العودة للقديم
{ بعد 18 عاماً لتوقيع ميثاق أسمرا للقضايا المصيرية كأول اتفاق بين مشروعية الذخيرة ومشروعية صناديق الانتخابات.. أعادت بعض القوى السياسية عقارب الساعة للوراء.. ووقفت هذه المرة على أبواب كمبالا بدلاً عن أسمرا، و”موسفيني” كوكيل بدلاً عن “أسياس أفورقي” للتوقيع على اتفاق جديد يضاف لرصيد اتفاقيات قوى المعارضة المدنية ومليشيات الحركات المسلحة.. بلا وعي أو قراءة للتاريخ والاستفادة من دروسه وعبره أقدمت قوى المعارضة على حماقة جديدة تضاف لرصيدها الذي يفيض بالحماقات غير المدروسة بالتورط في اتفاق يخصم كثيراً من رصيدها وجماهيرها ويمنح الحكومة فرصة تاريخية لوضع المعارضة في مواجهة جماهيرها في الداخل، ويبرّر للسلطة أن تتخذ من التدابير الوقائية والاحترازية ما يجعل المعارضة تدفع ثمن انسياقها وراء الحركات المسلحة التي تستخدم الأحزاب مطية لإضفاء مشروعية لأنشطة غير مشروعة.. وسرعان ما تتخلى القوى التي تحمل السلاح لحظة حصاد ثمار بندقيتها عن الأحزاب والقوى المدنية.. والأحزاب الشمالية باستثناء الحزب الاتحادي الديمقراطي لم يتعلموا من دروس التحالف مع المليشيات المسلحة وقد كفر حزب الأمة يوماً باتفاق أسمرا وميثاقها وقاد جحافل كفر الحزب أحد دعامات كمبالا اليوم السيد “مبارك الفاضل المهدي”.. واليوم يعود بعض من قيادات حزب الأمة (لتجريب) المجرب مرة أخرى مدفوعين بأشواق بعض الجيوب اليسارية في الحزب، وهؤلاء لم يتعلموا من التاريخ وعبره ودروسه وكيف (تخلى) الراحل “جون قرنق” والحركة الشعبية عن الأحزاب الشمالية بلا استثناء إلا بعض (المرضي) عنهم من الشيوعيين حينما أزفت ساعة الحقيقة فاوض “قرنق” الحكومة لأجندته وترك الأحزاب الشمالية في (الصقيع) حتى جادت عليهم بعض قيادات المؤتمر الوطني باتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي من أجل خاطر السيد “محمد عثمان الميرغني”..
{ الأحزاب المعارضة لا تملك نفعاً لقطاع الشمال أو “مني أركو مناوي” ولا ثمرة تحصدها حركة العدل والمساواة من الأحزاب التي أقعدتها (العزائم) وهدت قواها أمراض الشيخوخة وباتت عاجزة عن تسيير مظاهرة في شوارع الخرطوم، والأحزاب التي وقعت مع (الميشيات) في كمبالا لو كانت تملك رصيداً في الشارع السوداني لفجرت ربيعاً عربياً جديداً في السودان، ولكنها أحزاب قعيدة تتحدث بلسان لا يعيره الشعب التفاتة..
وكذا المليشيات التي هُزمت في ميدان المعركة وتقهقرت الآن الحركات المسلحة في دارفور، ولم تصمد في وجه القوات المسلحة حتى أضحت كقطاع طرق بين المدن والقرى يمارسون النهب ويبثون الكراهية بين مكونات دارفور، وفشل قطاع الشمال في النيل الأزرق وتكسرت أجنحته وطرد “مالك عقار” من الكرمك، والآن المعركة في قلب جبال النوبة لاقتلاع الحركة الشعبية..
وحينما يجتمع بعض من قادة الأحزاب الحائرة والمليشيات المسلحة المهزومة في كمبالا ويوقعون على ميثاق (الفجر الجديد) فإنهم يعيدون فقط للذاكرة تاريخاً مخزياً للتحالفات التي لم تحقق أية نجاحات حتى في النشاط السياسي الجماهيري دع العمل العسكري الذي (جربته) الأحزاب منذ السبعينيات وحصدت ثماراً شديدة المرارة وفقدت قواعدها وأرصدتها وعادت خائبة تائبة، ولكنها سرعان ما يغرر بها بعض اللاعبين غير الموهوبين في المسرح السياسي.