بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الدنيا يمر عبر بوابتها كثير من البشر … هناك من يمضي في حال سبيله دون حس أو خبر … وهناك من يخلد اسمه وذكراه بأنبل وأسمى وأبهى الصور … ولا غرو إن تجسدت تلك المعاني في شخص العميد بحري مهندس “محمد الريح الشيخ السنهوري” عليه الرحمة الذي انتقل مساء أمس الأول إلى رحمة مولاه بعد صراع مرير مع المرض رغم خطورته فقد واجهه بجلد وصبر المؤمن بقضاء الله ليكون له كفارة وهو ملاقٍ لربه وجسمه قد اغتسل بالماء والثلج والبرد وتطهّر من كل دنس ليحظى بمرتبة الشهداء والصديقين … “ود الريح” وهذه كنيته التي يناديه بها كل أهله وأصدقائه الكثر … “ود الريح” كان رجلاً ولا كل الرجال – اجتمعت فيه كل الصفات السمحة الجميلة من حب للعمل وصدق وطيبة وحنية وسماحة وبشاشة وخفة دم وابتسامة عريضة تكسو وجهه الصبوح الباسم … كان مواصلاً للأرحام … مشاركاً للأفراح والأتراح والمناسبات العامة … سبّاقاً لعمل الخير … كان كالنسمة بين الناس والأهل … سالت الدموع مدراراً لكل من عرفه وكذلك أحفاده “مأمون “وأحمد” وبقية أشقائهم في منظر يعكس حب كل أطفال الأسرة والأصدقاء … إذ كان عليه الرحمة محباً وعاشقاً للأطفال لهذا أكرمه الله بخمس زهرات عطرن حياته وجعلنه من المبشرين بالجنة لأنه أحسن تربيتهن وتزويجهن بأزواج صالحين فاعلين في المجتمع …
– ود العم … إذ كان والده عليه الرحمة أخ لوالدي عليه الرحمة من ناحية الأم.
– لهذا كانت علاقة حميمية تجمعني به وخاصة وأنني درست المتوسطة في منزلهم بمدينة الأبيض … وهنا لا بد أن نقف لنعرف من أين رضع “ود الريح” هذه الصفات السمحة مجتمعة … إذ كان والده الشيخ الجليل المتصوف العارف بالله والمحب للمصطفى الذاكر الليل … التقي – الورع – الصالح – الصادق – الكريم … كانت تُقرأ دلائل الخيرات في الأسبوع مرتين في منزله ويؤمها عدد كبير ولعدد من السنين، وكانت داره تعجّ بالضيوف والساكنين وتستقبل في مطلع كل صباح القادمين من الشمال إلى الغرب والجنوب … كنا نحن وأبناؤه البررة نتناول طعام الغداء في الصينية الرابعة …!! مشهد استمرّ طيلة السنين الأربع التي مكثتها معهم كغيري من أولاد الأهل والمعارف … كما أن عدد الأسِرّة التي ينام عليها الضيوف والساكنين أكثر من خمسة عشر سريراً وكنا أحياناً نحن أبناء البيت نتوسد الأرض … وكان الناس في الأبيض يطلقون على منزلهم … (لوكاندة) كردفان الأهلية … وكانت والدته حاجة “زينب” عليها الرحمة المرأة الصالحة تقوم بخدمة كل هؤلاء البشر دون كلل أو ملل أو ضجر، ولا تفرق بيننا وبين أولادها في المعاملة – في مثل هذا الجو ولد وترعرع “ود الريح” وإخوته الكرام الفريق “الشيخ الريح” – مدير السجون الأسبق والمقدم “محمد أحمد الريح” – عضو مجلس قيادة انقلاب 19 يوليو والتي استشهد فيها ومات موت الأبطال، والأستاذ “علي الريح السنهوري” – أمين سر حزب البعث الاشتراكي العربي والمقدم “أحمد الريح” وأخوهم الأصغر “مدثر الريح” والد الشهيد د. “صلاح سنهوري” … يا لهذه الأسرة الكريمة المعجونة عطاء …
– لهذا لا غرو إن شب “ود الريح” وأسرته الكريمة على مكارم الأخلاق الرفيعة وكأنهم يجسدون قول الله تعالى في محكم تنزيله : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }.. وتبدأ مسيرة “ود الريح” في الحياة بعد أن تخرج من مدرسة خورطقت الثانوية بالأبيض… التحق بالمعهد الفني بالخرطوم ليبتعث لدولة يوغسلافيا في عهد “عبود” لدراسة البحرية معاصراً إنشاء سلاح البحرية السودانية .. ثم جاء للسودان ليعمل في بورتسودان ليتم انتدابه لدولة الإمارات العربية المتحدة في عهد “نميري” لينال شرف المشاركة في تأسيس القوات البحرية الإماراتية … وكان أن جعله الله سبباً في اغتراب أكثر من (1000) سوداني للإمارات .. وتنتهي فترة انتدابه ليعود للسودان ليتسلم مهام اللجنة الزراعية العسكرية في الفترة الانتقالية التي كان يترأسها “سوار الدهب” .. وبعد انتهاء الفترة الانتقالية تقاعد برتبة عميد … واتجه إلى صوب الحياة المدنية لتبدأ مسيرة عطاء أخرى في مجموعة “مأمون سعود البرير” ابن أخته السيدة الفاضلة /”سيدة سنهوري” … وكان التناغم وتراكم الخبرات الإدارية والعملية التي وجد فيها “ود البرير” ضالته في خاله وصديقه تتراقص أمامه … واكتملت حلقات النجاح لتصبح د. “هنادي” ابنته الكبرى زوجة للأمير “سعود البرير” … وتواصل العطاء إلى أن توفاه الله وهو يتمثل بقول الحبيب المصطفى وهو يشتل مئآت الفسائل تزكية لروحه الطاهرة وجسده الذي أنهكه تواصل وحب العمل لأنه يرى فيه عبادة …
اللهم ارحم “ود الريح” وأحسن إليه واجعل الجنة مثواه، وصبّر أسرته وأهله وأصدقاءه ومعارفه الكثر .
وإنا لله وإنا إليه راجعون ،،،