شهادتي لله

ويحدثونك عن (المدنيين) !!

ما حدث من عِراك بالأيدي والكراسي أمس في قاعة الصداقة ، بين ممثلي أحزاب سياسية ، لا وجود لها في أرض الواقع ، غير (قاعة المصارعة) ، يشبه تماماً ما حدث في صالة المغادرة بمطار الخرطوم من مئات المعتدين على المواطن “حاج ماجد سوار” المغترب بدولة الإمارات العربية المتحدة ، ولا يختلف المشهد كثيراً عن صور احتلال عشرات الشباب لمكاتب الكهرباء في أم درمان والخرطوم ، و(التبطح) في مكاتب الإدارات والاستجمام تحت مكيفاتها ، احتجاجاً على قطوعات الكهرباء . ولا تختلف الصورة عن واقعة محاصرة العشرات من الشباب الثائر لمحل قطع غيار بالمنطقة الصناعية بالخرطوم تحفزاً للفتك بالشيخ “محمد مصطفى عبدالقادر” الذي سخِر من المعتصمين (بلسانه) ، لا (بضراعه) ، ولولا أن حررته من الحصار الشرس (قوة خاصة) من الجيش ، لكان اليوم في عداد قتلى الثورة !!
و(الركشات) صارت تعبر الكباري على عينك يا بوليس ، وضباط البوليس أصبحوا (ثواراً) يتظاهرون ويضربون عن العمل ، وأفراد من العوام تولوا مهمة تنظيم حركة المرور في الشوارع ، مستعرضين عضلاتهم في أسبوع المرور العربي !
كلها مظاهر متعددة في أماكن مختلفة ، تؤكد حالة واحدة هي الفوضى العارمة ، وليس غيرها .
كل هؤلاء (المُتنمِرين) العُدوانيين من كافة الأطراف والأطياف ، لم يحلوا على الخرطوم فجأةً بعد الثورة قادمين من غابات استوائية ، بل كانوا فيها موجودين ، يعيشون بيننا بكل أدب وهدوء واحترام ، فما الذي تبدّل ؟!
تبدّل النظام ، فعدنا بلا نظام !!
تعروا جميعاً ، فبانت سوءاتهم ، أحزاب ثورة تعجبها هذه الفوضى و لم تُدنها يوماً ، ثم هي تتصارع على وثيقة غير دستورية ، وعلى صلاحيات ومجلس السيادة وسلطات مجلس الوزراء ، وعدد مجلس النواب ، ومَن يحق له المشاركة ومن لا يحق له المرور بالقرب من هذه المجالس ، حتى قبل تكوينها والاتفاق على شاغلي مقاعدها !
وأحزاب أخرى وهمية تزيد عن (المائة) حزب ، شاركت في الحوار الوطني في جلسات ساخنة وباردة امتدت لشهور متطاولة في ذات القاعة التي تحولت أمس إلى حلبة للمصارعة ، لماذا لم يستخدموا الكراسي سيوفاً ودروعاً من قبل ، وهي ذات الكراسي وذات الرجال !!
الأمر ليس مؤامرات دولة عميقة ، ولا هي تمثيليات (أمن شعبي) ، فالدولة العميقة لا علاقة لها بالركشات ولا مصلحة لها في عبورها الكباري ، والدولة العميقة لم تحمل معتصمين من القيادة إلى المطار لضرب المسافرين من (الكيزان) دون ذنب جنوه ، سوى أنهم (كيزان) !!
يجب أن نعترف أننا شعب رعوي ، فينا الكثير من البداوة الرافضة للمدنية والنظام ، يقود الواحد منا سيارة قيمتها ثلاثة مليارات جنيه ، لكنه لا يُحسن السير بها في الطريق وفق قانون المرور ، يتسكع كما الراعي في الخلاء وأذنه على الموبايل وسيارته في المسار الأيسر ، فيضطر المُسرع للتخطي في المسار الأيمن ، نوقف سياراتنا بعبث ، لا يهمنا فسح المجال لخروج سيارة أخرى ، هو سلوك الناس في البوادي ، تغيرت الملابس والدواب ولم يتغير السلوك .
تنفيذ القانون بصرامة وحسم هو الذي يصنع الفرق بين العيش في الغابة والسكن في المدينة .
الأمر لا علاقة له بثورة أو نظام شمولي ، فالمفروض أن الثورة تقود الشعب نحو مدنية أرقى ، لا غابوية أسفل .
أحزاب الثورة تطالب المجلس العسكري بنقل السلطة كاملة لـ(المدنيين) ! أين هم المدنيون يا قوى الحرية والتغيير ؟! أليس هم أولئك الذين أشرنا إليهم آنفاً وهم بعض من أحزاب الحرية .. حرية النمور في الغابة ؟!
ألجموا هذه الخيول الجامحة يا جنرالات المجلس العسكري ، بالجيش ، بالشرطة ، فإن ما يجري في البلاد اليوم يسيء لتاريخ وعظمة وانضباط القوات المسلحة السودانية .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية