حوارات

وزير العدل مولانا "محمد بشارة دوسة" في حديث الساعة مع (المجهر):

تتزاحم أمام منضدة وزير العدل قضايا تأخذ بعضها برقاب بعض، لا تبدأ بقضية المستشار “مدحت” ولا تنتهي عند قضية (تبرأ) ومحاكمة المجرمين في قضايا دارفور.. هناك أمام وزير العدل قضايا تنتظر حظها من النظر، كالفساد، وتقرير المراجع العام الذي أضاء الكثير من المناطق المظلمة ومس المسكوت عنه، والحريات العامة، وقانون الصحافة، ومحاكم ونيابات الصحافة التي خرجت من الخرطوم إلى ود مدني وغداً تبلغ زالنجي وكسلا وسنجة.. وملفات عديدة أمام الوزير “دوسة” (الغارق) في قضايا وزارة ظلت تشكل محوراً للصراع الداخلي.. واختارت الإنقاذ لفلسفتها الخاصة أن لا تجعلها من وزارات أهل البيت لسنوات عديدة.. جاءت بالمرحوم “عبد العزيز شدو” و”عبد الباسط سبدرات” ثم “محمد علي المرضي”.. ومن آل البيت أُسندت إلى “علي محمد عثمان يس”، والمرحوم “إسماعيل البيلي”، وأخيراً “محمد بشارة دوسة”..
فما هي قصة الإسلاميين مع وزارة العدل من “الترابي” حتى “دوسة” ومن “سبدرات” حتى “عبد العاطي”؟!
وضعت (المجهر) أمام الوزير “محمد بشارة دوسة” حزمة أسئلة أقرب إلى الاتهامات.. ولم يمارس ابن سلطان الزغاوة حقه في رفض الإجابة عن بعض الاسئلة.. ولم يتململ أو (يزايد)، لكنه وضع نقاطاً صغيرة على حروف كبيرة.. وأفصح بقدر، وصمت بمقدار.. تحدث بصراحة وأشار بصرامة.. بدا زاهداً في الموقع وانتهى راضياً بما تحقق في عهده.. فإلى نص الحوار.

} لماذا الاهتمام المفاجئ حد الربكة في الساحة بقضية إقرارات الذمة للدستوريين وكبار المسؤولين في الدولة؟
– مسألة إقرارات الذمة استهدفت الدولة من خلالها طهارة الحكم وسد أبواب الفساد، ولم تنشأ إدارة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه اليوم، هي إدارة قديمة منذ عدة سنوات، وتؤدي واجبها في كفاءة وعدالة لكن في صمت حتى لا تستخدم القانون في التشهير بالناس.
} هل ذلك من باب فقه (السترة)؟
– لا.. لدينا (9) آلاف إقرار ذمة لمسؤولين في الدولة، من الرئيس ونواب الرئيس والوزراء والولاة والمعتمدين وكبار ضباط القوات النظامية وقادة الخدمة المدينة، ملفات كبيرة جداً نحتفظ بها.. لم يرفض أي مسؤول في الدولة إبراء ذمته حين تعيينه.. يؤدي القسم أمام العدل، وبرضا كامل يكشف عن ثروثه، وفي أية لحظة إذا عليه طرأت مظاهر ثراء أثناء توليه المنصب العام نستطيع استدعاء إبراء ذمته.
} هل إقرارات الذمة سرية لا يجوز الاطلاع عليها؟
– نعم هي مسألة سرية جداً، لم (نحوسب) إقرارات الذمة في أجهزة كمبيوتر بعد، نحتفظ بها في صناديق خاصة ومغلقة لا يجوز لأحد الاطلاع عليها، لأنها أسرار لأفراد لهم خصوصية، لكن إذا تقدم أي مواطن بشكوى محتسباً ضد مسؤول بدعوى أنه أثرى وطلبت المحكمة براءة ذمته..
} مقاطعة: هل يحق للصحافة الاطلاع على تلك الإقرارات؟
– لا، هي أسرار خاصة عن ممتكات خاصة، إلا بموجب قرار قضائي أو بموافقة وزير العدل، لذلك إقرارات الذمة محصنة تماماً من التسريب..
} رغم إقرارات الذمة لكن تقارير المراجع العام تكشف عن أرقام مهولة من الفساد في كل عام ولا يُقدَّم أي مسؤول للمحاكمة؟
– تقارير المراجع العام تثير لغطاً في الشارع العام لعدة أسباب، أولاً المراجع العام لديه تعريف للتعدي على المال العام (يخلق) تشويشاً، مثلاً المراجع العام إذا اكتشف في وزارة أو مؤسسة ما صرف أموال من البند الثاني في البند الثالث يعدّها تعدياً على المال العام، وفي التقرير السنوي يتم إيراد المبلغ كتعدٍ على المال العام.
} ألا يشكل الصرف من بند غير مخصص لبند آخر فساداً؟
– الميزانية قانون أجازه مجلس الوزراء والمجلس الوطني، والالتزام ببنود صرف الميزانية التزام بالقانون، ولكن تجاوز بنود الصرف لا يعني أن الموظف أو المسؤول تصرف في المال لمصلحته الخاصة، أي سرق المال العام.. نعم هو أخطأ، لكنه خطأ يُعاقب عليه وفق اللوائح وقوانين الخدمة المدنية وليس المحاكم.

} هل تُتخذ إجراءات في قضايا الفساد الواردة في تقرير المراجع العام؟

– نعم، المحاسبة يومية لكل من أفسد وتجاوز القانون، ومن يذهب إلى نيابة المال العام يجد عشرات القضايا. نحن لا نتستر على فساد حتى لو كان وزيراً أو والياً، وتوجيهات الرئيس في هذا الصدد واضحة جداً.

} هل هناك تدخلات سياسية من جهات نافذة تحول دون تقديم بعض القضايا للمحاكم؟

– أقسم بالله ثلاثاً.. منذ تعييني وزيراً لم يتدخل الرئيس أو النائب الأول أو أي مسؤول أعلى منى في شأن مثل هذا.. وفي اليوم الذي اشعر فيه بأنني مقيد اليدين في أداء مهامي سأتقدم باستقالتي وأذهب إلى سبيلي.

} إنشاء نيابة للصحافة في ود مدني مثّل واحدة من الآليات الحكومية للنيل من حرية الصحافة وفي وقت سابق أعلنتم عن مراجعة قرار إنشاء النيابة ولكنها لا تزال تعمل بل نشطت ولاية الجزيرة في مقاضاة الصحف والصحافيين؟

– هذه القضية ذات شقين.. أولاً هل قيام نيابات متخصصة يسنده القانون والدستور أم لا؟؟ ثم هل من العدل أن نجعل قضايا الصحافة شأناً مركزياً؟!

بنص الدستور من حق وزير العدل إنشاء نيابات متخصصة في الولايات.. ونيابة الصحافة مثلها ونيابات المال العام والجمارك والضرائب، تؤدي واجبها في نزاهة تامة.. والصحافة مهنة لها علاقة وثيقة بالمجتمع، وعلينا حماية الصحافة من تغول السلطة التنفيذية، وفي الوقت نفسه حماية المجتمع من أن تصبح الصحافة مهدداً لأمنه الاجتماعي والاقتصادي.. لذلك جاء إنشاء نيابة الصحافة في ود مدني بعد إصدار رئيس القضاء قراراً بإنشاء محكمة للصحافة في الجزيرة.. والآن تقدمت اثنتا عشرة ولاية من ولايات السودان لوزارة العدل تطالب بقيام نيابات للصحافة..

} هل تمت الموافقة بقيام هذه النيابات؟

– حتى الآن لم نوافق على قيام نيابة للصحافة إلا في الجزيرة، حتى لا نوسع في النيابات.

} النيابات المتخصصة تهدر العدالة وتجعل من وكيل نيابة الضرائب كأنه موظف في الضرائب يتلقى حوافزه من الضرائب وبذلك تلقائياً هو يمثل الضرائب؟

– لا.. لا.. النيابات المتخصصة أملتها طبيعة القضايا التي تنظرها.. التخصص مطلوب جداً، مثل وكيل النيابة المختص بالصحافة يعلم طبيعة المهنة وعلاقتها بالمجتمع.. والصحافي في الأصل محتسب يتولى مهمة الدفاع عن المجتمع من تغول جهات أخرى، يبصر ويبشر، والنشر في الصحافة في الغالب للمصلحة العامة، لذلك النص في القانون الجنائي الخاص بإشانة السمعة قد وردت فيه كلمة (قصد)، وإذا لم يتيقن القاضي من الحيثيات التي أمامه أن الصحافي قصد إشانة سمعة الشاكي فلا تنطبق عليه المادة..

والآن اتخذنا منهجاً جديداً في مسألة الحوافز التي ينالها منسوبو وزارة العدل، وبصدد تغيير اللائحة بأن تدفع الضرائب أو الكهرباء أو الجمارك حافز النيابة لوزارة العدل حتى يتم تخصيص الحوافز لجميع المستشارين، وليس للذي يعمل في نيابة محددة بحكم التخصص.

} التوسع في نيابات الصحافة بمثابة أداة قمع جديدة.. مثلاً وزارة الزراعة يمكنها رفع دعوى ضد صحيفة محددة في نيالا وجهاز الأمن يرفع دعوى ضد صحافي بزالنجي؟

– المسألة هنا مرتبطة بدائرة الاختصاص ومكان وقوع الفعل وأثره.. وزارة الزراعة في نيالا لا تنوب عن الوزارة الاتحادية، وجهاز الأمن في المركز لا ينوب عنه فرعه في سنار أو دنقلا.. النيابات الولائية للقضايا الولائية فقط.. طبعاً المعادلة هي: هناك مواطنون يتضررون من النشر في الولايات، هل نطالبهم جميعاً بمقاضاة الصحف في الخرطوم- أي أن ينتقلوا من ولاياتهم ليبحثوا عن العدالة في الخرطوم؟ أم يجدوا العدالة حيث يقطنون؟!

} بعض الصحافيين يتم إيقافهم عن الكتابة.. ألا يشكل ذلك انتهاكاً من الدولة لحقوق هؤلاء المواطنين؟

– أي صحافي يتم إيقافه من قبل السلطة عليه التقدم بشكوى إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي ينظر في مثل هذه القضايا، والمجلس بطبيعته يتألف من وزارة العدل والجهات المعنية بإنفاذ القانون.. به الشرطة والأمن والجيش والخارجية والداخلية.

} لكن طبيعة المجلس استشارية.. هل يستطيع مقاضاة جهة حكومية انتهكت القانون؟
– المجلس لا يقاضي، لكنه يقدم النصح لأية جهة انتهكت حقوق إنسان.. والصحافي الذي يعتقد أن حقوقه انتهكت عليه اللجوء إلى القضاء لرد مظلمته..
} هذا الملف يقودنا إلى دارفور لماذا تعذر تطبيق العدالة في هذا الإقليم.. وتقف قضية (تبرأ) شاهد إثبات على ما ندعي يا سيادة الوزير ولا يزال الجناة طلقاء؟
– من أجل إرساء قيم العدل وإحقاق الحق كان قرار الرئيس أن يُعيّن مدعٍياً خاصاً لجرائم دارفور، بينما في السودان كله مدعٍ واحد.. ومنذ مجيئي لهذه الوزارة وضعت قضية دارفور نصب عيني.. هؤلاء مواطنون يتعرضون لانتهاك حقوقهم بسبب الحرب وظلالها وآثارها.. وأثناء الحرب تصعب ملاحقة الجناة، فالحرب يلوذ بها المجرمون.. ولكن نحن لم نقف مكتوفي الأيدي، تم تعيين مدعٍ عام لقضايا دارفور، الأخ المستشار “نمر”، ووجهته أولاً بمتابعة قضية (تبرأ) التي كتبت عنها أنت أخي “يوسف” كثيراً، وتجدني شاكراً لانفعالك بقضايا المواطنين، ولكن المستشار “نمر” لم يؤدِ واجبه وآثر العودة إلى الخرطوم بدلاً عن الانتقال إلى (تبرأ) حيث موقع الحدث.. وللأمانة الأخ “زمراوي”، وحينها كان في قيادة الوزارة، تقدم بنفسه وطلب تولي الملف لأن المستشار “نمر” كان بدرجة قيادية في الوزارة، وأي تعيين لمستشار أقل من درجته قد يُفسر بغير صالح مقاصد التعيين.. انتقل “زمراوي” بعد تعيينه إلى (تبرأ) وكتب تقريره وحدّد الجناة، ولكن طبعاً وزارة العدل لا تستطيع إنفاذ القانون، هناك شرطة هي التي تنفذ القانون.. الجناة ذهب بعضهم إلى مناطق ليست تحت سيطرة الدولة.. ومنهجنا أن لا يفلت مجرم من العقاب، وأن تقوم الدولة بواجبها.. نتحرى مع الشاكي ونوجّه بفتح بلاغ في مواجهة المجرم بناءً على البيانات التي تُقدَّم ضده.. إذا تم إلقاء القبض على الجاني تتم محاكمته..
الآن مدعي دارفور يعمل بجد ومهنية وكفاءة عالية ورغبة في بسط العدالة، لكن ظروف الحرب تعيق العدالة.. تلك هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية