.. هذه المماحكة والتذاكي والشيطنة المتبادلة بين المجلس العسكري وقوى الحُرية والتغيير وغيرها من الكيانات والأحزاب المشاركة معهما في هذه المهزلة التي يسمونها حواراً، أوصلتنا الآن وبلا شك إلى المرحلة الأكثر خطورة منذ انهيار نظام الحكم البائد.. هل يعقل أن يحبس هؤلاء كل الشعب السوداني طوال الثلاثة شهور الماضية في هذه المحطة المزعجة بفراغها الدستوري والتنفيذي في انتظار لحظة قبول وتراضي مشتركة بينهم قد لا تأتي مطلقاً؟.. هل يعقل أن يهدر كل هذا الوقت من تاريخ هذا البلد في انتظار مجموعة صغيرة من المتلاعبين ببعضهم البعض والمتآمرين على بعضهم البعض والمكيدون لبعضهم البعض حتى يفيقوا ويستيقظوا ليدركوا خطر المرحلة وحرجها على بقاء الدولة السودانية في أصلها وبقاء الوطن حياً بمكوناته أرضاً وشعباً وثقافة؟ .. من هؤلاء الذين يعرضونا جميعاً الآن لهذا المصير الخطر وهذه النهايات المأساوية الهادمة والمدمرة؟.. ألا يوجد بين القوم من هؤلاء أو من هؤلاء رجل عاقل ينهي هذا المشهد الغريب الشاذ؟ .. العالم كله بات متفرجاً علينا و(الأسوى والما يسواش) كما يقول إخوتنا المصريين مد يده متدخلاً الآن في شؤون الدولة السودانية التي لا زالت تتمتع بكامل سيادتها على أرضها ..!! .. ومن بين هؤلاء متآمرو الأجندة السياسية ومن بينهم أيضاً قناصو فرص الدمار والهلاك والهدم الذين ينتظرون سانحة الانقضاض على فريستهم ليتناهشوها قطعة قطعة وعظماً عظما دونما رحمة أو شفقة في الوقت الذي يتبارى فيه العسكريون وقوى الحوار في إظهار مهارات الحوار والحديث (وَيَا ليت في الأمر مهارة).. رحمكم الله يا رواد استقلالنا المجيد يوم علمتم الناس والإقليم من حولنا كيف يبني الخطاب الوطني وكيف يحاور الآخرين وكيف يحقق من يحاور أهداف حواره بمهارة وحنكة وجدارة.. مسرحية هزلية هذه التي نشاهدها الآن ولكنها للأسف متوشحة بالحزن والألم على وطن جريح وشهداء ذهبوا بغض إيهابهم ونضارة جباههم الشابة.. ولا زالوا يذهبون يوماً بعد يوم الواحد تلو الآخر هكذا بكل بساطة.. إلى هذا الحد أصبح الدم السوداني مباحاً وإلى هذا المستوى المريع أصبحت النفس السودانية رخيصة ؟!!.. حتى بعد فض الاعتصام وتلك الأرواح النقية التي صعدت إلى بارئها لا زال البعض من هؤلاء لا يأبه لسقوط الضحايا والمصابين فيدفعون شبابنا دفعاً إلى حتفهم مثلما يرميهم بعضهم بسهامه ورصاصه في وضح النهار ومن خلف ستار التآمر القبيح والقتل الصريح .. هذا الذي يحدث الآن قد وصل بِنَا وبلا شك إلى مرحلة السقوط في الهاوية ولا بديل سوى فعل شجاع، أما أن يأتي من كافة الأطراف المتحاورة وذات الشأن دون إقصاء ضار وصانع للمعارضات والفتنة وهو ما يتمناه الجميع.. وأما أن يأتي من طرف من يتحمل مسؤوليته التاريخية بسبب قراره استلام السُلطة وقلب نظام الحُكم السابق فهو اليوم المسؤول الأول عن ما فعل وما سينتهي إليه فعله وإلا فلينتظر الجميع واقعاً أسوداً في هذا البلد مثلما حدث في بلدان الدمار والخراب من حولنا.. اللهم هل بلغنا.. اللهم فأشهد وألطف بنا وبوطننا الحبيب الغالي وأهلنا الكرام الميامين..