بقلم: الحاج أحمد مصطفى
*لعل العشق الذي نحمله لجهاز الإذاعة منذ طفولتنا في تلكم المدينة الوادعة الراقدة في أحضان النيل الأبيض (الدويم) وشغفنا يومها باقتناء جهاز راديو صغير، في وقت لم تكن للوسائط الإعلامية وجوداً أو مكاناً إلا التلفزيون الذي تتحلق حوله الأسر، وهو يأتي إلينا من ود مدني الحبيبة عاصمة الإقليم، ومن ثم الولاية الوسطى عبر أجهزة المايكرويف، وكنا تحت رحمة التيار الكهربائي والذي كثيراً ما حرمنا من متابعة مباريات القمة، والحلقة الأخيرة من المسلسلات العربية والأجنبية، فتجدنا نتنقل من منطقة لأخرى داخل مدينتنا الحبيبة علنا نظفر بكهرباء تتيح لنا مشاهدة مستمرة، وقتها كانت الدويم ترزح في ظلام دامس طوال أيّام الأسبوع، وذلك في بداية التسعينيات إلا من بعض السويعات ويقسم الإمداد الكهربائي كما يقسم التموين (رد الله غربته) والسعيد من جاءه وقت الحاجة إليه، حتى أقالت الدولة عثرتنا فتم مد المدينة من شقيقتها كوستي وربطت من الشبكة القومية للكهرباء بالخط الذي امتد للأبيض والفولة ومنها لولايات دارفور إن شاء الله قريباً (حيّا الله تلك الأيام) مما دعاني لاجترار تلكم الذكريات هو تعلقنا بجهاز الراديو وارتباطنا به خاصة الإذاعة السودانية وبرامجها من لسان العرب إلى نشرات الأخبار إلى عالم الرياضة والذي ارتبط اسم الدويم فيه بالمرحوم الإعلامي “محمد عبد الماجد” والذي ظل يراسله، لأكثر من خمسة وأربعين عاماً، وكذلك تلفزيون السودان عبر برامجه المتعددة والشيقة، لقد ظلت الإذاعة في وجداننا حتى قيض الله لنا الالتحاق بها فجابت بِنَا السودان طوله وعرضه وأتاحت لنا أن نساهم في إنشاء إذاعة النيل الأبيض من كوستي في العام ٢٠٠٣وقبلها عبر موجة إذاعة ود مدني في العام ١٩٩٩، وقتها عندما كلفت بأمر التأسيس كنت أردد وأطالب بإنشائها في كل لقاء يقام سياسياً كان أو اجتماعياً حتى قيض الله لنا الشيخ “عبد الرحمن نور الدين” والياً على النيل الأبيض فأمر بتشييد الإذاعة ودعم إنشائها ورحم الله الأمير “عبد الرحمن كمبال” وزير المالية وقتها، ومدير وزارته الأخ “حافظ محمد سوار” وأنزل الله على قبريهما شآبيب رحمته فساعدانا فيي أن ترى النور ويتحول الحلم إلى حقيقة وأمد الله في أيّام أستاذنا “محمد آدم سعيد” الوزير المختص وقتها، وهو يهتم ويتابع حتى صارت للولاية إذاعة ملء السمع، قلت إنني كنت معروفاً عندما أعطي فرصة للحديث سأتحدث، وأنادي بإقامة الإذاعة بالولاية، وكان بعض أعمامنا من السياسيين ببحر أبيض يقولون عندما يروني أتقدم للحديث (ياها رميته الآن سيحدثنا عن الإذاعة ما عنده غيرها) ولَم أكن اهتم بما يقولونه، الْيَوْمَ. أردد ما قلته في لقاء الإعلاميين والصحفيين الأخير بالسيد رئيس الجمهورية، ومطالبتي له بزيارة الإذاعة السودانية وإعطائها ساعة من وقته المزدحم ليرى كيف جار عليها الزمن وكيف ضاع تراث الأمة السودانية من أحاديث سياسية وأغاني وأناشيد وبرامج وغيرها امتدت أكثر من سبعين عاماً، تندثر في كل يوم وفِي كل ساعة في مكتبتها الصوتية والمرئية واستديوهاتها التي تعمل بجهود أبنائها مع توقف بعضها تحتاج إلى دراهم معدودة بخلت بها وزارة المالية وأَوصدوا أبوابهم في وجهها وكأنها زهدت في كيان يُسمى الإذاعة السودانية، والتلفزيون القومي، سيدي الرئيس، الإذاعة والتلفزيون والعاملون بهما في انتظارك، أتمنى ألا يطول الانتظار وعندها سنبكي جميعاً على شيء كان اسمه الإذاعة والتلفزيون.