رأي

السودان .. واقع جديد بفعل غير مشروع

عادل إبراهيم حمد

في السياسة قد ينشأ واقع جديد بفعل غير مشروع ـ مثل الاحتلال والانقلاب ، فيستفيد من يستفيد من الواقع الجديد و يتضرر من يتضرر ، بدون أن تكون لعدم مشروعية أداة التغيير تأثير يذكر، فمفردتا الحق والباطل غريبتان في عالم السياسة. هذا ما لم تفطن إليه قوى الحرية والتغيير وهي تركز على طريقة فض ميدان الاعتصام.
لقد نشأ واقع جديد جُرّدت فيه قوى الحرية والتغيير من أمضى أسلحتها، ولن تستعيد الحرية والتغيير أي قوة وهي تذكّر الناس بما هو معلوم عن الوحشية في فض الاعتصام، بينما انصرف المجلس العسكري إلى الواقع الجديد مستفيداً منه، مراهناً على عامل الزمن لنسيان غلظته في فض الاعتصام، مستعيناً في ذلك بالإعلان عن تشكيل لجان تحقيق، وبالتذكير باستفزازات ظلت قوى الحرية والتغيير تمارسها تجاه الجيش رغم دوره الحاسم المعلوم في نصرة الثورة ، وغير ذلك من خطط تثبّت تجريد قوى الحرية والتغيير من ميدان الاعتصام، وتضعف آثار وسيلة فض الاعتصام .
هذا واقع جديد يفترض أن تعيد فيه قوى الحرية والتغيير تقييم أدائها في المرحلة الماضية حتى لا تفقد ما تبقى لها من قوة.. يبدو لي أن التقييم الموضوعي سوف يكشف لقوى الحرية والتغيير أنها قد ضخمت قدراتها وأوزانها ، فأفرطت في تقدير حالتها حتى فرّطت في فرصة ذهبية حين عرض عليها المجلس العسكري تشكيل (كل) الحكومة ونيل أغلبية الثلثين في المجلس التشريعي. وكان للحضور الخجول للمجلس العسكري عند بدء ظهوره في الساحة الإسهام الأكبر في حالة الغرور السياسي التي تلبست قوى الحرية والتغيير ، فقد قدم العسكريون للساحة بعد قرابة أربعة أشهر على اندلاع الثورة ، وفي ثوب العسكر بقع من آثار علاقتهم السابقة بنظام “البشير” .. لذا ظل المجلس العسكري يبتلع إساءات تطرق آذانه من ثوار في ساحة وزارة الدفاع التي احتمى بها الثوار بالأمس القريب يطلبون حماية الجيش وانحيازه للثورة ، كما ظل المجلس العسكري يحتمل تعنّت مفاوضي الحرية والتغيير، وتشكيكهم في كل ما يأتي المجلس و ما يدع، بل ظل المجلس يؤكد بمناسبة وبلا مناسبة تقديره لقوى الحرية والتغيير . لكن المجلس بدأ يتجاوز حالة الحضور الخجول بعد استشعاره أنه قد قدّم ما يجعله نداً لقوى الحرية والتغيير، معتمداً في الأساس على دوره الذي لا ينكر في التغيير، ثم شجعه اكتشافه ضعفاً في قوى الحرية والتغيير لا يؤهلها لتفوق سياسي كان يظنه المجلس العسكري. و استفاد المجلس من حالة الملل التي اعترت الشارع السياسي بعد أن طال أمد التفاوض، فرمى باللائمة من طرف خفي على ساسة قوى الحرية والتغيير. هذه العوامل شجعت المجلس للانتقال إلى مربع الهجوم ، فقرر تجريد (خصومه) من سلاحهم الأقوى ، ففض الاعتصام بقوة مفرطة ليخلق واقعاً سياسياً جديداً لا تلغيه طريقة ظهوره.
في ظل هذا الواقع السياسي الجديد، يُرجح أن يشكل المجلس العسكري حكومة تكمل هياكل فترة الانتقال، مع التركيز على قصر الفترة الانتقالية، ليؤكد عدم تشبثه بالسلطة، في مقابل فترة طويلة تقترحها قوى الحرية والتغيير. كما أن قصر الفترة يعجل بانفضاض قوى الحرية والتغيير حين تجد الأحزاب الكبيرة نفسها على مقربة من موعد الانتخابات المضروب. حينها سوف تتصرف هذه الأحزاب تصرفاً واقعياً بأن تعد نفسها للحكم، بدلاً عن إضاعة الوقت والجهود في الانشغال بمعارك انصرافية مع المجلس، لن تؤجل موعد الانتخابات.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية