*ليس هنالك ما هو أشد مرارة من مصادرة حق العمل في وطنك، وأكثر ألما منه أن تجد الوظيفة ولا تجد حرية الإبداع والحركة،فهذا الواقع (المرهق نفسياً) تعاني منه الخدمة العامة في السودان في كل عهود الحكم الوطني المتنقلة من حال إلي حال،وكل نظام حكم يفرض علينا (أجندته السياسية) التي تطلب (الولاء) قبل (الكفاءة)،فيعفي هذا ويعين ذاك الذي يبدأ على الفور في هدم كل أو معظم ما ورثه من سابقه أو على الأقل وضعه بكامله على الرف،ولهذا فقدنا خاصية (تواصل الأجيال) وتبادل المعارف وبدأ العمل العام وكأنه رحلة تعود دوماً للوراء لتبدأ من (الصفر).. بعد أن نكون أهدرنا الكثير من المال العام في التوظيف والتدريب والبعثات الخارجية ،ولا عزاء للشعب الذي صرف كل هذه الأموال على أبنائه ليصنعوا له وطناً شامخاً ومستقبلاً مشرقاً!!
*تأريخنا السياسي يسجل بين الحين والآخر مشاهد (إهدار الكفاءات) بلا بصر وبصيرة، بل بموجب سلطان السياسة الذي لا يرينا إلا ما يرى…فقد عايشنا (دعوات التطهير) في زمن مضى وسمعنا شعارات (كنس آثار مايو)، وهتافات (لن تحكمنا بقاياه)، وعايشنا سياسة ( الإعفاء للصالح العام) ، واليوم نسمع (الكوز ندوسو دوس)…فكل تلك الأدبيات السياسية المؤذية تلتقي في (مأساة الإقصاء الوطني)، والذي يمثل (استعماراً) في زي سوداني… فما أمرّها فجيعة وما أبخسه واقع نصنعه بأيادينا…كان عالمنا الفيزيائي العالمي (بروفيسور عبد الله عبيد) واحداً من ضحايا هذا (الوجع الوطني)، وعلماء آخرين في مختلف التخصصات الحديثة من طب وهندسة وزراعة وإدارة وإعلام وتخصصات أخرى، فقدناهم بسبب حماقات السياسة، فكانوا من نصيب دول المهجر غنمتهم ووفرت لهم بيئات العمل الصالحة واستفادت منهم، وهانحن اليوم في أمس الحاجة إليهم، وقد يكون من الصعوبة أن نجدهم مرة أخرى!!
*لا نقول إننا في (فقر مدقع) للكفاءات،بل الصحيح إن الكفاءات متوفرة وموفورة الصحة والعافية والعلماء وحملة الشهادات العلمية الرفيعة بالآلاف،فقط تنقصنا بيئة العمل (المعافاة) والمتحررة من المضايقات والكيد والنفاق والولاءات السياسية العمياء والنفعيين والإدعاءات الجوفاء،تلك (الأسقام) التي عطلت حرية الإبداع والحركة في العمل العام وحولته لسوق لكسب المعاش، أما العمل للمصلحة العامة،فقد أضحى مظهراً نادراً وسط سلوكيات قتل الوقت في الأنس والنميمة والأكل والشرب داخل المرافق العامة..!!
*مراجعة ملفات العاملين في أجهزة الدولة بمختلف تخصصاتها، نراها خطوة جيدة بدأها رئيس الوزراء،ولكنها لن تكون ذات جدوى إن لم يكن المعيار (الكفاءة أولاً) قبل أي حسابات سياسية أو مجاملات ذقنا ويلاتها من قبل….وعموماً سنري إن هو استطاع أن يخرج علينا بسلة مملوءة بفاكهة عذبة من الكفاءات!!
*سنكتب أكثر!!!