل المسؤولية كاملة عن كل اتفاق غير كامل، اتفاق يتمخض عن نيفاشا ثانية تحرض آخرين على التمرد فتدخل البلاد جراءها – على قول أبو آمنة حامد – في ( نبطشية) مدنية جديدة. إن خطراً داهماً سيضرب البلاد بقوة يوم يتم إسناد المسؤولية فيها لقوى مغامرة جديدة على الساحة، طارئة على السياسة ، وحينئذ لا يؤمن ارتكابها لحماقات باهظة الثمن ،فتحرق أخضر البلاد ويابسها وتحترق.
ومعلوم أن أوضاع السودان الراهنة لا تحتمل مغامرة جديدة ، وأوجاع شعبه لا تحتمل تجريباً جديداً، وبلادنا وشعبها ليسوا مختبر تجارب؛ لأن التجارب تجرى عادة على نماذج عشوائية، أو على متطوعين، ولم نر شعباً قام بكامل وعيه وإرادته بوضع نفسه في مختبر للتجارب.
إن الفترة الانتقالية فرصة ولكنها ليست في حد ذاتها هدفاً لكي تستميت فيه قوى الحرية والتغيير أو غيرها، ولا كأس دوري سوداني يمنح بـ(بلاش) من دون مران صعب أو أداء مميز. الفترة الانتقالية فرصة من مصلحة كل القوى السياسية أن تغتنمها بأن تتفرغ للإعداد الجاد للانتخابات والاستعداد التام للمنازلة الكبرى، وصناديق الاقتراع تحتاج لبرامج قادرة على إقناع الناخب السوداني، برامج تعدها كفاءات وطنية وسيندب حظه من ظن أنها من إحدى مهام الوسيط الأفريقي.