تقارير

الأزمة السياسية بين الحرية التغيير والمجلس العسكري أرضية خصبة لنمو العمل المضاد

بعد تحذيرات "المهدي"

الخرطوم الطيب محمد خير
حذر رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” من أن السودان قد يواجه انقلاباً مضاداً من قبل الأجنحة المتشددة في حزب المؤتمر الوطني بالتعاون مع حلفائها في الجيش، مستغلين حالة عدم اليقين في البلاد بسبب فشل المجلس العسكري والمعارضة في تحقيق تقدم في المحادثات والتوصل إلى اتفاق بشأن تسليم السلطة. وأكد “الصادق المهدي” بحسب وكالة رويتر أن محاولة القيام بانقلاب مضاد هي الأكثر احتمالاً بالنسبة له لجهة عقلية التآمر متأصلة لدى قيادات وكوادر المؤتمر الوطني وهي مجموعة متمرسة في التآمر ويمكن أن يتآمروا في أي وقت.
وظلت تطورات الأزمة السياسية التي طال أمدها، أكملت شهراً ودخلت شهرها الثاني بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي بمتوالية متسارعة رغم التنازلات التي قدمها المجلس العسكري بإقالة ثلاثة من أعضائه أبرزهم رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الفريق “عمر زين العابدين” بجانب نائب رئيس جهاز الأمن السابق الفريق “جلال الدين الشيخ” والفريق شرطة “الطيب بابكر” استجابة لمطالبة قوى الحرية والتغيير التي شككت في انتمائهم لحزب المؤتمر الوطني، غير أن سحابة الخلاف لم تنجل رغم الاتفاق بين العسكريين والمدنيين على تشكيل لجنة لحل الخلافات في ظل توترات وإصرار قوى الحرية والتغيير على تسليم السلطة للمدنيين، مع تمثيل صوري للعسكريين في المجلس السيادي، وتطور الأزمة لتبادل الاتهامات بعد إعلان المجلس العسكري أنه توصل لاتفاق مع قوى الحرية والتغيير لفتح المسارات والكباري، الأمر الذي سارعت قوى الحرية والتغيير بنفيه واتهمت المجلس العسكري بالالتفاف لفض الاعتصام ودعت لمليونية جديدة وهددت بقيادات المظاهرات التي بدأت في بعض أحياء العاصمة والأقاليم غير أن المجلس العسكري رد بأن القوى المدنية غير ثابتة على أجندة ومطالب واحدة بل متغيرة.
وآخر التطورات أعلنت قوى الحرية والتغيير عن تسليمها المجلس العسكري وثيقة اعتبرها البعض بمثابة دستور للفترة الانتقالية رسم خارطة صلاحيات ومهام الفترة الانتقالية غير أن هذه الوثيقة وجهت بالرفض والانتقاد من قبل بعض القوى السياسية التي ترى أن قوى الحرية والتغيير غير مفوضة لرسم معالم الفترة الانتقالية وهي تصر على إقصاء الأحزاب غير الموقعة على وثيقتها التي تصر على أنها بمثابة تفويض ارتضته ساحة الاعتصام، الأمر الذي جابه صراعاً جديداً بين قوى الحرية والتغيير ونظيراتها من القوى السياسية التي ترفض مشاركتها في الفترة الانتقالية.
ويؤيد مراقبون ما ذهب إليه زعيم حزب الأمة “الصادق” في تحذيره من حدوث انقلاب مضاد في المشهد السياسي الذي يبدو مرتبكاً في عدم التعاطي من قبل المجلس العسكري مع مطالب قوى الحرية والتغيير التي تصر على أنها تمثل المعتصمين في مقدمتها تشكيل حكومة مدنية انتقالية.
وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السابق الفريق “محمد بشير سليمان” لـ(المجهر) أن تنبؤ “الصادق المهدي” وتحذيراته التي أطلقها من أن الثورة الشعبية قد تواجه انقلاباً مضاداً، قائلاً إن هذا التحذير من “المهدي” سليم ومتوقع حسب المعطيات المتوفرة في المشهد السياسي التي قرأها خبرته السياسية الطويلة في معترك العمل الوطني.
ونبه الفريق “محمد بشير”، إلى تحذيرات “المهدي” إشارة واضحة إلى وجود عدد من عضوية المؤتمر الوطني لا يزالون طلقاء ولم يتم اعتقالهم وهم يبحثون عن وسيلة ليفلتوا من المحاسبة والعقاب، لذلك سيلجأون لكل الوسائل لتأمين أنفسهم بما فيه العمل المسلح بالانقلاب المضاد، ولاسيما في ظل هذه البيئة السياسية المهتزة والمضطربة أمنياً وقابلة لدخول عناصر متطرفة من المؤتمر الوطني وتكرار ذات المشهد الذي حدث للثورات التي حدثت في محيطنا وتمت مواجهتها بالاحتواء والعمل المضاد.
وأشار الفريق “محمد بشير” إلى أن تحذيرات المهدي تظهر أن الثورة لا تزال في المربع الأول ولم تنجز المهام المنتظرة منها في المجال السياسي ولا يوجد مؤشر يمنح الأمل في الخروج من دائرة الأزمة لملء الفراغ الدستوري نتيجة لعدم ثبات العلاقة بين قوى الحرية والتغيير، ما صعب عملية التوافق بينهما للانتقال السليم للمرحلة الانتقالية، مشيراً إلى أن الزمن يمضي وأن الإصرار على الاعتصام لن يخلو من مهددات للسودان، في مقابل الصراع الذي تفجر بين قوى التغيير وبعض القوى السياسية التي أحست أنها تم إقصاؤها من المشهد رغم أن الثابت تاريخياً يصعب حكم السودان لقوى سياسية واحدة.
ولم يستبعد الفريق “محمد بشير” في ظل هذا الوضع المتأزم حدوث الانقلاب لجملة الأسباب في مقدمتها حالة السيولة الأمنية وعدم الاستقرار وأخطرها وجود ضباط بالقوات المسلّحة غير راضين عن ما يحدث من إضعاف لهيبة المؤسسة العسكرية من هجوم واستفزاز لرمزيتها. وزاد: الانقلاب وارد أيضاً من قوى خارجية لها أذرع داخل الدولة السودانية ويكون الانقلاب لصالحها وليس لمصلحة السودان.
وحذر الفريق “محمد” من أن هذا الاستفزاز سيخرج المؤسسة العسكرية من دائرة تأييد الثورة والاتجاه للحافظ على هيبتها وعدم احترامها، لأن المعروف أن أي جيش لا يقبل الاستفزاز والاستهانة به وهذه ذريعة لسيناريو حدوث انقلاب من داخل المجلس العسكري بذريعة رفض عمليات إضعاف المؤسسة العسكرية.
ودعا الفريق “محمد بشير” قوى الحرية والتغيير للابتعاد عن عملية الإقصاء وحصره في جانب حماية الثورة من الاختراق وتجاوز الانفعالات والتصنيفات التي بدأت تظهر وعلى الجميع أن يتذكروا أن القضية الوطنية تحتاج لجمع الصف لا تفريقه وهذا مالا أراه مثبتاً في الوثيقة التي طرحتها قوى التغيير كدستور للفترة الانتقالية الذي لم يختلف عما كان موجوداً سابقاً من قبل المؤتمر الوطني، ولا يمكن أن يقبل الآخرون بأن يبصموا على ما تريده وهم ينتظرون سوداناً جديداً ديمقراطياً.
من جانبه استبعد المحلل السياسي د.”عبد الرحمن أبو خريس” حدوث انقلاب ثالث يقوم به المؤتمر الوطني، وقال لـ(المجهر) إن قيام المؤتمر الوطني بانقلاب أمر يصعب الإقدام عليه ومستحيل في الوقت الحالي، باعتبار أن المؤتمر الوطني حزب أثبت فساده وفشله في إدارة الدولة لذلك يصبح من الصعب أن يعود مجدداً للمحاولة لاستلام السلطة وقيادة الدولة ، إلا في حال غيّر جلده وصعد بقيادات جديدة.
وأشار د. “أبوخريس” إلى أن أبرز الشواهد في استناده على استحالة حدوث انقلاب مضاد كما توقع “الصادق المهدي” قائلاً إن المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي لن يسمح بقيام انقلاب بخلفية إسلامية سواء بقيادة متشددة أو معتدلة، بل إن صفوة القرن ترفض وصول الإسلاميين للحكم حتى عبر الديمقراطية مدللاً على ذلك بما حدث لـ”مرسي” في مصر .
ويستند د.”أبو خريس” في عدم تأييده لما ذهب اليه “المهدي” في تحذيرات بقوله إن المتشددين من المؤتمر الوطني في حال قيامهم بأي انقلاب لن يكون له تأثير خارج أسوار القيادة العامة لأن حاضنتهم الاجتماعية ضعيفة وليست لديهم قاعدة جماهيرياً .
وأضاف د.”أبوخريس” ، لكن في ظل هذا التوتر المتصاعد لا أستبعد حدوث خلافات سياسية عسكرية بين قوى الحرية والمجلس العسكري قد تؤدي لمواجهات عسكرية داخل الخرطوم بسبب الحشد والتعبئة التي تمت من قبل قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين لكوادرهم السياسية والعسكرية بالدعم الذي وجدته من الحركات المسلحة ويمكن هذا الحشد والتعبئة للشباب بأن ثورتهم قد سرقت بداية نواة لعمل غير مدني .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية