رأي

السفير البريطاني يكتب : (حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب)

احتفلت بالذكرى السنوية الأولى لي كسفير بريطانيا في السودان هذا الأسبوع، عندما تقلدت هذا المنصب، لم أكن أتصور أن أجد نفسي في الوضع الذي نحن فيه الآن، شهد السودان (30) عاماً من الحكم الاستبدادي، ثلاثين عاماً من الصراع والانفصال، من القمع والتطرف، من العقوبات والعُزلة، من الفساد وسوء الإدارة، من الفقر والفرص الضائعة، لم يتوقع الكثير من المراقبين بعد هذه الفترة من الجمود وتحطم الآمال أن يكون حصاد حقبة القمع ثورة.
ولكن على الرغم من معاناته، لم يتغير اعتزاز الشعب السوداني بنفسه وكبريائه، وخلال هذا الشهر، عبر قوة إرادة وشجاعة غير اعتيادية، تمكن من الإطاحة برئيس النظام الذي بدا لفترة طويلة أنه لا يمكن المساس به، بدأت الحركة التي أحدثت هذا التغيير منذ أكثر من أربعة أشهر، لكنها وصلت إلى نقطة تحول في (6) أبريل، عندما قام عشرات الآلاف من الناس باعتصامات حاشدة خارج مقر القيادة العسكرية في الخرطوم، طالبين من الجيش التدخل إنابة عنهم للإطاحة بالنظام في (11) أبريل، هذا ما حدث بالضبط، لكن بعد مرور أكثر من أسبوعين، لا يزال الاعتصام سارياً، حيث ما زال الآلاف يخيمون خارج مقر القيادة العسكرية مُطالبين بتسليم السلطة بالكامل إلى الحكم المدني.
زرت موقع الاحتجاج لأول مرة الأسبوع الماضي، إنه مشهد رائع، الطرق المؤدية إلى الموقع ممتلئة بالأشخاص المتجهين ذهاباً وإياباً، عندما تقترب من المنطقة، يتخلل إيقاع الحركة قرع (شباب الجسر): شباب يقرعون بلا هوادة وبإيقاع جاذب على الدرابزين الصلب للجسر لبناء إيقاع من الإلحاح في وجود الحشد.
مستوى التنظيم الذي تم تطويره في الموقع مثير للإعجاب بشكل كبير، حراس يفتشون الذين يدخلون الموقع لضمان الأمن؛ مراكز طبية مجهزة بلوازم الإسعافات والأدوية وأجهزة التنفس الصناعي لعلاج المحتاجين؛ منطقة للفنانين لرسم الجداريات والكتابة على الجدران لإلهام الحاضرين؛ المطابخ والمقاهي المتنقلة لتوفير المرطبات؛ خيام للذين يحتاجون إلى الراحة من أشعة الشمس الحارقة، أركان نقاش للتنوير، فصول دراسية لتعليم الأطفال الموجودين؛ معارض لجرائم النظام السابق لتذكيرنا جميعاً بضرورة حدوث هذه الانتفاضة، إنها دولة داخل الدولة وتتم إدارتها من قبل المتطوعين. مجموعة من المبادرات المدنية وسعي جماعي يمكن أن يلهم أكثر الناس تشاؤماً بقدرات البناء، الإبداع والدعم الموجودة داخل السودان، إذا أطلق لها العنان وسمح لها بالازدهار.
لكن كل هذا في خطر، لأن عدم الاستقرار السياسي الذي يحوم حالياً على المشهد يهدد بتدمير كل ما تم تحقيقه حتى الآن، لم يقم المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس السابق، بتسليم السلطة إلى سلطة مدنية، تخشى قوى الحرية والتغيير وهي الجهة التي تقود المحادثات من أجل الانتقال للحكم المدني، أن يحاول الجيش إحباط الثورة ومنع تحقيق تغيير حقيقي.
لقد كان موقفنا واضحاً منذ البداية بأنه يجب اغتنام هذه الفرصة للتغيير بعد هذه الفترة الطويلة من الحكم الفاشل، لدى السودان فرصة للبدء من جديد لبناء دولة شاملة تتمتع بالسلام، تُقاسم السلطة والثروة، تحمي الحقوق، تعزز الحريات، وتلبي احتياجات الناس، ولكنه بحاجة لاستراحة من الماضي لتحقيق ذلك، بحاجة إلى عقد اجتماعي وسياسي جديد مبني على أساس الموافقة والشرعية وإرادة الشعب.
وقال “ناجي الأصم” من تجمع المهنيين السودانيين (لقد عملنا بجد مع جميع الجهات الفاعلة لتشجيع التوصل إلى اتفاق سياسي يسمح بذلك، لقد تحدثنا مع المجلس العسكري ومع قادة الاحتجاج والأحزاب السياسية والمجتمع المدني للدفع نحو المرونة والحل الوسط، ما هو على المحك مهم للغاية ومن الخسارة محاولة المخاطرة به الآن).
وقال تجمع قوى المجتمع المدني عضو مهم في إعلان الحرية والتغيير، (يبقى المتظاهرون في اعتصامهم ليلاً ونهاراً).
يتم دعمهم بواسطة الوافدين الجدد من أجزاء أخرى من البلاد، اقترب رمضان، لكن لا يبدو عليهم التأثر بذلك، سوف يصومون في الموقع بقيادة النساء والشباب الذين كانوا من أكثر المتأثرين بإخفاقات النظام السابق، إنهم مصممون على المثابرة والبقاء إلى أن يتم استكمال ثورتهم، شجاعتهم والتزامهم مصدر إلهام، وإنه لشرف وامتياز لي أن أكون شاهداً عليها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية