القرآن.. ما قراية وبس!! (2)
مواصلة للمقال السابق، نجد أن كثيراً من العلماء في كافة تخصصات العلوم أسلموا حينما عكفوا على دراسة نصوص قرآنية وجدوا فيها كثيراً من البراهين العلمية المعملية والأمثلة كثيرة منها، ذلك العالم الياباني الذي كان يبحث في أطوار تكوين الجنين وكان ملحداً، وحينما وقف على الآيات التي مفادها أن الماء المهين الذي يخرج من بين الصلب والترائب والذي يحوي ملايين الحيوانات المنوية عند جماع الذكر بالأنثى، فيلتقي حيوان منوي واحد ببويضة الأنثى، فيحدث اللقاح فتندغم البيضة بالحيوان المنوي لتبدأ مرحلة تكوين الجنين في رحم الأنثى حلقة فمضغة إلى آخر سلسلة تخلق الجنين ليتم ميلاده بعد تسعة أشهر وأيام – سبحان الله – فالشاهد أن ذاك العالم حينما فسروا له معاني الآيات، سأل عن العالم الذي ابتكر تلك النظرية، فأفاده تلميذه المسلم بأنه الله سبحانه وتعالى، فسأل متى تم ذلك؟ فأفاده تلميذه بأن الآيات نزلت بواسطة الوحي سيدنا جبريل على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم، فأبدى ذلك العالم رغبته في اعتناق الإسلام فنطق بالشهادة وحسن إسلامه.
وقصة عالم الفضاء الروسي الذي أسلم، وكان ملحداً حينما فسروا له الآيات (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) الآيات من (سورة يس) ورد في صحيح مسلم ص (699) ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، أو غشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)، وقراءة القرآن والتعود عليه يمكن أن يكتسبها الإنسان كأي عادة من عاداته، مثلاً نحن نستاك مرتين في اليوم صباحاً ومساء، ونشرب الشاي والقهوة ونمارس أنواعاً من الرياضات البدنية، وهكذا التعود على قراءة القرآن، أما تفسير آياته فذلك أمر في غاية اليسر، فدونكم المراجع العديدة والمصاحف المتضمنة التفاسير على هوامشها، فالبداية هي الطريق إلى التعود عندها تلقائياً نجد أنفسنا نتدبر القرآن ونتخلص من الغرائز السالبة مثل الأثرة والجشع والأنانية والنميمة وأكل الربا وأموال الناس بالباطل والغل والكره والحسد… الخ الصفات الذميمة ونجنح تلقائياً إلى قيم الخير المطلق كنكران الذات والحب والجمال والتصدق والرحمة والتكافل ونحو ذلك، ويا حسرة العبد إن جاءت منيته ولم يتدبر القرآن وقد هجره والقرآن في متناول يده مكتوب ومسموع ومشاهد بسبب تطور وسائل نقل المعرفة من حواسيب وقنوات مرئية ومسموعة قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ) المؤمنون: (66)، ويقول سبحانه: (أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) المؤمنون:(105)، ويقول سبحانه: (أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ) الجاثية:(31)، تأمل معي الآية (103) من سورة آل عمران (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً) وأنظر حال أمة محمد حينما فرطوا في الاعتصام بحبل الله، فأصبحنا نتعلق بالدنيا وقليل منا تعلق بالآخرة هنيئاً لهم، أقرأ معي سورة (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)، ماذا بعد النصر سوى التسبيح بحمد الله واستغفاره ليتوب علينا. أنظر إلى حال أهل المال منا، وكأنهم لم يقرؤوا أو يسمعوا قول الله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) النور: (37)، والحديث عن الدولار نازل وطالع، وخزن البضاعة، والمسترزق بأزمات العباد، وأثرياء الحروب، والمستغلون لمناصبهم، ومن بأيديهم مقاليد الأمور لخدمة العباد ويوصودون أبوابهم قابعين في أبراجهم العاجية يعبون من ملذات الدنيا ولا ينفقون من مال الله للسائل والمحروم حتى أضحت عبارة (الله كريم، الله يدينا ويديك، على الله) هي العبارات السائدة والمتداولة يومياً نقولها من يسألوننا رحمة الله من مال الله ومن حق الله باعتبار أن كل الأشياء من الله ولله، اللهم أجعلنا من الذين قال عنهم الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) المؤمنون (6)، كثيراً ما يكون الإنسان أمام خطر داهم كالمسافر بوسيلة الطائرة، أنظر إلى حاله أو بالأحرى أسأله عن كنه مشاعره وهو معلق بين السماء والأرض، نجد في القرآن في سورة يونس من الآية (22-23) (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، ذكرت الآية الفلك وتسري الحالة النفسية التي جسدتها الآية على كل وسيلة نقل جاءت بعد الأربعة عشر قرن ونيف هي الفترة الزمنية التي نزلت فيها السورة، ولابد أن تكون قد اجترت ذاكرتك ما اقترفت يداك من خير وشر وتمنيت في غرارة نفسك إن أنجاك الله ووصلت بالسلامة لن تعود إلى اقتراف ذنب أو سيئة، لكن هل هذا ما نفعله عند رجوعنا بالسلامة؟ والعبور إلى الله قد يأتيك عن طريق السراء والضراء، فالابتلاءات والمصائب والكوارث هي الطريق إلى الله (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف: (168)، فالطريق إلى الله رسمه سبحانه وتعالى وهدانا النجدين، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا. بالطبع ما أوردته في هذا المقال والمقال السابق إشارات لبضع آيات ولا أدعي التفقّه في الدين، فقد أنكر عليَّ صديق مثل هذه الكتابة، وفي رأيه أنها تحتاج إلى تخصص. أسوق لصديقي قصة حكتها لنا جدتي يرحمها الله عن امرأة اعتزلت الناس وبنت لها عُشة صغيرة بالقرب من النيل ترعى أغنامها وبعض أحواض الزرع، تحمل لبنها للمدينة وترجع إلى عشتها، أتاها يوماً شيخ معروف بورعه في موكب مهيب، احتفت بالشيخ وصنعت له وحيرانه شاياً بالحليب، سألها الشيخ إن كانت تحتاج إلى شيء، فروت له خجلة إنها تصلي صلواتها الخمس ولا تفقه آية من آيات القرآن، سألها الشيخ: كيف تصلي؟ قالت له أقول: (الصلاة صلاتك.. والواطة واطاتك.. نقوم ونقع على انجلاتك.. الله أكبر)، فضحك الشيخ وحفظَّها (الفاتحة وقل هو الله أحد) وركب ليعبر النيل، عندها سمعت المرأة أذان العصر وأقامت الصلاة وقرأت (الفاتحة) وشرعت في قراءة (قل هو الله أحد الله الصمد) ونسيت باقي السورة، فقطعت صلاتها تجري على سطح الماء والدهشة اعترت ركاب المركب وهي تصيح (آ الشيخ!! لم يلد.. تاني شنو؟ فما كان من الشيخ إلا أن قال لها: يا فقيرة أمشي صلي صلاتك، أنا الحافظ القرآن راكب مركب)، ترى هل تدبرت تلك المرأة القرآن ونفذ إلى صدرها؟.