جامعة إفريقيا العالمية تفوز بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام
حالة من الغبطة والسرور تملكتني من على البعد وأنا أمسك بالقلم لأسطر هذا المقال، مقالاً أريد به أن أشارك القراء الكرام هذه الحالة من النشوة ، نشوة الفوز وتحقيق الآمال وفرحة التميز ، ولم أكن لأفرح لولا أني قد تابعت ميلاد هذا التميز يوماً بيوم ولحظة بلحظة حيث إن التميز وُلد من رحم المعاناة والعنت والصبر الجميل من رجال أعطوا وما أبقوا من العطاء شيئاً؛ استطاعوا أن يحيلوا أرضاً يباباً بلقعاً إلى صرح شامخ يناطح النجوم نجاحاً وفلاحاً كمكافأة إلهية منتظرة من عند كريم حميد، حازت جامعة إفريقيا العالمية في الأيام الماضية أعظم جائزة علمية في العالم الإسلامي وهي جائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام في حفل بهيج يليق بالمناسبة شرفه جلالة الملك “سلمان بن عبد العزيز ال سعود” خادم الحرمين الشريفين حيث تسلم الجائزة أخي البروفيسور “كمال أحمد عبيد” مدير الجامعة من الملك “سلمان” أطال الله عمره يداً بيد وهذه الجائزة ما هي إلا تتويج لمجلس أمناء هذه الجامعة وإدارتها وأساتذتها وطلابها، حيث إن الجميع له دور ونصيب في هذا التميز والنجاح الباهر والتكريم الفخيم فجامعة إفريقيا التي ولدت معهداً صغيراً ثم كبرت وعظمت بجهود رجال تعاقبوا على إدارتها ورعايتها ودعمها خدمة للإسلام والدعوة والعلم .
عن الجائزة:
جائزة الملك “فيصل” العالمية لخدمة الإسلام هي فرعٌ من فروع جائزة الملك فيصل العالمية، وتُعدّ من أوائل فروع الجائزة إذ تم تأسيسها في سنة 1397 هـ/1977 م ومُنحت لأول مرة في عام 1399 هـ/1979 م إلى جانب فرع الدراسات الإسلامية. يُراعى في منح الجائزة ما للمرشح من جهودٍ فكريّةٍ أو عمليّةٍ تخدم الإسلام والمسلمين، ويُعدُّ مؤهلاً لنيلها كلُّ من خدم الإسلام والمسلمين (بعلمه ودعوته، أو قام بجهدٍ بارزٍ يتعدّى ما هو واجب، وينتج عنه فائدة ملحوظة للإسلام والمسلمين، ويحقق هدفاً أو أكثر من أهداف الجائزة؛ وذلك وفقاً لتقدير لجنة الاختيار وحكمها(.
فرع خدمة الإسلام هو الفرع الوحيد الذي لم يسبق وإن حُجب طوال سنوات الجائزة، وكان”أبو الأعلى المودودي” أوّل من نال جائزة الملك “فيصل” العالمية لخدمة الإسلام وذلك في سنة 1399هـ / 1979م، في الحفل الأوّل للجائزة، وقد سلّمه الجائزة الملك “خالد بن عبد العزيز آل سعود” ملك المملكة العربية السعودية حينها. نال الجائزة (40) شخصاً من جنسياتٍ مختلفة و (5) مؤسسات منذ انطلاقتها وحتى 2017، وكان من بينهم أربعةٌ من ملوك المملكة العربية السعودية هم: الملك “خالد بن عبد العزيز “ونالها سنة 1401هـ / 1981م ثم الملك” فهد بن عبد العزيز” في 1404هـ / 1984م،[2] ثم الملك “عبد الله بن عبد العزيز “في 1429هـ / 2008م، وأخيرًا نالها الملك ” سلمان بن عبد العزيز” سنة 1437هـ / 2017م إضافةً لعدّة رؤساء دول[1].
في 1420هـ / 2000م مُنحت جائزة الملك “فيصل” العالمية لخدمة الإسلام لجامع الأزهر ليكون أوّل المؤسسات أو الجمعيات التي تفوز بالجائزة وذلك للخدمات الجليلة التي قدَّمهَا للعالم الإسلامي، ومنها أنه قام – ومازال يقوم – عَبر جامِعته وفروعها ومعَاهِده داخل مصر وخارجها بجهود عظيمة في سبيل نشر الإسلام وتعليم أحكامه ونشر اللغة العربية، وأنه كان – وما زال – مَأوى لآلاف الطلاب للتعلُّم الديني؛ إضافة إلى دوره الكبير في حفظ التراث العربي الإسلامي، ومقاومته محاولات التغريب، ومسَاهمته في تعميق الأصَالة الإسلاميَّة والعربيَّة.”، وفي العام الذي يليه في 1421هـ / 2001م، مُنحت الجائزة للهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك، وأيضاً مُنحت لمؤسسة “سلطان بن عبد العزيز آل سعود” الخيرية في 1423هـ / 2003م، ومؤسسة “الحريري” الخيرية في 1425هـ / 2005م، والجمعية الشرعية الرئيسية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية سنة 1430هـ / 2009م.
انضمت جامعة إفريقيا العالمية لركب المؤسسات الإسلامية الأكثر تميزاً حيث إنها أصبحت المؤسسة السادسة على مستوى العالم تنال هذه الجائزة العظيمة. وتعتبر جائزة الملك “فيصل” العالمية واحدة من كبريات جوائز التميز على مستوى العالم والأولى على مستوى العالم الإسلامي، وهي تضاهي جائزة “نوبل” الدولية المشهورة، ويمكننا أن نطلق على جائزة الملك “فيصل” العالمية ( نوبل العالم الإسلامي وخدمة الإسلام أسمى وأنبل ) وفي تقديري أن جائزة الملك “فيصل” العالمية هي أكثر تميزاً ومصداقية من الأخرى لما لها من أهداف سامية ونزاهة عالية ومعايير لا حياد عنها دون الارتهان لأي توجهات سياسية أو أيدولوجية تؤثر على مسارها وسمعتها وإنما هي جائزة عالمية لها مؤسسة عريقة ومجلس مميز تمجيداً لروح الملك الخالد حامي حمى الإسلام الملك الراحل “فيصل بن عبد العزيز آل سعود” وما أدراك ما الملك “فيصل” وما صنع “فيصل” رحمه الله لخدمة الإسلام والعروبة .
لم تصل جامعة إفريقيا العالمية لهذا التميز خبط عشواء وإنما كان ذلك ثمرة لعمل دؤوب وجهد متواصل من أجل الارتقاء بهذه المؤسسة الرسالية حتى تضطلع بدورها الرسالي تجاه مسلمي العالم ، استمدت هذه الجامعة العريقة اسمها من استهدافها المباشر لمسلمي إفريقيا باعتبار أن مسلمي إفريقيا أكثر مسلمي العالم حاجة للتعليم والإرشاد لأسباب يعلمها الجميع فالمسلمون في إفريقيا يواجهون على مر الأيام والسنوات أوضاعاً بالغة الصعوبة والتعقيد في قارة تعاني الفقر والجهل وانتشار الأمية والحروب وتردي الأوضاع الإنسانية ، فالقارة الإفريقية ينشط فيها العمل التبشيري التنصيري ويضمحل فيها العمل الدعوي الإسلامي والقليل من الانشطة التي تقوم بها بعض المنظمات والتي ظلت هي الأخرى تواجه ذات المتاعب والصعوبات التي تواجه مسلمي إفريقيا والتي تشكل تحديات جسيمة أمام انتشار الإسلام واستقرار أوضاع المسلمين في إفريقيا وقد تميزت الجامعة منذ بذرتها الأولى متمثلة في المعهد الإسلامي الإفريقي الذي أنشئ في العام 1966 بالعاصمة السودانية الخرطوم ، والذي احتضن حينها عدداً مقدراً من الطلاب الأفارقة في المرحلتين المتوسطة والثانوية والذين أصبحوا فيما بعد سفراء للمعهد ولما بعده، بل شكلوا نواة للعمل الدعوي والتعليم الإسلامي في اوطانهم خاصة في مجتمعاتهم المحلية والتي تكون عادة وفي أغلب الأحيان بعيدة أشد البعد عن الجو الإسلامي الصحيح ، ومن ثم تطورت إلى المركز الإسلامي الإفريقي في العام 1977م بمبادرة من حكومة السودان أطلقتها عام 1972م واستجابت لها بكل ترحاب ومحبة كل من المملكة العربية السعودية، ومصر، والكويت، وليبيا، وقطر، والإمارات، والمملكة المغربية. جاء اختيار السودان دولة مقر لما يتميز به السودان من موقع استراتيجي مثال في إفريقيا ولقربه من قلب العالم الإسلام والأراضي المقدسة ، كما أن للسودان أيادي سابغات في خدمة الإسلام والمسلمين من حجاج بيت الله من جل دول إفريقيا حيث يمثل السودان معبراً تاريخياً لحجاج بيت الله ، ويمثل انتماء السودان الإفريقي الإسلامي أفضل الخيارات لاحتضان هذه المؤسسة المتفردة.
ثم جاءت المرحلة اللاحقة بتحولها إلى جامعة إفريقيا العالمية في العام 1991م لتتوسع كماً ونوعاً في أداء رسالتها، لتتطور تطوراً مضطرداً من حيث التميز الأدائي والعلمي، ومن حيث الطاقة الاستيعابية والتطور الهيكلي ليبلغ عدد كلياتها 21 كلية منها 11 كلية للعلوم الإنسانية و 10 كليات للعلوم التطبيقية بسعة استيعابية بلغت (10439) طالباً في درجة البكالوريوس و (1776) طالباً في درجة الدبلوم حيث بلغ عدد خريجي الجامعة (33) ألف طالبة (3297) من حملة درجة الماجستير و(647) طالباً وطالبة من حملة درجة الدكتوراة من (84) جنسية حول العالم وهذا ما أكسبها صفة العالمية، وقد توافد عليها في السنوات الأخيرة عدد مقدر من الطلاب من بلدان مختلفة لم يكن لها وجود في مجتمع الجامعة حيث شكلوا مجتمعاً دولياً مصغراً لم يكن يجمعهم إلا العلم والإسلام ، إلا أنه ومن خلال أنشطة الجامعة تشكل مجتمع جديد تتباين فيه العادات والتقاليد والأفكار تلتقى وتتلاقح حيث أصبح هؤلاء الطلاب سفراء للجامعة في أوطانهم ، وقد تميز بعضهم ليصبحوا قادة منهم الوزراء ومنهم السفراء ومنهم الأساتذة ، ليتحولوا من طلاب متلقين للدعم لقادة داعمين للجامعة بأفكارهم وأموالهم وعقولهم ، لتصبح سمعة الجامعة في عنان السماء على مستوى العالم .
تميزت الجامعة من حيث البيئة التعليمية المتطورة مستخدمة أفضل المناهج والوسائل التقنية في آن واحد كما أنها جمعت بين الجوانب النظرية و التطبيقية العملية حيث لدى الجامعة مستشفى للجانب التطبيقي لطلاب العلوم الطبية ومزرعة كبيرة لطلاب الزراعة والإنتاج الحيواني ومعامل متطورة لطلاب الصيدلة والإنتاج والصناعات التحويلية وقناة فضائية وإذاعة لتدريب طلاب الإعلام .
الأهداف التي أنشئت لأجلها الجامعة:
نص النظام الأساسي للجامعة على أهداف واضحة تسعى لتحقيقها ، وتتمثل في الآتي:
(1) إتاحة فرص التعليم العالي لأبناء إفريقيا وغيرهم، تؤهلهم للمساهمة الفاعلة في بناء أوطانهم والنهوض بها في مدارج الرقي والتقدم.
(2) نشر المعرفة وبخاصة العلوم الإسلامية واللغة العربية.
(3)إشاعة قيم التسامح والتوسط والاعتدال.
(4) الاهتمام بالعلوم التطبيقية والتقنية، بجانب العلوم الاجتماعية والإنسانية وتأصيل هذه العلوم حتى ترتبط بتراث الأمة وثقافتها.
(5)الاهتمام بالدراسات العليا والبحث العلمي والتطبيقي من أجل نهضة إفريقيا وتطورها.
(6) تدريب الطلاب على المهارات التقنية والمهنية والتعليمية التي تعينهم على خدمة أوطانهم في مجالات الحياة المختلفة.
(7) تهيئة المناخ الملائم للتفاعل الفكري والوجداني بين الطلاب على اختلاف مجتمعاتهم وأعراقهم، حتى تقوى بينهم معاني الأخوة والتضامن.
عضوية الجامعة في الاتحادات:
أصبحت جامعة إفريقيا عضواً لعدة اتحادات جامعية دولية وإقليمية اذكر منها:
الاتحاد العالمي للجامعات ( IAU)
– اتحاد الجامعات العربية (AARU)
– اتحاد جامعات العالم الإسلامي
– (FUIW)- اتحاد الجامعات الإفريقية (AAU)
– اتحاد الجامعات السودانية (SAU)
موارد الجامعة
تعتمد الجامعة في مواردها على المانحين من مجلس أمناء الجامعة الذي يضم عدداً مقدراً من الباذلين من أهل الخير من رجال المال والأعمال من شتى أنحاء العالم ( دول الخليج ، السودان ، نيجيريا ، تركيا ، مصر ، الدول العربية الأخرى دون تفصيل)، المنح من حكومات الدول الإسلامية والاستثمارات الخاصة بها ، كالعقارات وهي عدة عمارات تمتلكها الجامعة وتستفيد من عائدات إيجارها، والمزرعة الجامعية والمصانع الصغيرة التي حققت الاكتفاء الذاتي لجامعة إفريقيا من منتجات اللحوم والألبان والدواجن وبيض المائدة والخضروات والفاكهة والعسل والمربى والمعكرونة وزيوت الطعام وما يفيض يذهب إلى السوق ليشكل إضافة لا بأس بها لموارد الجامعة.
هيئة تدريس الجامعة:
استطاعت الجامعة بتميزها وشهرتها أن تجذب عدداً مقدراً من أفضل الأساتذة في مختلف التخصصات وتسعى إدارة الجامعة لتوفير أفضل بيئة عمل لهم من حيث التقييم المادي والمعينات حتى تصبح بيئة مساعدة على الإبداع والتميز. تضم هيئة التدريس بالجامعة (661) أستاذاً في مختلف التخصصات (541) منهم يعملون بدوام كامل و (120) بدوام جزئي (متعاقدين) .
وتتوالى مفاجآت الجامعة ممثلة في النجاحات التي يحققها جل المنتمين إليها من طلاب وأساتذة وإداريين، فلا يمر وقت إلا ونرى إضافات حقيقية على بيئة الجامعة ومنشآتها التي لا تتوقف ولله المنة والحمد، ولقد لمست ذلك التطور في عيون أعضاء مجلس أمناء الجامعة وزوارها الذين ما أن يمر عام فينعقد مجلس أمناء الجامعة حتى ترى الدهشة في عيونهم إعجاباً وفخراً بما يتم إنجازه في جامعتهم التي تمثلهم وتحمل اسمهم .
قد لا يتسع هذا المقال لسرد الكثير والمثير للإعجاب والزهو لهذه المؤسسة العملاقة وما تقدمه من خدمات جليلة للطلاب المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، أتمنى من الله العزيز الكريم أن يوفق كل القائمين على أمرها لفعل الخير وأن نراها في مصاف المؤسسات العلمية على مستوى العالم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
جامعة إفريقيا يا نوراً ومنارة أضحت للخير والعلم رمزاً وعنواناً
اليوم قد توجك الكبير كبيرة تضمخت بعطر الفوز سيرة ومكاناً
إفريقيا أضحت بك للعلم جنة ولرسالة الإسلام معقلاً وأماناً
فلتسعد بك أمة الإسلام في كل بقعة خدمة للدين والإنسانا
فالحرف لا يوفيك حقك فقد أخرست بفوزك منطقاً وبياناً
د. مصطفى عثمان إسماعيل
رئيس مجلس أمناء جامعة إفريقيا العالمية
جنيف / 26 مارس 2019