تقارير

سفراء يتناولون إفطار رمضان مع المعتصمين في القيادة وآخرون يراقبون المشهد من نوافذ سفاراتهم

فعل الدبلوماسية الشعبية ما بين الشرق والغرب

تقرير – ميعاد مبارك

أصبح من المعتاد أن ترى سفراء ومنسوبي السفارات الأوروبية والأمريكية حضوراً بين حشود المعتصمين أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، الدبلوماسيون الذين يتناغمون مع الثوار هناك بتلقائية وبساطة جاذبة، حازت قبولاً وتفاعل الثوار، خاصة خلال الإفطارات الرمضانية مؤخراً.

تقرير – ميعاد مبارك

رغم اعتياد بعثة الاتحاد الأوروبي على تنظيم حفل استقبال رسمي احتفاءً بيوم أوروبا إلا أنها اختارت تناول الإفطار أمس الأول في ميدان الاعتصام، حيث جلس سفير الاتحاد الأوروبي “جان ميشيل ديموند” وبعثته على البرش وتناول الإفطار مع المعتصمين، وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي في حسابها على (تويتر) إنها قررت هذا العام تأجيل احتفالها لإظهار الاحترام للشعب السوداني في شهر رمضان المبارك.
الاتحاد أبدى رغبته في التواصل مع شعب السودان وخاصة الشباب في سعيهم لتحقيق العدالة والحُرية والسلام، ونقل السُلطة إلى هيئة انتقالية مدنية قادرة على تلبية تطلعات الشعب السوداني.
التقطت لـ”ديموند” وبعثته عدة لقطات هم يتبادلون الحديث مع الشباب، وهم يتناولون وجبة الإفطار مع المعتصمين، بدوا خلالها منسجمين غير متكلفين.
لم تكن بعثة الاتحاد الأوروبي الوحيدة التي تناولت الإفطار في ميدان الاعتصام، حيث تناول القائم بالأعمال الأمريكي “استيفن كوتسيس” وبعثته الإفطار هناك وقام بعدها بجولة تحدث خلالها مع الشباب وزار مكتبة الاعتصام وشرب الشاي مع أصدقاء مع إحدى بائعات الشاي اللاتي استقر بهن الحال في الاعتصام، وبدا الرجل منهمكاً في حديثه وجولته حتى تصبب عرقاً، ولعل إحدى اللقطات التي التقطت للرجل ماشياً وسط الجموع كانت لا تشبه المعتاد في حال حدوث ما حدث في السودان في بلد آخر، رغم سلمية الفعل أن تتخوف البعثات الدبلوماسية وتطالب رعاياها بالتحوط، إلا أن الجو العام السلمي في الاعتصام كان حاضراً ومطمئناً فضلاً عن الغناء الثقافي والفكري الجاذب.
لم تكن زيارة “كوتسيس” ورفاقه هي الأولى للاعتصام فقد زار قبل رمضان الاعتصام وعند منع سيارته من العبور من (الترس)، استجاب وبعدها تفاعل على نحو طريف مع الثوار وهم يغنون (ارفع يدك فوق التفتيش بالذوق)، حيث خضع الرجل للتفتيش بل وبدا سعيدا حيث يعرف عن الرجل حسه الفكاهي العالي.
أظهرت إحدى اللقطات “كوتسيس” متمسكاً بقارورة الماء أمامه قبل بدء الإفطار وكأنما الروح الرمضانية تملكته كالصائمين الحاضرين في الاعتصام.
ولعل الفعل الشعبي للسفارة الأمريكية ليس بحديث حيث أعتاد منسوبوها تناول الإفطار مع المواطنين في رمضان وتوزيع الحقائب الرمضانية، ولعل من الصور الشهيرة لهم وهم يتراكضون خلف الحافلات ويوزعون الإفطار على الصائمين.
ورغم التقاطعات الجاثمة على كاهل العلاقات السودانية الأمريكية إلا أن البعثة الأمريكية استطاعت إدارة علاقاتها الشعبية بذكاء كبير لا يخلو من التأثر بالمكون الثقافي الجاذب للسودان وأسلوب الحياة عند السودانيين.
وكان قبله السفير البريطاني “عرفان صديق” قد زار الاعتصام وتجول وتحاور مع الشباب، مرتدياً قميصاً أزرقاً بسيطاُ، بل وكتب مقالاً كان الألهام حاضراً فيه حيث تكلم عن قرع شباب الجسر وروح الاعتصام وأحلام الشباب فيما يلي حكومة مدنية قائمة على الحُرية والسلام والعدالة.
حيث تزامن الاعتصام مع الذكرى السنوية الأولى له كسفير للمملكة المتحدة في السودان، كتب “صديق” (لم يتوقع الكثير من المراقبين بعد هذه الفترة من الجمود وتحطم الآمال أن يكون حصاد حقبة القمع ثورة) وأضاف (على الرغم من معاناته لم يتغير اعتزاز الشعب السوداني بنفسه وكبريائه وخلال هذا الشهر عبر قوة إرادة وشجاعة غير اعتيادية، تمكن من الإطاحة برئيس النظام الذي بدا لفترة طويلة أنه لا يمكن المساس به).
وقال السفير في وصف الاعتصام بلغة رفيعة ملهمة (إنه مشهد رائع، الطرق المؤدية إلى الموقع ممتلئة بالأشخاص المتجهين ذهاباً وإياباً، عندما تقترب من المنطقة يتخلل إيقاع الحركة قرع (شباب الجسر): شباب يقرعون بلا هوادة بإيقاع جاذب على الدرابزين الصلب للجسر لبناء إيقاع من الإلحاح في وجود الحشد)
وأكمل (مستوى التنظيم الذي تم تطويره في الموقع مثيراً للإعجاب بشكل كبير حراس يفتشون الذين يدخلون الموقع لضمان الأمن، مراكز طبية مجهزة بلوازم الإسعافات والأدوية وأجهزة التنفس الصناعي لعلاج المحتاجين، منطقة الفنانين لرسم الجداريات والكتابة على الجدران لإلهام الحاضرين، المطابخ والمقاهي المتنقلة لتوفير المرطبات، خيام للذين يحتاجون للراحة من أشعة الشمس الحارقة، أركان نقاش للتنوير، فصول دراسية لتعليم الأطفال الموجودين، معارض لجرائم النظام السابق لتذكيرنا بضرورة حدوث هذه الانتفاضة، إنها دولة داخل الدولة يتم إدارتها من قبل المتطوعين مجموعة من المبادرات المدنية التي يمكن أن تلهم أكثر الناس تشاؤما بقدرات البناء والإبداع والدعم الموجودة داخل السودان إذا أطلق لها العنان وسمح لها بالازدهار).

ومن الدبلوماسيين الذين زاروا الاعتصام أيضاً السفيرة الهولندية “كارين بوفن”، حيث التقطت لها صورة وهي تخضع للتفتيش عند الترس، حيث يقوم متطوعون ومتطوعات بتفتيش الداخلين للاعتصام دون استثناء لحماية المحتجين.
ونشرت السفيرة صور زيارتها للاعتصام، عبر حسابها على تويتر وكتبت: (خالص إمتناني لمنظمي الاعتصام الذين سهلوا زيارتي الأولى له، لقد تحدثت مع الرجال والنساء والشباب، أعجبت بمدى احترافيتهم وشجاعتهم وصبرهم ومثابرتهم).
دبلوماسيون غربيون كثر زاروا الاعتصام أمام القيادة ورسم بعضهم علم السودان على وجوههم.. ووقفوا مستمعين لأركان النقاش وحوارات الشباب، بل إن عدسات الكاميرات التقطت صوراً لسياح وسط الثوار وضباط الجيش.
ظل الدبلوماسيون العرب والأفارقة بعيدين عن ميدان الاعتصام ربما لتركيزهم على قياس التقاطعات السياسية بعيدا عن الأرض، في وقت خطا أقرانهم الأمريكيون والأوروبيون خطوات واسعة في إطار الدبلوماسية الشعبية واستطاعوا أن يتناغموا مع بساطة الحاضرين هناك، ليختلطوا بالمشهد ويكونوا حاضرين لحدث فريد من نوعه يثري بمشاهده وتفاصيله خبرات كل من لامسه.
أرسل الدبلوماسيون رسائل ذكية للمواطنين المعتصمين هناك والسياسيين والعسكريين كما وضع الثوار من جانبهم رسائل نابهة مليئة بتقدير الذات والآخر وقبل ذلك الوطن بالمقابل.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية