حوارات

أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، بروفيسور “عصام عبد الوهاب بوب” في حوار متطلبات المرحلة مع (المجهر)‬

*‫الفساد ‬سرطان تغلغل في كيان الأمة وأصبح علاجه مستحيلاً إلا بالاستئصال الكلي العميق


*‫إذا أردنا إصلاح اقتصادي حقيقي وتأسيس سودان جديد فلابد أولاً من استرداد الثروات القومية ورفع شعار (رد المظالم‬)
*‫لابد من التصالح مع الشعب السوداني .. فالإصلاح الاقتصادي يشمل الإصلاح السياسي والاجتماعي‬
*‫نعاني جميعاً من بطء مميت في خطوات التغيير والإصلاح .. فالموسم الزراعي الصيفي على الأبواب .. فماذا فعلنا بشأنه؟‬ 
محور التمكين والتهميش والإرهاب الفكري أدى إلى إقصاء الأغلبية الصامتة ووضعها في قوقعة المتفرج

‫حوار ـ رقية أبو شوك‬

‫الوضع الاقتصادي مازال متأزماً، فالبلاد في انتظار إعلان الحكومة المدنية وتشكيل حكومة الكفاءات، ومن ثم إصدار السياسات المالية والنقدية التي تساهم بطريقة أو بأخرى في الإصلاح الاقتصادي، فالمرحلة الراهنة بحاجة إلى وضع رؤى وسياسات واضحة للخروج من الأزمة الاقتصادية والتوافق والاتفاق على هذه الرؤى ‬
‫إذاً لابد من الإسراع في وضع السياسات التي تعين للخروج من الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعيشه البلاد، مع الوضع في الاعتبار الاستعانة بآراء الخبراء الاقتصاديين الذين هم كثر، وذلك حتى تتكامل الأدوار والاتفاق على إستراتيجية اقتصادية تؤدي إلى الإصلاح‬
(‫المجهر‬) ‫في إطار بحثها للحلول الاقتصادية من هنا وهنالك، وضعت أمام أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية المعروف بروفيسور “عصام عبد الوهاب بوب‬”‫ العديد من الأسئلة والتي تتضمن متطلبات المرحلة الحالية للعبور بالاقتصاد السوداني إلى بر الأمان، وكيف يمكن اجتثاث الفساد وكيف يتم الإصلاح الاقتصادي وغيرها من الأسئلة .. وكانت هذه الإفادات التي نتمنى أن تكون خارطة لطريق الإصلاح الاقتصادي‬: ‬
*في نظرك ماهي أهم متطلبات المرحلة الراهنة في المجال الاقتصادي خاصة وأن البلاد تشهد تغييراً في جميع المستويات؟
هذا سؤال في موقعه الصحيح.. اعتقد أن أهم المتطلبات خلال المرحلة الحالية هو ضرورة وجود توافق بين السُلطات الحالية، وتشكيل حكومة بأسرع ما يمكن، فهذا أمر شائك، حيث لا يوجد توافق عليه اليوم، سبق أن كتبت عن ضرورة الإسراع بانتخابات عامة، وذلك حتى يتم تكوين وتشكيل حكومة تولد من رحم الأمة السودانية، فهذا هو الوضع الطبيعي الذي يمكن من خلاله إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية.
* في رأيك ماهي أهم هذه الإصلاحات؟
نعم، أول الخطوات في الإصلاحات الحقيقية، هو استرداد الثروات القومية، وهذا لابد أن يتم عبر إجراءات واقعية بالتعاون مع الدول المعينة، ولكن لا يمكن القيام به تحت مجموعات لها مصالح، نحتاج أيضاً لمراجعة كل ما سبق واسترداد حقوق الشعب ورفع شعار (رد المظالم)، فبدونه لا يمكن تأسيس سودان جديد ولا يتم إجراء إصلاحات حقيقية، فالإصلاح الاقتصادي يحتاج لإرساء العدل والنظم ‪Justice and‬ ‪Order‬
* الإصلاحات قد تتحقق خاصة بعد حدوث التغيير الذي حدث بالبلاد؟
أين هو التغيير الذي ذكر، مازالت كل المؤسسات السابقة في مواقعها، نعاني جميعاً من بطء مميت في خطوات التغيير والإصلاح، الموسم الزراعي الصيفي على الأبواب، فالزراعة هي دعامة الحياة الاقتصادية في البلاد، ماذا فعلنا لدعمها؟ مدخلات الإنتاج أسعارها مرتفعة جداً والوقود كذلك، ولا يوجد تمويل، اعتقد أن التغيير الحقيقي هو أهم المتطلبات المطلوبة للإصلاح الاقتصادي وهو ما لم يحدث بعد.
*كيف يمكن أن نعبر بالسودان إلى بر الأمان في ظل الراهن الذي نعيشه؟
من أهم المتطلبات لعبور السودان إلى بر الأمان، وهو وجود وفاق سياسي، لا يمكن أن تستمر هذه الخلافات السياسية والفوضى، فلابد من وجود شفافية على كل المستويات، الحكومة المدنية هي مطلب أساسي، ولكن لا يعني ذلك أن حكومة تشكلها القوى السياسية ستجلب إصلاحاً اقتصادياً أو سياسياً، كتبت كثيراً في الصحف عن ضرورة وجود حكومة انتقالية ولكنها تتشكل من التكنوقراط أو ما اعترفوا عليه بـ”الكفاءات” وهي ترجمة غير دقيقة، الأساس أن تكون مشكلة من فنيين، ليس لهم علاقة بالسياسة ولا ينتموا لأي جهة سياسية، فهذا يتنافى تماماً مع ما يحدث اليوم من صراع بين أطراف عديدة.
*فالأطراف الحالية تتحدث عن تكوين سُلطة تنفيذية وسياسية وتشريعية، فهذا غير صحيح على الإطلاق لأن هذه السُلطات لابد أن تتشكل عبر انتخابات حُرة وممثل من كل الشعب، فكيف يمكن وضع سُلطة تشريعية من أفراد غير منتخبين؟
اعتقد أننا نسير في طريق خطأ وإن الإصلاح الاقتصادي لا يتعدى تنفيذه ما يقال من خطب سياسية من كل الأطراف، ويجب على السودان أن يتغير، وهذا التغيير لا يمكن حدوثه إلا من الداخل “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
*في نظرك هل الفساد من أهم أسباب الأزمة الاقتصادية؟
لا يخرج رأيي عن رأي المواطن العادي، إن أهم أسباب الفساد هو السلطوية والتمكين، هذا ما أراه ويراه المواطن السوداني، ولكني أضيف أن تهميش الكفاءات السودانية بسبب بعدهم عن الانتماء السياسي كان أيضا من الأسباب القوية للانهيار الاقتصادي، فمحور التمكين والتهميش والإرهاب الفكري أدى إلى إقصاء الأغلبية الصامتة ووضعها في قوقعة المتفرج.
*إذاً كيف يمكن أن يحدث إصلاح اقتصادي؟
لابد من التصالح مع الشعب السوداني، لأن الإصلاح الاقتصادي يشمل الإصلاح السياسي والاجتماعي، فرد المظالم هو أحد المعالم الأساسية للإصلاح الاقتصادي، وبدونها لن تكون هنالك حياة طبيعية للبلاد.
* هل تعتقد أن الحصار الاقتصادي كان له أثر على الأداء الاقتصادي؟
بطبيعة الحال كان للحصار الاقتصادي أثر كبير على الأداء الاقتصادي في البلاد، وقد قابله النظام السابق بعنترية وليس بواقعية، ولكنه انعكس أيضاً على الاقتصاد السوداني بآثار مدمرة، وهذا الوضع خلق أسواقاً (موازية) و(سوداء)، وظهرت كذلك المضاربات في كل شيء، وخلق أيضاً طبقة مستنفعين، تطورت إلى مفترسات استولت على ثروات البلاد واحتكرت عوامل الإنتاج، من رأس مال وأرض وتمويل، وخلق نمط رأسمالي متوحش.
*الفساد .. كيف يمكن اجتثاثه ؟
الفساد.. كلمة أصبحت تتردد على لسان الجميع، وهو الوعاء الجامع لكل الموبقات التي أصابت الأمة السودانية، فمجرد التلفظ بالكلمة لا يعني معاني لوصف حقيقة تجذرها في السُلطة أو في المجتمع السوداني وهي سرطان تغلغل في كيان الأمة وأصبح علاجه مستحيلاً إلا بالاستئصال الكلي العميق.
*كيف يكون العلاج واجتثاث السرطان؟
فلا يمكن أيضاً أن نتحدث عن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع وجود هذا الفساد المؤسسي المقنن، واعتقد أن تحقيق العدالة الاقتصادية ترتبط برد المظالم، والتي شملت مصادرات أهم عوامل الإنتاج وهو ما فعله النظام السابق بأسوأ نطاق ممكن، على أن نبدأ ذلك أيضاً بمراجعة وإلغاء كل الأحكام القضائية التي صدرت من العام ١٩٨٩م ، وحتى آخر يوم في حياة النظام السابق، فمن السذاجة بمكان أن تعتقد أنه يمكن الإصلاح الاقتصادي، والفساد مازال في ركائز الأمة، ومن السذاجة أيضاً أن نتجاهل رد المظالم التي لحقت بأبناء الأمة.
*ثم ماذا؟
أيضاً لابد من ضرورة مراجعة التسهيلات التجارية والزراعية والصناعية التي كانت تمنح لمن هو مقرب من السُلطة، والتي كان لها أثراً كبيراً على ما يحدث من احتكارات ومحسوبية على حقوق المواطنين، سواء بالتلاعب بأسعار السلع أو المضاربات بأسعار النقد الأجنبي، بل وصلت أيضاً إلى حالة انعدام السيولة حتى أصبح الحصول على سيولة لتدبير المعيشة أو شراء الاحتياجات أصبح تجارة، وظهر سعران مختلفان لكل العُملات.. سعر (الكاش) وسعر (الشيك)، فهذا وضع اقتصادي غريب ويعود إلى الفساد.
*في إطار حديثك عن الإصلاح الاقتصادي أشرت إلى السيولة وانعدامها التي مازالت قائمة.. فكيف يمكن أن نعيد الثقة للجهاز المصرفي ويتم إيداع الأموال بالمصارف عبر عملائها؟
هذا ليس موضوعاً جديداً وقد سبق لي الحديث عنه بمقالات مطولة، طالبت حين ذلك، وأكرر طلبي اليوم بضرورة إعادة هيكلة المصارف السودانية، بلا استثناء وإعادة ترتيبها على أسس مبنية على الكفاءة والخبرة وليس المحسوبية والولاء، شاهدنا أمثلة كثيرة لإدارات تنعدم فيها الخبرة والمعرفة.. ليست المعرفة الواسعة ولكن تفتقد حتى الأساسيات.
*في نظرك ماهي متطلبات إعادة الهيكلة في المصارف السودانية؟
لابد أولاً من حصر أصول الموجودات في المصارف ثم إعادة تشغيلها بإدارات جديدة، وهذا أمر يحدث في كل العالم وبصورة دورية، لابد كذلك من إعادة النظر في كيفية تصرفها في أموال المودعين ومخصصات إداراتها، على أن تصدر تقارير يومية وشهرية وسنوية عن أدائها وربطها بصورة كاملة مع المحول القومي للنقود ومع بنك السودان المركزي الذي لابد أن يكون له رقابة تامة وصلاحيات قانونية لمحاسبة كل من يرتكب خطأ، هذا أيضاً يرتبط بإدارة أقسام تقييم المخاطر والتمويل، حديثي يتركز عن أهمية رقابة شاملة من بنك السودان هذا وإن كان موجوداً حتى وإن كان بصورة جزئيا، معناه أننا يجب أن نعيد هيكلة البنك المركزي نفسه وبنفس طريقة إعادة الهيكلة ولكن بصورة أكثر صرامة وتشدد.
* المجلس الانتقالي وعد بمراجعة الدولار الجمركي.. الذي أدى تحريكه إلى (18) جنيهاً بدلاً عن (6.9) إلى الارتفاع الحاد في الأسعار الذي تعانيه البلاد حتى الآن؟ وما مدى انعكاس مراجعته على العملية الاقتصادية؟
نعم وعد المجلس العسكري الانتقالي بمراجعة الدولار الجمركي، وهذا أمر جيد لأنه ارتفاعه يرفع من تكلفة السلع المستوردة، وهذا الارتفاع يقع مباشرة على المستهلك وعلى القطاعات الإنتاجية كافة، كما أن وضع قيمة للدولار الجمركي يرتبط بعدة متغيرات اقتصادية حيوية، ولابد من حسابه كمعادلة رياضية توضح القيمة ذات الكفاءة العالية والتي تكون معلومة، ولكن للأسف مازال الاقتصاد يعامل بطريقة عشوائية.
* وأخيراً مازال هنالك انفلات في الأسواق والأسعار؟
ارتفاع الأسعار أمر طبيعي ومتوقع مع وجود احتكار للاستيراد تم خلقه من خلال منظومة التمكين والمحسوبية، جزء منها كان عبارة عن عمليات مشاركة بين أفراد وتجار، وآخر كان مكافآت الولاء، ولكن جلها كانت نقل لرؤوس الأموال من تجار الاستيراد القدام إلى طبقة جديدة، لم يكن هذا فقط بل انتقلت أسواق الاستيراد من الدول الغربية إلى الشرق والبضائع الجيدة إلى تلك الرديئة، وارتفعت الأسعار أيضاً من فواتير مغالي في أسعارها واقترنت مع التضخم المتوحش وارتفاع سعر الدولار بسبب مضاربات تجار العُملة الحُرة، وكانت هناك قبل العهد السابق نسبة ١٥% عبارة عن أرباح قانونية على سعر السلعة الأساسي، وهذا كان بمثابة صمام أمان للمستهلك ليحميه من سوق متوحش يبتلع أمواله، ولكن انفلت هذا النوع الذي يحمي المستهلك، وكما أعلن وزير مالية سابق أنه اقتصاد السوق وهو حُر، ولكن هذا لا يحدث في أقوى الدول المطبقة للنظام الرأسمالي، بل توجد هناك ضوابط للتجارة.
فبطبيعة حال حُرية الاقتصاد أن يكون باب التصدير والاستيراد مفتوحاً لكل مواطن تنطبق عليه الشروط التي يحددها القانون ولكنه هنا غير حقيقي، فالسودان اليوم في حالة فوضى اقتصادية.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية