حوارات

الأستاذ “محجوب محمد صالح” للمجهر السياسى

الصحافة أخذت سنيّ عمري وأعطتني حبّ الناس

 حوار : صلاح حبيب
رائد الصحافة السودانية قلم سلس ، يجري في حلّ مشاكل الناس وفكرته تعالج كثيراً من القضايا الوطنية ، وإداري ناجح لم تقعده سني العمر عن تلك المهنة ، أحبها ومارسها منذ كان طالباً بالمرحلة الوسطى، فقد بسببها مواصلة تعليمه، ولكنه الآن يحتل مقعده بين الأدباء والمفكرين والكتّاب، وهو واحد من صناع المدارس الصحفية التي تخرج فيها عدد ممن يحتلون مقاعدهم المتقدمة في الدول العربية وغيرها، حاولنا أن نتعرف عليه أكثر وكيف دخل المجال الصحفي وإسهاماته ، ولماذا فصل من الجامعة؟. سألناه من أنت فقال : “محجوب محمد صالح” من مواليد مدينة الخرطوم بحري 12 أبريل 1928م ، بدأت دراستي الأولية بمدرسة حلة حمد الأولية ، ثم الخرطوم بحري الوسطى الحكومية، ووقتها كانت المدرسة تقبل الطلاب عاماً بعد عام ، ويقدر عددهم بأربعين طالباً ، ويتقاطرون إليها من الخرطوم بحري وضواحيها، وضواحيها آنذاك كانت شمبات وحلفاية الملوك والجيلي بالإضافة إلى طلاب من مدينة توتي ، ومن ثم انتقلت إلى المرحلة الثانوية بكلية غردون التي تعدّ أعلى مرحلة للتعليم العام في السودان، وهي مدرسة واحدة يدخلها أبناء الشمال من السودانيين، لا يتسرب إليها طلاب الجنوب لأن التعليم في الجنوب قاصر على الإرساليات المسيحية .
ثم انتقلت إلى مدرسة حنتوب بعد اكتمالها وافتتاحها في منتصف أغسطس 1946 ، وجلست منها لامتحان كامبيردج في ديسمبر في نفس عام 1946م ، والتحقت بكلية الآداب في يناير 1947م ، وكنا أول دفعة نلتحق بكلية الآداب بعد تحويل المدارس العليا إلى كلية الخرطوم الجامعية، ويجلس الطلاب بعد أربع سنوات لنيل بكالوريوس جامعة لندن، وأطلق على الكلية (الخرطوم الجامعية) في عام 1951م، ظلت الكلية تحمل هذا الاسم حتى عام 1956م لتتحول من كلية الخرطوم الجامعية إلى جامعة الخرطوم، وقتها وأنا طالب بالكلية كان لديّ نشاط سياسي وكنت نائباً للسكرتير العام في عام 1848م ، ثم سكرتيراً للاتحاد في عام 1949م ، وخلال تلك الفترة جرت صراعات سياسية وإضرابات ومظاهرات واشتد الصراع مع الإدارة البريطانية، وتم فصلي أنا ورئيس الاتحاد ونائبه.
*وما هي أسباب فصلكم ؟
السبب كان نتيجة لإضراب قمنا به بهدف توسيع حركة الطلبة بإنشاء مؤتمر عام للطلبة السودانيين.
*وبعد أن تم فصلك من الكلية أين اتجهت؟.
التحقت بالعمل الصحفي في أغسطس 1949م وحتى اليوم.
*قبل التحاقك بالعمل الصحفي هل كانت لديك كتابات في الصحف آنذاك قبل أن تحترف المهنة؟.
صلتي بالصحافة تعود إلى أيام الدراسة بالمرحلة الوسطى في صحيفة صوت السودان، والتي سبق أن خصصت في عام 1940م صفحة للطلبة كان يشرف عليها البروفيسور “سعد الدين إسماعيل فوزي” ، وكنت من الطلبة الذين بدؤوا الكتابة بتلك الصفحة
*هل تذكر أول مقال كتبته؟.
الصفحة كانت تصدر يوم الأربعاء من كل أسبوع كواحدة من صفحات الجريدة ، أول مقال كتبته كان في 22 نوفمبر 1940م ووقتها أنا طالب المرحلة الوسطى، كان المقال يعترض على أسلوب جديد اتخذ بقبول الطلاب بالمدارس الأولية، فقمت بالهجوم على ذلك الأسلوب الذي كان يعتمد على قبول الطلاب بالمعاينة دون الامتحان، وذكرت أن الامتحان يعد الفرصة لمن يثبت جدارته، أما (الإنترفيو) فيكون عرضة للتأثيرات الشخصية، واعتبر المسئولون بالمدارس ما ذكرته إهانة وعوقبت بالجلد، وكما قلت الجلد الذي بدأنا به في المدارس ما زال مستمراً في العمل الصحفي وإن تغيرت أشكاله من عقاب بدني إلى رقابة ومصادرة وتحقيق ونيابة وما إلى ذلك.
*وفي أي الصحف عملت قبل الأيام؟.
عملت بالسودان الجديد، وسودان استاندرد الإنجليزية، وكنت أكتب باللغتين العربية والإنجليزية ، وبعد أربع سنوات أسسنا صحيفة الأيام في 3 أكتوبر 1953م .
*كيف جاءت فكرة الأيام ؟
فكرة الأيام جاءت من أستاذنا الراحل “بشير محمد سعيد” الذي كان يتقدمنا عمرًا وتجربةً ، وعرض الفكرة على اثنين من زملائه الأستاذ “محجوب عثمان” الذي يعمل محرراً بالرأي العام وشخصي، والفكرة كانت تهدف إلى صحافة تغلب الجانب المهني في العمل الصحفي وتهتم بالخبر والإخراج، تطويراً للعمل الصحفي على ضوء التجارب العالمية ولما يجري في صحافة مصر وبيروت ، وأصدرنا الأيام قبل الحكم الذاتي .
*وأول مواجهة للأيام بعد الصدور؟
لقد قدنا معركة للضغط على الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كسب أعلى الأصوات في الانتخابات عام 1954م ، ولكن برنامجه كان يدعو للوحدة مع وادي النيل فقدنا حملة للضغط عليه لتبنّي شعار الاستقلال ونجحنا في ذلك .
*وأول عقبة واجهتكم ؟
انقلاب نوفمبر والاستقلال لم يكمل عامه الثاني، وكانت هذه نكسة صادفت الصحافة السودانية، لأن الانقلاب يحد من حرية الصحافة ويسعى لتحويلها لأجهزة تابعة للحاكم، وبالتالي تفقد الصحافة مصداقيتها مع القارئ، وتعرض مستقبلها للخطر والرقابة والمصادرة والتأميم، وبعد المستثمرين عنها وتفقد كوادرها المهنية ، مما يجعل الصحافة مهنة طاردة.
*هل تعطلت الصحيفة بسبب الانقلاب ؟
تعطلت الأيام خلال حكم “عبود” مرتين في مجموعيهما تساويان لنصف حكم “عبود”، ثم أممت وتحولت إلى صحيفة حكومية خلال حكم مايو وعادت إلينا في عام 1986م ، والأنظمة الشمولية إذا سمحت، ستكون محاطة بخطوط حمراء، وهامش ضيق ولذلك تتأثر قدرتها على المعالجة الصحفية، الصحافة هي مرآة المجتمع وفي ظل عدم الديمقراطية تصبح مرآة معتمة ولا ترى الصورة الحقيقية.
*و كيف تراها الآن؟
الآن أنا أتحدث معك وهنالك تباشير ومقبلون على فترة تحول ديمقراطي راشد، وهذه بشارة خير للصحافة وفي نفس الوقت جرس إنذار للصحافة، فلا بد أن ترفع من مستوى قدرتها والتزامها بمعايير العمل الصحفي، ولا بد أن تمارس الحرية بمسئولية في ظل المتغيرات العالمية وثورة التقانة والمعلوماتية التي تتطلب من الصحافة أن تواجه التحدي بتغيير في مضمونها.
*إصدارات في مجال الصحافة؟
الصحافة السودانية في نصف قرن، وسيعمل مركز “محمد عمر بشير” على نشر بعض إصداراتي، كتاب عن الجنوب والثاني عن الديمقراطية في السودان، والثالث عن تاريخ الصحافة السودانية جزء ثان.
*هوايات كنت تمارسها ؟
الفن والرياضة وكرة القدم والتنس والفن والغناء .
*لمن تستمع في الفن؟
في شبابنا تأثرنا بـ”أحمد المصطفى” و”حسن عطية” و”الكاشف” ، وسمعنا بوجود فنانين جدد مثل “صلاح بن البادية” ، ثم التقيناه وتعاملنا مع فنانين الآن قمم في مجال الفن مثل “الكابلي” و”وردي” وغيرهما كثر.
*مدن بذاكرتك داخلياً وخارجياً؟
لقد طفت كل السودان تقريباً، كما زرت عدداً كبيراً من دول العالم مثل روسيا وأمريكا والصين، وعدداً كبيراً من الدول الأوروبية.
*ماذا أعطتك الصحافة؟
منحتني التعبير عن رأيي، ووسعت من مداركي، وأعطتني أن أعيش في اتصال مع الناس، وأهتم بمشاكلهم وهمومهم، وهذا أعظم ما يفخر به الإنسان، والصحافة مهنة تكرّس لخدمة الإنسان وبقدر ما تعطيها تعطيك، وهي بالنسبة للصحفي عمل مستمر لمدة (24) ساعة في اليوم (365) يوماً في السنة.
*ماذا أخذت منك؟.
أخذت سنيّ عمري وحياتي، ولكن لا أعتبر هذا أخذاً لأنه مقابل عطاء، فهي أخذت وأعطت والمحصلة النهائية مكسب وليس خسارة.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية