رسالة لسيد حكماء السودان الإمام “الصادق المهدي” !!
بلد الحكماء، ومهد العلماء ، وموطن مؤسسة الأجاويد والشعب المعلم ..يستقبل كل يوم مبادرة معطوبة جديدة، وتحل عليه في كل صباح جديد وجبة من الوسطاء الثقلاء. وكأن ما بالبلاد من أزمة عابرة يشتهونها معضلة تعيي من يداويها ، ومشكلة تجعل حليم أهل السودان حيراناً.. وهي وأيم الحق مشكل داخلي يحتاج للحزم بقوة القانون والحسم بسيف العدل وإلى ضبط الشارع وإحكام السوق وإلى قيام حكومة مدنية اليوم قبل الغد، تضم كفاءات في كافة المجالات ،وخبرات في كل التخصصات تشمل كل حاذق وبصير وكل حازم وخبير. ومن خلفهم مجلس نيابي يضم حكماء أهل السودان من أهل الحل والعقد.. بدون نظر إلى قبليات ولا جهويات ، وبلا التفات إلى ترضيات ولا محاصصات.. فزمان الترضيات غابت شمسه مع غروب شمس حكم “البشير” . وعهود الترضيات أفلت مع أفول عهد المؤتمر الوطني، قبحه الله.
إن أمام المجلس العسكري فرصة نادرة ربما لا تتكرر . وربما لا تعود ، وهي أن يسمح العسكري الانتقالي بتجربة حكم ديمقراطي رشيد تؤسس لمرحلة عامرة بالرشد السياسي ، والنضج الحزبي ، والولاء الوطني.
إنني أضم صوتي لصوت الأستاذ “الهندي عز الدين” رئيس مجلس إدارة هذه الصحيفة الغراء، وصاحب القلم الجبار، والتجربة الصحفية الجهيرة ،وأكثر قادة الرأي تأثيراً، وأطلب من سيادة الرئيس “البرهان” وسعادة نائبه “دقلو” ورفاقهما الكرام، منح الإمام “الصادق المهدي” زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار ،وآخر رئيس وزراء منتخب ،وصاحب الجهاد السياسي الأغر المحجل، زمام أمر هذه المرحلة ،باعتباره أحد أهم حكماء السودان وزعيم أكبر وأعرق الأحزاب في القارة السمراء والعالمين العربي والإسلامي .
لقد نضجت تجربة الإمام وتعتقت وصارت ملكاً للسودان وشعبه، وتقدمت بالرجل السن في عمر مبارك مديد إن شاء الله تعالى ، أوقفه للسودان ولقضية الحريات وللديمقراطية مع علم وافر، وحكمة متدفقة، وكاريزما نسيج وحدها صنعها من ليل الزنازين الطويل وسنين المنافي والسجون. بالمران الصعب والتجريب الحار ، مع شعبية للإمام تتعدى حزب الأمة وكيان الأنصار إلى طيف واسع من أهل السودان ..
إن أمام السيد الإمام “الصادق” فرصة ربما لا تتكرر، وهي أن يقود البلاد بحكمته غير المشحودة، وبتجربته المعهودة، من خلال أي من مؤسسات فترة الانتقال ، مع الاعتراف بأن الرجل أكبر من كل المناصب الوزارية وأهم من كل الحقائب الدستورية لكي يقود سفينة البلاد إلى بر الأمان. ويكرس مع المجلس العسكري وضعاً ديمقراطياً مستداماً ،سيكون هو وحزبه أكبر الرابحين فيه ،ويمهد لمرحلة حكم رشيد تعلو فيه قيم الحرية والوطنية والمسؤولية. وتنهض فيها مؤسسات دولة محترمة يتم فيها التبادل السلمي للسلطة عبر الانتخاب الحر ،والاقتراع المباشر، وتوزع فيها الثروات بالسوية وبالقسطاس المستقيم . في عهود عدل وإخاء . يكون فيها الأمر شورى والحقوق قضاء..وتصير الوظيفة العامة فيها لكل قوي وأمين. والفرص تعلن عن نفسها ،والشفافية تضرب خيمتها ، وتتسيد دولتها. دولة
تصمت فيها للأبد أصوات البنادق، وتعلو فيها أصوات المصانع والمزارع ، والمعامل، ويزدهر الحق والخير. وتصبح مانشيتات الصحف وقفاً للمبدعين، وأخبار الفضائيات حصراً للمنتجين والموهوبين. .والتنافس في أسواق السياسة والصحافة متاحاً بلا منع ولا قمع ولا إقصاء ،والكفاح في أسواق الاقتصاد والتجارة والاستثمار مباحاً مطلق العنان والسراح ، أسواق لا يدخلها أقرباء الزعيم ولا تحتكر فيها العطاءات لإخوة الختيار، ولا مكان فيها لأصدقاء الرئيس وأشقائه وحريم البلاط ..
إن شعبنا ينتظر منكم فترة عامرة بالعمل، زاهرة بالعطاء الوطني. الكل يعمل على شاكلته، والكل يجتهد لمصلحته الحزبية والسياسية والاقتصادية أو كل ذلك مجتمعاً، طالما كان في محصلة الأمر ونهايته يصب في خير البلاد والعباد..
سيدي الإمام ..لا تلتفت لأي صوت مخذل، لا تسمع لكل ناعق مثبط..فإنها فرصة من ذهب لكي تعطي فيها بلادك وشعبك خلاصة تجربتك زهراء وعصارة عمر أفنيته للإسلام وللأنصار وللسودان.
وأنت العالم الموسوعي وحكيم أهل السودان والخطيب المفوه صاحب مدرسة التنظير الأولى في المشرق العربي كله بإنجليزية أكسفورد. أو بلسان عربي مبين.
لم يعهد عليك أهل السودان خوراً ولا جبناً، فأنت بقية من كرري . وشيكان وقدير. وقد وقفت بين النطع والسيف مرات ،وعرفتك الزنازين والسجون عبر نصف قرن من جهاد مدني بلا نظير ..
ولم يجرب عليك أهل السودان خيانة ولا عمالة..فعندك من الأخلاق ما يعصمك من المزالق والزلل .. وعندك من موروث البيت المهدوي وتراث أهل السودان مخزون يسعفك في الأزمات ..ودين يعصمك في الملمات، وإيمان يغيثك في المكاره والمحن..
إنك بكل هذه التجارب والخبرات والمكانة أمير أهل الحل والعقد وإمام حكماء الوطن، وليس الأنصار وحدهم ، وأكبر زعماء البلاد جماهيرية وشعبية وخبرة وسناً..
ولذلك فأنت الآن محط أنظار الشعب..وإن أبناءك في المجلس العسكري الانتقالي مثل غيرهم يكنون لك من المحبة والتوقير ما أنت أهله..
فهلم إلى عمل جاد تكتب به اسمك بمداد من نور في سجل الزعماء الحكماء بناة الأوطان ورجال الدولة.
والبدار البدار إلى عمل تنقذ به السودان ، ومبادرة تتدارك بها عبساً وذبيان..وتؤسس بها لديمقراطية مستدامة ، وتشيد بها أسساً متينة لدولة العزة والكرامة..
ولست وحدك فمن خلفك أجيال من النابهين الأذكياء ، وقوافل من النابغين في كل فن، وجيوش من أهل الكفاية والدراية، يحتاجون رُباناً كبيراً يحدو القافلة ، ودليلاً خبيراً يقود المرحلة..
أول مرحلة وأخشى أن تكون – وفأل الله ولا فألي – آخر فرصة تتاح للسودان لكي يعبر العقبة ويخرج من عنق الزجاجة، ويجتاز النفق المظلم إلى رحاب سلام مستدام، وديمقراطية عميقة الجذور متينة الركائز يتألب عليها من أبناء الوطن من متمردين راجعين من الغابات ، وكيزان تائبين من الانقلابات ، وجوكية تطهروا من أموال البنوك ، وهمباتة تبرأوا من سوق المواسير.. وقوى يسار راضية بقسمتها قانعة في عهد الخطيب والسنهوري والدقير بما قنعت به في عهد نقد وبدر الدين مدثر..وغيرهم من أعزاء راحلين.. من شعبية متواضعة وحصاد انتخابي قليل.
سيدي الإمام إذا سلم الوطن فكل شيء عداه ملحوق . وإذا سلم العظم فالباقي مقدور عليه. وعلى نتائج هذه الفترة الانتقالية طالت بما تشتهي قوى الحرية والتغيير أم قصرت بما يتمنى المجلس العسكري يكون السودان أو لا يكون.. يتوحد أو يتشظى ما بقي من أرض المليون.. إن أقسى عقاب للطواغيت أن يروا البلاد تتوحد، وإن أقصى عذاب لسدنة الشمولية والفساد أن يروا السودان يتطهر ويتطور.
وإن أفضل ما يمكن لفترة الانتقال أن تكرسه هو إزالة الكراهية والغبائن من الصدور وغسل النفوس من الأحقاد والغل والدم ، والتأسيس لمراحل تعرف القصاص لا الثارات ، والعدل لا الانتقام ، والقانون لا الفوضى ، والمظاهرات لا المتاريس ، وإحسان العمل وإتقان الواجبات بدلاً عن فتنة الإضراب العام وشرور دعوات العصيان..
وتفضل سيدي الإمام بتقبل دعواتي لك بطول العمر وموفور الصحة والسلامة..