رأي

فنجان الصباح.

أحمد عبد الوهاب

مع الأستاذ الهندي في أنقرة..

أنا والأستاذ “الهندي عز الدين” صاحب (المجهر السياسي) الغراء في أنقرة في بواكير شتاء عام 2012م. والمناسبة كانت تغطية أشغال المؤتمر العام للحزب الحاكم في تركيا.
قد تتفق مع الحالة التركية إسلامية كانت أم علمانية أو تختلف.. لكن عليك أن تتذكر جيداً أنك إزاء دولة محترمة وأمة ذات حضارة وأنك أمام إمبراطورية حكمت نصف أوربا وكل العالم الإسلامي عدة قرون. ولما شتم أحد كتّاب مصر تركيا ذات مرة انبرى له الأستاذ هيكل وقال له عليك أن تحترم نفسك فأنت تهاجم تاريخاً وحضارة.وقد كان الأسطول البحري الأمريكي يدفع الجزية لأحد حكام الأتراك في المغرب.
الطائرة الرئاسية الصغيرة التي تقل السيد النائب الأول السابق لـ”البشير” الأستاذ “علي عثمان طه” ووفده تهبط في (عصر كبير) في العاصمة السياسية لتركيا. فأنا منحاز إلى اسطنبول مأخوذ بها ولا أعترف بغيرها عاصمة للخلافة الإسلامية التي دمرها الذئب الأغبر كمال أتاتورك.
إن مرافقة رجل دولة مثل الأستاذ “علي عثمان” أحد أبطال السلام في السودان و، فرصة ذهبية للاقتراب من أحد صناع نيفاشا ..وأحد أهم اللاعبين في الساحة السياسية السودانية من عام 1985 إلى العام 2013. وهو على عكس الآخرين رجل مثقف وودود وقارئ ممتاز. يجعل من أي رحلة ورشة عمل وحلقة نقاش. وهو أيضاً مستمع جيد. ويقول دوماً إن الصحف تزدهر بالتحليل السياسي والكتابة الرصينة (هل كان الأستاذ “هيكل” وهو يجعل الأهرام الصحيفة الأولى في الوطن العربي يكتب تصريحات؟؟. .
“علي عثمان” رجل دولة، لكن من سوء حظه أنه كان الرجل الثاني في دولة يقودها من هو غير مثقف وغير مستنير .صعب أن تكون في قصر كثير الشكوك يرخي أذنه لكل واشٍ لئيم مشاء بنميم ..تحيط بزعامته مجموعة ليس لديها فكر ولا رؤية ولا خيال..ولذلك ظلت بلادنا تدور لنحو (3)عقود في حلقة مفرغة.
“عبد الباري عطوان” رئيس تحرير القدس العربي قال لـ”الهندي” في غضب ونحن
في بهو فندق انتركونتننتال أنقرة. (الدكتور “مصطفى عثمان” -وكان مع البروف “غندور” ضمن الوفد- يدعوني لزيارة الخرطوم. وقلت له (أجي) السودان ليه. البلد وضيعتوه ..الجنوب وفصلتوه.. والبترول وراح..).
“عبد الباري” بدأ يومها ناقماً على قناة الجزيرة لأنهم أوقفوا لعامين كاملين أي استضافة له. ربما لاختلاف وجهات النظر حول سوريا وليبيا. وقد ظل يشكو متاعب في الصدور ومصاعب في التمويل ويصر على مدى يومين على ارتداء بدلة واحدة زرقاء..
ولم يجد الشيخ “الغنوشي” حينما رآنا – “الهندي” و”عطوان” وأنا – غير أن يقول مداعباً (الطيور على أشكالها تقع ).
ويبدو أن الشيخ لم يكن على وفاق مع عهد “البشير” ورجاله، ويرى أن الشيخ “الترابي” رحمه الله هو الأولى بقيادة السودان.
وفي الأثناء مر بنا موكب الرئيس المصري (الراحل) دكتور “محمد مرسي” . وكان يتوسط موكباً رئاسياً مهيباً يدل على عظمة الدولة المصرية..وكان العشرات من شباب مصر في عمر وزي واحد يحيطون بالرئيس إحاطة السوار بالمعصم. ومع ذلك تنبه إلى وجودنا فرفع رحمه الله يده محيياً ..وبادلناه بتحية مماثلة..
أين دولتنا التي يحيط الرئيس فيها نفسه مع مجموعة من العواجيز يمشون مثله بصعوبة وليس فيهم شيخ في علم “منصور خالد” .ولا شاب في قيافة وثقافة “خالد فتح الرحمن”. وكان رؤساء مثل “مبارك” في مصر و”أوباما” في أمريكا وغيرهم يصطحبون معهم رؤساء التحرير وكبار كتاب الأعمدة في طائرات رئاسية (مي خمج). وقد ظل الأستاذ “النحاس” يشكو منذ أيام السودان الحديث أن طائرة الرئاسة يحشونها بناس المراسم والحراس ويكملون بقية المقاعد إن وجدت بالصحفيين.. يعادون الصحافة بطرق شتى ..والعداء للصحافة بئس المبتغى. ولو سمح الإنقاذ بصحافة حرة لما سقطت بهذه الصورة المذلة ..إن الحاشية المحيطة بالرؤساء هي التي تصلح أو تفسد الزعماء.كما في حكاية الحديث الأنيس لسيادة الرئيس التي حكاها رئيس تحرير الحوادث البيروتية.. وذهب “يان بروك” ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بالخرطوم إلى اتهام “البشير” بأنه (يحيط نفسه بمجموعة من رجال الأعمال الفاسدين .(!!
وكان الرئيس “رجب أردوغان” يفخر دوماً بأن أحد أسباب نجاحه أنه (لم يسرق) !!. ولم يسمح للآخرين أن يسرقوا..
ونعود بعد الاستطراد إلى أنقرة . وفي الفندق الفخيم نفاجأ بأن دعوة للعشاء مع “أردوغانأ لا تشمل مع “طه” سوى سفيرنا في تركيا فقط. وأن على الوفد تحمل نفقات الإقامة. وأننا لا نملك بطاقات الدعوة والدخول لحضور المؤتمر العام لحزب “أردوغان” . وولاة الأمر في السودان يحشدون الضيوف بالمئات في فنادق (5) نجوم لأيام وأسابيع على نفقة الخزانة الفقيرة. ويسمحون لكل صحفي مغمور بمقابلة الرئيس ودخول القصر الجمهوري.
لم نحضر فعاليات المؤتمر العام ولكن الأستاذ “الهندي” جعل من الغياب حضوراً كبيراً وهو يلتقي الأستاذ “طارق الهاشمي” نائب الرئيس العراقي المحكوم عليه بالإعدام من بغداد في عهد “المالكي”. ويتحدث مع القيادي في الحراك السني “المطلك” والذي شغل منصب نائب الرئيس لاحقاً..و”الهندي” وحده الذي تعرف إلى الناشطة اليمنية والفائزة بجائزة نوبل للسلام الأستاذة “توكل كرمان”. والتي تحب السودان وأهله حباً جماً.
ثم نغادر إلى الخرطوم بدون أن نحضر الفعالية الحزبية التركية..وقبل أن نفك أحزمة الأمان نفاجأ بأن الطائرة توشك أن تتحطم بنا في سماء أنقرة فوق هضبة الأناضول ..
وكان النائب الأول السابق هادئاً ثابتاً لم يقطع حديثه ولم يغير جلسته.. وضحك بصوت عال وهو يسمع “الهندي” يقول لي (دي تلودي إلا ربع) في إشارة لطائرة تلودي المنكوبة قبل شهر من تاريخ رحلتنا تلك . والتي قضى فيها “مكي بلايل” مع نفر عزيز صبيحة يوم عيد الفطر عام 2012. وعشنا لنحكي.
جمعتكم مباركة

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية