المدير السابق لمعهد دراسات السلام بجامعة جوبا “لوكا بيونق ” في أول حوار له بعد طرده مع (المجهر) –(2-2)
*المحور الاقتصادي بين جنوب السودان، وإريتريا وإثيوبيا لن يستوي إلا بضم السودان .
*الراحل “جون قرنق” أدى القسم على كتاب الإنجيل خاصته لشكوك ساورته، ولم أكن من المقربين له.
*مشروع أسلمة المجتمع الذي طرحته الإنقاذ أفشل الإسلام السياسي ، ولم يفشل ويسقط الإسلام كدين
*الحركة الشعبية طاردتها لعنة التحرر، والخلافات التي انتاشتها، لجهة تكوينها المبني على العسكرية.
حوار- فائز عبد الله
الحركة الشعبية رفضت مبدأ الأسلمة التي طرحتها الإنقاذ على مستوى القوانين والمجتمع، ما هي مخاوف الحركة من ذلك؟
مشروع أسلمة المجتمع الذي طرحته الإنقاذ ،أسقط الإسلام السياسي ولم يسقط الإسلام الدين، بسبب الطريقة التي تمت بها إدارة التنوع في السودان، وأدى ذلك إلى انفصال الجنوب لتمسك الحركة الشعبية من العام 1956م بمبدأ الفيدرالية، ومشروع السودان الجديد ناقش هذه المسائل التي تتعلق بالدين والمعتقدات والتنوع.
لماذا فشلت اتفاقية أروشا؟
اتفاقية (أروشا) في العام 2015م حاولت معالجة الخلافات بين فرقاء الجنوب، والصراع بين القيادات السياسية، ومسالة الديمقراطية. والآن القضايا الخلافية والصراعات موجودة بداخل الحركة الشعبية، وهناك احتمال كبير بأن تحاول الحركة الشعبية استقطاب قيادات للمشاركة في الحكومة الحالية. وذات العقلية الموجدة في الحكومة هي التي نسفت الاتفاقية، وإذا لم يتوفر الالتزام بروح اتفاقية (أروشا) ستكون ذات الخلافات والأزمة موجودة في الجنوب.
يقال إن السيد “لوكا بيونق” هو الابن ومن المقربين لزعيم الحركة الشعبية الراحل”جون قرن”…؟
الأمر ليس كذلك ،لم أكن من المقربين لدكتور “جون قرنق”، وكان عندي فرصة بأن أكون من المقربين لـ”جون قرنق”؛ فقد كنت في سكرتارية الحركة الشعبية وضمن وفد المفاوضين في اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م (نيفاشا) وصاحبت “جون قرنق” في جميع المحادثات التي تمت بينه وبين “علي عثمان محمد طه”، وأيضاً كانت لدي فرصة أن أكون من ضمن الفريق الذي أرسله “قرنق” إلى الخرطوم للتمهيد للمفاوضات.
ما هي المواقف التي تتذكرها ..؟
أتذكر أنه حين وصلنا إلى الخرطوم، وفي الطريق إلى أداء القسم 9 يوليو من العام 2005م ،التقيت بعدد من قيادات المؤتمر الوطني منهم النائب الأول السابق”بكري حسن صالح” للرئيس السابق “البشير” وتحدثنا عن بعض التفاصيل حول أن زعيم الحركة الشعبية “جون قرنق” سيؤدي القسم غداً نائباً للرئيس، وأبلغته بأنه أثناء وجودنا بالخرطوم أن الراحل “جون قرنق” قال لي نصاً: يا ” لوكا” أنا ماشي أؤدي القسم غداً، على الكتاب المقدس وكان يحمل في يده كتاب الإنجيل الخاص به، ومدوّن عليه اسمه.
ولماذا اختار أداء القسم على الكتاب خاصته؟.
لأسباب متعلقة به وأول مرة أرى “جون قرنق ” يقرأ ويتصفح كتاب الإنجيل صفحة صفحة، وأول مرة أراه يقرأ بهذا التمعن والشعور، وقال لي إنه يريد أن يؤدي القسم على الكتاب المقدس خاصته، لشكوك تساوره ،فذهبت إلى “بكري حسن صالح” وأخبرته بأن “جون قرنق” سيؤدي القسم على الإنجيل الخاص به.
ماذا حدث بعد أداء القسم…؟
دخلنا في مراسيم أداء القسم وذهبنا إلى رئيس القضاء وكان يقف بجانب الرئيس “البشير” وقلت لهم إن “جون قرنق” لا يريد أن يؤدي القسم أمام الرئيس “البشير”، بل أمام رئيس القضاء لجهة أن اتفاقية السلام الشامل تنص على ذلك.
هل ثمة وصايا تركها الراحل “قرنق”؟
لم تكن هناك وصايا ولكن “جون قرنق” كان شخصاً دقيقاً جداً في كل التفاصيل .
فشل مشروع السودان الجديد برحيل “جون قرنق”…
مشروع السودان الجديد لم يكن محصوراً في موضوع الكنائس والإسلام في السودان، بل كان مشروعاً للمواطن وأن نحترم أعرافنا والتنوع الموجود، ولأول مرة أرى مواطناً جنوبياً هو “جون قرنق”، يخلق ثورة فكرية في تكوين السودان بطريقة مختلفة و”جون قرنق” تخطى القوانين التعسفية واللونية والرجعية وانساب بحلم جديد هو (مشروع السودان الجديد) تحت راية السلام وتحقيق العدالة بين الإسلام السياسي وحرية الأديان .
وأنا عشت مع السودانيين ولا تتخيل الصداقة التي ربطتني بالأشقاء في السودان، والراحل “جون قرنق” كان صادقاً في خلق سودان جديد، وأنا تأثرت بـ”قرنق”.
لماذ فشلت الحركة الشعبية في التحول من حركة تحرير إلى حزب سياسي…؟
دائماً في جميع دول أفريقيا يقال إنها “لعنة” التحرير ودائماً نرى أن جميع الحركات بها خلافات داخلية وإذا تحدثنا عن الحركة الشعبية التحريرية فإنها صحت ووجدت نفسها أمام دولة، ودائماً كنا نرى الخلافات الداخلية لأن تكوينها مبني على العسكرية. وهذا أضاف ثقلاً كبيراً لتحويل حركة التحرير الشعبية إلى حزب سياسي بالجنوب. والصراع داخل الحركة بسبب الديمقراطية المفقودة وهذا الشيء موجود في داخل هيكل الحركة.
كيف تقرأ المبادرة التي يقودها الرئيس “سلفا كير” وممثل مجموعة المعتقلين “دينق ألور” لتوحيد الحركة؟
هذه المبادرة كان لها دور أساسي وأنا أتساءل هل سيكون هناك دور أساسي لإحياء اتفاقية (أروشا ) .؟ مجموعة المعتقلين السياسيين تسرعت في تنفيذ اتفاقية (أروشا ) وفي هذه المبادرة تحركت بمعزل عن دكتور “رياك مشار” وأنا أرى أن تطبيق اتفاقية السلام في هذه المرحلة أهم، وإذا كانت القيادات ملتزمة بتنفيذ اتفاقية (أروشا) يجب الالتزام بتطبيق اتفاقية السلام بإرادة سياسية حقيقية كأولوية، وأرى أن القيادات والنخب السياسية في الجنوب تركز على الاتفاقية وتوحيد الحركة الشعبية. إذا كانت القيادات ترغب في تطبيق اتفاقية (أروشا) يمكن أن تتوحد هذه القيادات، ولكن دون عزل “مشار”. وأرى أن مجموعة المعتقلين تلعب دوراً كبيراً في تنفيذ اتفاقية (أروشا) لتوحيد الحركة الشعبية وهي متسرعة في هذه الخطوات، وأرى أن القيادات في هذه الخطوة، والمبادرة تقوم بعزل “مشار” عن توحيد الحركة الشعبية.
كيف تنظر للتحول الاقتصادي في المحور الإريتري الإثيوبي الجنوبي ..؟
دولة إثيوبيا حلت مشكلة الحدود وذهبت إلى إرتريا وقالت نعترف بالتحكيم الدولي لحل الخلافات التي كانت بين الدولتين، وحلت بطريقة سياسية ناجحة، وخلق رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب “أبي أحمد” أرضية سياسية لعلاقات ثنائية قوية، ومعالجة الاختلاف بينهم بسياسة ناجحة وخلق كيان تجارة جديد بين دول المحور(إريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان)، وهذا الكيان الاقتصادي الجديد لا يكون بدون ضم السودان لتأثيره الإقليمي في أفريقيا.
يقال إن “لوكا بيونق” طرد من جوبا بعد إلقائه خطاباً ضد”سلفا كير”…؟
ذهبت إلى جامعة جوبا وقلت لا بد أن يكون هناك تغيير، ولم أكن أرغب في الحديث في السياسة ، وعلى خلفية ذلك قالت قيادات من الحركة في الجنوب: (إنني لست جنوبياً وأصولي ليست في الجنوب)، وهذا حديث لا يعني لي شيئاً وهذه العقلية موجودة وإذا ساد ت في حكومة الجنوب ستؤدي إلى تقسيم الجنوب إذا لم تتخلّ هذه القيادات عن الهيمنة والتفكير بهذه العقلية.
لماذا تم طردك من الجنوب..؟
تعلم أخي أنا عندما قلت الخطاب وتحدثت عن الحكومة تم طردي من الجنوب لهذا السبب لأن النخب عقليتها إثنية وترغب في الهيمنة على الحكم فقط .
تم اتهامك باختلاسات مالية من الحركة الشعبية..
طبعاً قيادات الحركة الشعبية (حيقولوا هذه الشائعات ويقولوا إنو لوكا شال قروش من الحركة الشعبية) أتعلم أنا أسكن في شقة بإيجار شهري (1500) دولار، وأذهب وأركب المترو (2) دولار أعيش حياة بسيطة وأنا قبلت هذه الشائعات لأنني لم آخذ أي قرش من الحركة أو الحكومة. وأيضاً أنا غير مهتم بقولهم (أنا جاي من وين) ولكن ستكون هناك مراجعة فإن وجدت أنني أخذت قرشاً، فلهم الحق في محاسبتي وأنا مستعد لذلك.
هل أجبرت على الاستقالة من حكومة الجنوب أم كانت باختيارك …؟
قدمت استقالتي في 2009م عندما ذهبت إلى “سلفا كير” وتحدثت معه عن أن هناك مجموعة حوله تؤوّل الحديث ولما رأيت أن هناك مجموعة حوله ترى في وجهتها أن تذهب على أساس إثني بدل بناء مؤسسات الدولة قلت لـ”سلفا كير”، بأنه كان مهتماً ببناء وخدمة المؤسسات وبناء الدولة، والآن أرى أن الأمر اختلف، وقلت له: إنني لا أحب أن أخوض في المشاكل وقال سلفاكير اننا في مرحلة حرجة واستقلت من الحكومة، وأيضاً استقلت من مجلس الوزراء في السودان بعد اتفاقية (نيفاشا للسلام) .
ما هي دوافع القرار…؟
لدي شعور بأنه لا توجد إرادة سياسية في الجنوب والحديث الذي قالته الحكومة والمعارضة لم يكن موفقاً، والحديث عن الشح في موارد الجنوب في ظل الأموال التي توظف لشراء العربات وإقامة الاحتفالات، في الوقت الذي يحتاج فيه تنفيذ الاتفاقية إلى تمويل، مع غياب الإرادة كان أحد الدوافع لتغيير الواقع السياسي بالجنوب .
هل هناك مؤشر لتنفيذ اغتيالات بالجنوب..؟
ثقافة الاغتيالات والتصفيات لا توجد في الثقافة السودانية والجنوبية، ولا توجد شرزمة إجرامية لتنفيذ ذلك، بالرغم من التعنت، وتاريخياً في الجنوب لا توجد ثقافة الاغتيالات لكن أنا أرى أنها ستحصل في الجنوب بعد هذه الخلافات.
زيارة الرئيس “سلفا كير” إلى بحر الغزال الكبرى..
زيارة الرئيس “سلفا كير” ونائبه “جيمس واني إيغا”، كانت تحمل خطابات عنيفة جداً وحتى”توماس شيرلوا ” هو من أبناء منطقة الاستوائية و”واني” من نفس المنطقة، فكيف يتعامل “سلفا كير” و”جيمس واني” و”توماس” بهذا المسلك؟، يعني إرسال رسالة إلى كل الجنوبيين مع إغراءات للحرب، هذه الرسالة تحمل الكراهية وعدم الجدية .
هل برحيل “جون قرنق” انتهت الحركة الشعبية…؟
الرجل الكبير في أفريقيا أو القيادة السياسية في أفريقيا تستند على الشخصيات البارزة الوحدوية وستزول الكيانات أو الحركات بعد زوال هذه الشخصيات لأنها ارتبطت به وتأثير
القيادة ينسحب على المؤسسات، وبدل التركيز على الفرد يجب التركيز على بناء المؤسسات، دكتور “جون” كانت له رؤى، وكان يريد بناء المؤسسات وتحويل الجيش الشعبي إلى جيش قومي، وتحويل الحركة من حركة تحررية إلى حزب سياسي وتحويل الخدمة المدنية إلى خدمة جنوب السودان . والحركة جاءت لتاسيس القيادة والناس كانوا جاهزين بعد وفاته احتدم الصراع وبعد موته لم يركز الناس على التوصيات وبناء الدولة والحركة الشعبية، وإذا لم ترجع الحركة إلى مشروع السودان الجديد ستفشل وموت “جون قرنق” خلق فجوة كبيرة للحركة الشعبية.