يبدو أن الضائقة المعيشية مضافاً إليها الأوضاع غير المرتبة الآن سيضاعف من هجرة السودانيين محدودة المدة نحو مصر التي يقصدها الكثيرون في مثل هذا الوقت لقضاء شهر رمضان المعظم منذ أمد، لاعتدال الطقس فيها واستقرار الكهرباء وغيرها من المعينات للحد الذي دفع بالكثيرين لامتلاك شقق فيها، كما أن البعض هاجر إليها مقيماً لاعتبارات عدة، وهذا معلوم للجميع لكن يبدو أن هذه المرة سيضاعف العدد للأسباب آنفة الذكر، فإن كانت الرحلة فقط التي أقلتنا من ميناء حلفا إلى أسوان بلغت (630) شخصاً، وربما أكثر فكم يا ترى سيكون العدد الكلي والرحلات المتعددة التي تسلك الطريق البري لا تنفك تسير بصاتها عدداً مقدراً من الرحلات اليومية، فضلاً عن أن الحجوزات نفسها على كافة النواقل براً وبحراً وجواً لا تتوفر بالأمر الهين وامتدت حتى منتصف شهر رمضان.
(2)
الجميع يعلم تمام العلم أن التعامل مع جمهورية مصر أمر يفرض نفسه بأي من الصور سواء للعلاج أو السياحة أو التجارة أو كمعبر لدول أوربا وخلافه، ومع ذلك يصر البعض ومنذ أمد لتخريب هذه العلاقة من الجانبين المصري والسوداني، كما نعلم أيضاً إن ثمة تقاطعات سياسية شائكة تحدث بين البلدين في عدد من الملفات. وحسناً أن هذه الملفات لم تعرقل في مسيرة العلاقة الاجتماعية بين البلدين بالرغم مما حدث قبيل فترة بين إعلامهما وما حدث من عراك لفظي على وسائط الميديا اعتذرت عنه الدولة المضيفة لاحقاً وهدأت على إثر ذلك الأجواء بينهما.
(3)
لكن ما لا أعلمه حقاً وإنما مجرد تكهنات ومن ثم تساؤلات عن هل يا ترى للتجمع الذي أقامه الشباب أمام القنصلية المصرية وهتافهم ضد رئيس جمهورية مصر “عبد الفتاح السيسي” على خلفية حديث أو مقترح قال به، علاقة بما حدث ولأول مرة في ميناء أسوان عقب وصول رحلة أمس الأول من ميناء مدينة حلفا؟ أم هو إجراء جديد لم نطلع عليه بعد؟ وهو أنه وبعد أن بلغت الباخرة الميناء تعطلت لأكثر من ساعة قبيل أن تجلي المسافرين بحجة الكشف على الكل عبر جهاز يوجه إلى الجبين. وللحقيقة لأول مرة أخضع لهكذا فحص عبر منافذ السفر أو خلافه. لذلك وعقب الفحص عليّ سألت الفتاة التي تجري الفحص عن ماهيته فردت بأنه فحص حرارة (غايتو بلعتها بلا استساغة). هذا الفحص والتأخير أثار كثيراً حفيظة المسافرين وقد تفرقت ثرثراتهم هنا وهناك بينما امتعض البعض وهو يتساءل، ما إن كان ذات الإجراء يوجه إليهم عند المعابر في السودان. فيما اعتبره البعض إهانة بالغة لأنهم سلفاً استوفوا الفحوصات الطبية بموجب كرت الحمى الصفراء.
كذلك ولأول مرة تجمع الجوازات من الشباب تحديداً وبعد أن خضعت للفحص أعيدت إليهم عدا قلة منهم بحسبان أن بها بعض الهنات لم أتمكن من استبانتها وللمرة الثانية حُجز المسافرون عند بوابة الخروج لقرابة الساعتين لأن الشباب رفضوا تقديم أنفسهم بعد إذاعتهم ما اضطرهم أخيراً لتسريح البقية بضمان فتح الجواز وإظهار مكان الختم حتى تتمكن من العبور.
فإن كانت كل تلكم العطلة والإجراءات المتشددة بسبب موقف الشباب الأخير أو حتى بسبب الأحداث التي يمر بها السودان هذه الأيام، نتمنى أن تتسامى السلطات عنها، وفي الوقت نفسه نشكر لحكومة مصر السماح للسودانيين بالدخول لأراضيها كما السابق وفصلها المواقف السياسية عن الاجتماعية ونتمنى من الله مخلصين حفظ السودان وأهله.