رئيس حزب الامة القومي السيد (الصادق المهدي) في حديث للمجهر 2-2

{ حديثك مؤخراً عن الخلافة ثم نفيك لعدم تحديد موعد للتنحي جعل الناس يتحدثون عن أنك تراجعت؟
– أنا قلت، في السودان الناس ينتظرون القائد بعد أن (يشيخ) أو يموت، وأنا رأى أثناء قوتي أريد تدريب من يكون أهلاً لتولي هذه المسؤوليات.
{ هذا كان بالنسبة للناس بمثابة مقدمة للتنحي.. أليس كذلك؟
– أنا حددت مهمة ولم أقل متى ستكون، وخلال هذه المهمة سأختار هؤلاء الأشخاص وأعمل على تدريبهم. وأي إجراء  ستقرره أجهزة الحزب وليس أنا.. وإضافة لهذه المهمة لديّ مهام  أخرى غير حزبية، أوضحتها بستة مهام، سأعمل فيها وأتطلع أن أتفرغ لها، لكن توقيت متى يكون هذا الإجراء وكيف.. هذا قرار ستتخذه أجهزة الحزب.
{ قلت كوّنت لجنة للنظر في ذلك.. ما هى معايير الاختيار ومن تضم؟
– اللجنة كُوّنت لكن ليس من المصلحة الإشارة إلى من تضم.. وهذه اللجنة ستتولى مسؤولية تحديد الأشخاص في كل أجهزتنا، وهناك أشخاص من خلال عطائهم أثبتوا تأهيلهم وبناءً على ما يملكونه من تأهيل سيتم تحديدهم، ولابد من مراعاة ثلاث (وزنات).
{ مثل ماذا؟
– مثل تعاقب الأجيال، وتوازن الجهوية، والتوازن النوعي.. هذه التوازنات لابد أن تكون حاضرة عند اختيار الأشخاص، وبالتالي سيتم التركيز على الأشخاص الذين ثبت خلال عطائهم أنهم يتمتعون بإمكانات قيادية أكثر من غيرهم.. المدخل الثاني سيكون كيف نحقق مسألة تعاقب الأجيال والتوازن الجهوي والنوعي بالنسبة للرجال والنساء، وهذه المعطيات ستكون في الحسبان.
{ اختيار الشخصيات سيكون بعد التدريب أم قبله؟
– سيكون قبل التدريب، المزارع (لما يجي وقت الحصاد بشوف القناديل الشايلة حبات عيش أكتر يأخذ من هذه القناديل تيراب للموسم الجديد).. هذا هو المقياس.. أنت تختار الناس الذين عطاؤهم أكثر من غيرهم مثلما تكون بذرة القناديل هي الأفضل  أداءً في القيد عند الحصاد.
{ الأمانة العامة لحزبكم واجهتها إشكاليات منعتها من تسمية بعض الأمانات التنظيمية فأين وصلت؟
– فيما يتعلق بالأمانة العامة كانت هناك مشكلة، حيث كان يرى دستور الحزب أن الأمين العام لابد أن يقدم أمانته للمكتب السياسي للمصادقة، فهو يمكن أن يقترح تنفيذياً الأمانة العامة لكن المصادقة تكون عند المكتب السياسي. في البداية الأمين العام عمل مشروعاً لم يُقبل في المكتب السياسي لذلك عمل مشاورات وقدم صيغة أخرى صارت مقبولة، وبناءً على ذلك بدأ في تنفيذ  الأمانة العامة، بعض جوانبها اكتمل والبعض الآخر لم يكتمل  بعد، لكن التصديق على ما قدمه الأمين العام تم، وبذلك تم تخطي هذه العقبة. 
{ هل تمت الموافقة على الذين اختارهم الأمين العام؟
– قلت لك تمت الموافقة، وهناك أشياء هو لم يكملها، لكن ما قدمه معتمد بواسطة القرار الذي تم في المكتب السياسي.
{ تحدثت عن إغراءات عُرضت عليك من السلطة ما شكلها؟
– كل من حكم السودان عرض علينا إغراء.. في آخر أيام الفريق “عبود” أرسل لنا شخصين أحدهما كان اللواء “عبد الرحمن المقبول” ولواء آخر للاتفاق معنا.
{ حول ماذا؟
– الفكرة كانت أنهم مواجهون بموقفين، نحن كقوى سياسية  وقوى الإجماع الوطني، واختاروا أن يتفقوا معنا وأرسلوا هذين اللواءين، لكن نحن رأينا أن يكون الاتفاق مع كل القوى لذلك ضممنا إلينا جبهة الهيئات. وتم التفاوض بيني، كممثل لكل القوى، ونظام الفريق “عبود”.
{ و”نميري”؟
– فيما يتعلق بنظام “نميري” حصل أن أتى في هذه الغرفة ومعه المرحوم “فتح الرحمن البشير” وعرض عليّ المشاركة واقتسام السلطة، وأن أكون نائبه وخليفته، وقلت له، نحن غير مستعدين لذلك لأن هدفنا ليس من يحكم السودان، وإنما كيف يُحكَم السودان فدعنا نتفق على نظام ديمقراطي يوفر للناس حقوقهم وحرياتهم، وفي هذا الإطار يمكن أن نشارك بأية صفة وليس لنا شروط..  لهذا مات الاتفاق.
{ ماذا عن نظام الإنقاذ؟
– الإنقاذ عرضت علينا ثلاث مرات، المرة الأولى بواسطة “حسن الترابي” في 1993م، طلب منا أن نشترك ونوحد كلمتنا في نظام واحد، وكان رأينا أننا غير مستعدين للمشاركة في نظام لا يوفر للمواطنين حقوقهم وحرياتهم، وقلنا إذا أنتم مستعدون  للاتفاق حول نظام الحريات فنحن مستعدون نتعاون، وهذا لم يتم  لذلك ماتت الفكرة.
{ متى كان العرض الثاني؟
– العرض الثاني كان في 1996م، الرئيس بعد انتخابه بواسطة مراسيمهم الدستورية عرض علينا المشاركة بالصورة التي نريدها، وقلنا مستعدون للمشاركة إذا اتفقنا على الدستور الذي يحمي حقوق المواطنين، وأيضاً الفكرة ماتت، لأننا لم نتفق على الدستور، وظل موضوع العروض مستمراً، فعندما عملوا الحكومة العريضة عُرض علينا أن نتفق.. نحن رفضنا لأننا غير مستعدين للاتفاق على حكومة عريضة مهما كان عرضها إذا لم نتفق على نظام الحريات والدستور. وحتى في المرحلة الأخيرة المرتبطة بالمشاركة في الدستور أكدنا استعدادنا للمشاركة لكن وفق أسس محددة.
{ لماذا رفضت العروض الشخصية؟
– دائماً تُعرض عليّ مناصب شخصية، ودائماً أقول إنني لن أشارك في أي عمل تنفيذي رسمي إلا عن طريق الانتخاب.
{ قيل حديثاً.. عرض عليك الإنقاذيون منصب رئيس وزراء.. فما صحة ذلك؟
– لم يُعرض عليّ بهذه الصيغة، لكن كان هناك من يتحدثون عن (فلان) يصلح لذلك، وحتى الآن ما عُرض عليّ كان عبارة عن مشاركات عامة، ولم تصل إلى شيء لأننا كنا دائماً نشترط الاتفاق على كيف يحكم السودان.. أما فيما يتعلق بشخصي فكنت أقول أي عرض سيكون بلا معنى لأنني لن أتولى منصباً ما لم أكن فيه منتخباً.
{ من أي منطلق كنت ترفض المشاركة؟
– هذا كان شرطاً بالنسبة للإمامة نفسها، أن لا أتولى وظيفة إلا بالانتخاب، وهذا معنى (أمرهم شورى)، أي إنسان يتقلد مكانة لابد أن يكون برضى من يقودهم.. هذا الفهم فيه تنفيذ لحديث الإمام “المهدي”، عندما سئل عن من يتولى الأمر قال: (يتولى الأمر من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المؤمنين)..     هذا هو المقياس الذي سأتبعه فيما يتعلق بأي منصب أو مكانة سياسية.
{ ما أن يطل شهر الاستقلال حتى يدخل الناس في مغالطات تاريخية من شاكلة (من حقق الاستقلال؟) وعلى ضوء ذلك هناك حديث عن دور الإمام “عبد الرحمن” و”الأزهري”.. فكيف لا تقرأ هذا التاريخ؟
– السودانيون من قديم الزمان مختلفون، هناك من كان يرى للسودان خصوصية من مروي وكوش وكرمة، ويقول للسودان  عراقة في خصوصيته، وآخرون كانوا يرون أن حياة السودان منسوبة إلى اندماجه في مصر.. كانت هناك نظرتان في التركيبة السودانية، بعضهم ينطلق من الخصوصية، وبعضهم ينطلق من الارتباط بالآخر.
{ أين كان موقف المهدية حينها؟
– المهدية دعوة تمثل قمة الخصوصية السودانية، فهي مع  توحيد المسلمين لكن على ضوء أن يكون دور السودان فاعلاً (مُش مستجيب)، لأن الحركة الإخوانية والحركات الأخرى تتحدث عن هذه الوحدة، لكن يكون فيها السودان مستجيباً.. ميزة المهدية أنها تتعامل مع السودان كفاعل وليس مستجيباً.
{ ولهذا السبب اختلفت مع القوى الأخرى؟
– في رأيي هذا هو السبب. المهدية دعت إلى أن يكون دور السودان كفاعل، وآخرون اعترضوا على ذلك لأن لديهم انتماء لجهات أخرى خارج السودان، وهذا كان الموقف التاريخي.. ونتيجة لذلك حدث استقلال السودان في 26 يناير 1885م وظل هناك انقسام حول الدور السوداني الإسلامي لما جاءت فترة الحكم الثنائي.. الناس غير المنطلقين من الخصوصية السودانية رحبوا بالحكم الثنائي وتعاملوا معه، وفي خواتيم هذا الحكم برز اختلاف حول مستقبل السودان.
{ كيف تروي ذاكرتكم هذا الاختلاف؟
– عدد من السودانيين كانوا يرون مستقبله في علاقة اتحادية مع مصر.. المنطلقون من الخصوصية السودانية ووفق خلفية المهدية كانوا يرون للسودان مستقبلاً مستقلاً والإمام “عبد الرحمن” شرح هذه النقطة، قال: (أنا ليس ضد العلاقة مع مصر وفكرة المصير المشترك في قضايا الثقافة والدين، لكن لدينا حق السيادة للسودان والسودان للسودانيين، وبموجبها نتعامل مع غيرنا لذلك لا يمكن أن نضيع حقنا فيما يتعلق بغيرنا)، واختلفت الوسائل، ومن كانوا يريدون الوحدة رفضوا المؤسسات الدستورية البريطانية.
{ لماذا؟
– لأنهم كانوا لا يريدون استقلال السودان، لذلك كانوا لا يريدون أن تفضي هذه المؤسسات إليه، وكان هذا بدعم من الحكومة المصرية آنذاك. لكن الاستقلاليين قبلوا المؤسسات باعتبارها الآلية التي اتبعتها بريطانيا في كل مستعمراتها، وحصل الموضوع متدرجاً، وكان واضحاً عدم وجود قوى تستطيع تحقيق أهدافها بالقوة، لذلك هم قبلوا التدرج الدستوري، وكان هو الأساس الذي أدى إلى وضع دستور الحكم الذاتي الذي بُني عليه الدستور المؤقت لسنة 1954م.
{ هذا يعني أن الحركة الاستقلالية هى من حقق الاستقلال؟
– (مافي شك) أن الحركة الاستقلالية هي التي صنعت استقلال السودان، وجسدت الخصوصية السودانية المعنية، لكن كان واضحاً أن الحركة الاتحادية كانت تعبر عن معارضة للإنجليز  خلقت جواً وصفه الإمام “عبد الرحمن” بأنه كان مناسباً للحركة الاستقلالية.
{ كيف؟
– لأن الجو جعل الإنجليز يشعرون بالضغط، وبالتالي يوافقون على التطور الدستوري، وعندما جاء الوقت للحركة الاتحادية وهي في السلطة بأن تقرر بشأن استمرارها في الوحدة أو اختيارها الاستقلال، اختارت الاستقلال. وحينها كان هناك أشخاص في الحركة الاستقلالية يرون عدم السماح لـ”الأزهري” برفع العلم، وقالوا، لأنهم سيقولون نحن من حقق الاستقلال، وهذا سيضيع قضيتنا باعتبارنا كنا داعمين للاستقلال، لذلك ينبغي أن  نمضي في اتجاه إسقاط حكومة “الأزهري” وبعدها نذهب في الاتجاه الاستقلالي.
{ حسب ما قيل لك.. لماذا تراجع “الأزهري” عن الوحدة مع مصر؟
– “الأزهري” اتجه نحو الاستقلال لثلاثة أسباب.. السبب الأول، النظام في مصر كان دكتاتورياً والنظام في السودان ديمقراطياً، وكان هناك عدم تجانس في النظام السياسي.. والسبب الثاني، “الأزهري” شعر أن القواعد الشعبية في السودان تتجه نحو الاستقلال وهو رجل ديمقراطي لذلك فضل هذا الخيار.. السبب الثالث، وجد الحركة الاستقلالية برعاية الإمام “عبد الرحمن” مرحبة بالتحول ولم تعمل على معاقبته، والإمام عندما أخبره “الأزهري” بارك هذا التحول.
{ الآن بالنسبة للناس الحركة الاتحادية هى من أتى بالاستقلال؟
– صحيح، شكلاً بدا كأنهم هم من حقق الاستقلال برفع العلم، لكن أي إنسان موضوعي يعلم الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الاستقلال. بعد الاستقلال هناك بعض العناصر حاولت (تبخيس) دور حزب الأمة.. لكن التاريخ سيُنصف هذا الدور، ومهما كانت الملابسات والشكليات، ويحمد للحركة الاتحادية أنها في الوقت المناسب انضمت للاستقلال.
{ الإسلاميون في السودان يقولون إن البديل هو التيار الإسلامي.. فما هي الصورة التي ترسمها للمستقبل؟
– (شوفي يا أستاذة).. هناك تياران في العالم الإسلامي أحدهما في الغالب علماني بعيد عن وجدان الشعب، والآخر في الغالب إسلامي لكنه بعيد عن وجدان العصر، وكل الحركات في العالم الإسلامي تعكس هذا التباين، ما بين (ناس مشدودين) لوجدان الشعب بما يرفعونه من شعارات إسلامية لكنهم بعيدون عن وجدان العصر بما يطرحون من أفكار غير عصرية، والعكس هناك عصريون لكن يطرحون أفكاراً بعيدة عن وجدان الشعب.
{ وإلى أي خيار تنحازون؟
– نحن موقفنا التوفيق بين التطلعات الإسلامية والمطالب العصرية، لذلك نعتقد أن المستقبل في السودان والبلدان الأخرى لهذا الخط (مُش) للخطوط التي تطرح من قبل الآخرين.. (ناس دكتور “الترابي” وغيرهم منطلقين من مفاهيم إخوانية) ولهم أشواق من هذا النوع.. لكن في رأينا، في السودان ومصر وكل المنطقة سيسود تيار عصري بمرجعية إسلامية يعبر عن وجدان الشعوب.